موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية


14 - فصّ حكمة قدريّة في كلمة عزيريّة .شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي


استناد هذه الحكمة إلى الكلمة العزيرية قد ذكر فيما تقدّم ، ويذكر في شرح المتن وفيه من كون العزيز عليه السّلام طلب العلم بكيفية تعلَّق القدرة بالمقدور وهو من سرّ القدر .
"" فأضيفت حكمة عزيرية عليه السّلام إلى القدر لطلبه العثور على سرّ القدر ، وكان الغالب على حاله القدر والتقدير . " فَأَماتَه ُ الله مِائَةَ عامٍ "
ولما سأله الله تعالى : " كَمْ لَبِثْتَ " عن قد ما لبث ، قال بالتقدير : " لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ".
وقوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها " استفهام استعظام وتعجّب عن كيفية تعلَّق القدر بالمقدور بالنظر الظاهر على ما سيأتيك نبؤه عن قريب .""
وذلك في قوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها " ظاهر الدلالة اللفظية على الاستبعاد والاستعظام أن يحيي الأرض الميّتة بعد الموت والدثور ، وليس في استعدادها الحاليّ قبول الإحياء وليس ذلك كذلك .
فإنّ الحقيقة على خلاف ذلك ، والاستبعاد من حيث النظر العقلي من حيث الإمكان الخاصّ ، ولا يستبعد مثله - ممّن شرّفه الله تعالى بالنبوّة - إحياء الله الموتى ، ولكنّ المراد طلب العلم بكيفية تعلَّق القدرة الإلهية بالمقدور حقيقة كما نذكر .
قال رضي الله عنه : ( اعلم : أنّ القضاء حكم الله في الأشياء ، وحكم الله على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم الله في الأشياء على حدّ ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد ،فما حكم القضاء على الأشياء إلَّا بها ، وهذ هو عين سرّ القدر " لِمَنْ كانَ لَه ُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " " فَلِلَّه ِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ")

يشير « رضي الله عنه » إلى أنّ الحكم الإلهي على الأشياء هو بموجب ما اقتضته الأشياء من الحكم الكامن في عينها ، ولا سيّما حكم الحاكم العليم الحكيم لا يقضي بخلاف ما علم من مقتضى عين المعلوم .
وإذا علم الحاكم ما في استعداد المحكوم عليه وقابليته من الحكم ، فحينئذ يحكم عليه بما يستعدّ له ويقتضيه وهو في وسعه وطاقته من غير مزيد حكم من خارج ذات المعلوم المحكوم عليه ممّا ليس في وسعه ، فتخصّصه المشيّة بموجب خصوصه الذاتي ،وتعيّن الحكم بحسب تعيّنه في العلم الأزلي وعلى قدره لاغير .
ثمّ اعلم : أنّ القضاء هو الحكم الكلَّي الأحدي من الله الواحد الأحد في كل مقضيّ عليه بكل حكم يقتضيه المحكوم عليه .
والقدر توقيت ذلك الحكم وتقديره بحسب إقرار المعلومات إلَّ بما هو عليه في نفسه بلا زيادة أمر على ذلك.
فلا يقال كما قالت الجهلة البطلة الظلمة في حكمهم على الله :
إنّه قدّر على الكافر والجاهل والعاصي الكفر والمعصية والجهل ، ثمّ يؤاخذه عليه ويطالبه بما ليس في قوّته ووسعه ، بل الله سبحانه إنّما كتب عليه وقضى وقدّر بموجب ما اقتضاه المحكوم عليه أزلا باستعداده الخاصّ غير المجعول من الله أن يحكم عليه بالظهور على ما كان عليه .
وإظهار ما فيه كامن بالإيجاد وإفاضة الوجود عليه .
ولا يقال : إنّ الله جعل فيه ذلك الاستعداد الخاصّ إذا وجده في العلم كذلك أو وضعه فيه وما شاكل هذه العبارات ، لأنّ البحث والنزاع قبل الإيجاد .
فلا يقال : إنّ الله أوجدها قبل إيجادها أو وضع فيها ما ليس فيها ، وإذ لم يجعل الله في المعلومات الأزلية قبل إيجادها ما كان خارجا عنها ، ممّا لا يكون ملائمها أو يلائمها من الكمال والنقص ، والمحمود والمذموم ، والنفع والضرّ .
"وَما ظَلَمَهُمُ الله وَلكِنْ كانُو أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " ." فَلِلَّه ِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " علينا بنا ، فإنّ حكمه علينا بموجب حكمته وعلمه ، ومقتضى ذاته وحكمته وعلمه أن يحكم على الأشياء بما هي عليها في أعيانه .
قال رضي الله عنه : (فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضي ذاتها ، فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ، فكل حاكم محكوم بما حكم به وفيه ، كان الحاكم من كان . فتحقّق هذه المسألة ،فإنّ القدر ما جهل إلَّ لشدّة ظهوره ، فلم يعرف ،وكثر فيه الطلب والإلحاح).

يعني رضي الله عنه : أنّ الحاكم الحكمية إنّما يحكم - كما ذكرنا - على المحكوم عليه بمقتضى حقيقة المحكوم عليه ، ولا يقدّر له إلَّا على قدره وبقدره من غير زيادة ولا نقصان ، ولا تتعلَّق القدرة إلَّا بالمقدور بحسب قدره ووسعه لا غير ، فالحاكم محكوم حكم المحكوم عليه بما يقتضيه ، وقضاؤه عليه تابع لاقتضائه .
أعني : قضاء الله المقضيّ عليه بالمقضيّ به بحسب اقتضاء المقضيّ عليه من القاضي أن يقضي عليه بما اقتضاه لذاته ل غير ، وهذا ظاهر ، بيّن الوضوح ، ولشدّة وضوحه ذهل عنه وجهل به وطلب من غير موضعه ، فلم يعثر على أصله وسببه ، وليس فوق هذا البيان في سرّ القدر بيان إلَّا ما شاء الله الواسع العليم ، علَّام الغيوب ، وعليه التكلان وهو المستعان .

قال رضي الله عنه : ( واعلم : أنّ الرسل صلوات الله عليهم - من حيث هم رسل ، لا من حيث هم أولياء وعارفون - على مراتب ما هي عليه أممهم ، فم عندهم من العلم الذي أرسلوا به إلَّا قدر ما تحتاج إليه أمّة ذلك الرسول ، لا زائد ولا ناقص .
والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض ، فيتفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها ، وهو قوله تعالى : " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ " كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم من العلوم والأحكام متفاضلون بحسب استعداداتهم ، وهو قوله : " وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ " ).
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الرسول برسالته إلى أمّة لا بدّ له من العلم بالرسالة والمرسل - اسم فاعل - من كونه مرسل وبالمرسل إليه من حيث ما فيه صلاحه دنيا وآخرة ، فهو من كونه رسولا لا يلزمه من العلم إلَّا ما يحتاج إليه المرسل إليه - أعني الأمّة - وتتمّ به الرسالة لا غير ، ولكنّ الرسول - من كونه عالما بالله عارفا به وليّا له - قد يؤتيه الله من العلم ما فيه كماله الخصيص به .

وأمّا التفضيل والتفاضل بينهم من كونهم رسلا وأنبياء فبسعة فلك الرسالة أو عظمها وحيطتها وعمومها ، فإنّ كثرة إيحائها في عمومها تستدعي كثرة علومها ، وقد يكون لهم تفاضل في العلم بالله وعلوّ المقام وقوّة الحال وغير ذلك .
ولكنّ الرسل ما داموا رسلا وكانوا يمهّدون في إبلاغ الرسالة سبلا ، ليس عليهم ولا لهم إلَّا ما يحتاجون إليه في أداء الرسالة وتبليغ الدعوة ل غير ، وقد يطوي الله عنهم العلوم التي لا تقتضيها الرسالة وتنافيها ظاهرا كالعلم بسرّ القدر .
فإنّه يوجب فتور الهمّة عن طلب ما هو غير مقدور ، ودعوى من يعلم أنّ الله قدّر عليه الكفر والجحود والعصيان ، ومقتضى الرسالة الجدّ والعزم والجزم في كلّ ذلك ، فوجب طي ما يوجب الفتور فيما هو بصدده .

قال رضي الله عنه : ( وقال تعالى في خلق الخلق : "وَالله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ في الرِّزْقِ " والرزق منه ما هو روحاني - كالعلوم - وحسّيّ كالأغذية ، وما ينزّله الحقّ إلَّ بقدر معلوم ، وهو الاستحقاق الذي يطلبه الخلق .
فإنّ الله " أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه ُ " فينزّل بقدر ما يشاء من نفسه ، وما يشاء إلَّا ما علم فحكم به ، وما علم - كما قلناه إلَّا بما أعطاه المعلوم ، فالتوقيت في الأصل للمعلوم ، والقضاء والعلم والإرادة والمشيّة تبع للقدر ، فسرّ القدر من أجلّ العلوم ، لا يفهمه الله إلَّا لمن اختصّه بالمعرفة التامّة ، فالعلم به يعطي الراحة الكلَّية للعالم به ، ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا ، فهو يعطي النقيضين ، وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرضا ، وبه تقابلت الأسماء الإلهية ) .
قال العبد : أمّا الراحة فلأنّ العالم بسرّ القدر يتحقّق أنّه لا يكون إلَّا ما أعطته عينه الثابتة أزلا ، والذي أعطته حقيقته أزلا لا يتخلَّف ولا يتغيّر ولا يتبدّل أبدا ، فيريح نفسه من طلب م لا يدرك إلَّا ما علم أنّ إدراكه بالطلب أيضا في القدر .
قال العبد : ولمّا فتح الله لي في حقيقة سرّ القدر ورزقني التحقّق به ، رأيت في مبشّرة كأنّي في مسجد أو معبد مجموع في دائر حيطانه طاقات رفيعة مرفوعة ، فيها شموع مضيئة موضوعة ، فرأيت في طاقة منه كتابا متوسّط الحجم على قطع كبير أسود الجلد محكما قديما ، فأخذت الكتاب وفتحته باسم الله .
فإذا مكتوب عليه : « كتاب سرّ سرور النوم واليقظة »
فسررت بوجدانه ، وكأنّي كنت عمرا في طلبه ، فأخذته في حضني تحت صنعي ، حتى أطالعه بالتدبّر والتأمّل على الواجب ، ثمّ استيقظت .
فسررت بذلك ، ثمّ علمت أنّي أوتيت سرّ القدر ، وعلمت أنّي أسرّ بسرّ القدر في نومي الذي هو مدّة عمري في النشأة الدنياوية ، ويريحني الله عن طلب ما لم يقدّر لي ، ثمّ أسرّ به أيضا إن شاء الله العليم القدير الحكيم ، إذا استيقظت من هذا النوم عند لقاء الله الموعود المنتظر عند انقضاء الأجل المعلوم ، والحمد لله أوّلا وآخرا وباطنا وظاهر .
وأمّا كون هذا السرّ يعطي العذاب الأليم فلأنّه يرى أعيانا على أكمل استعداد ، ويتأتّى لهم التحقّق بكل كمال وفضيلة في الدنيا والآخرة وفيما يتعلَّق بالله خاصّة ، وقد تحقّق أنّه ليس في استعداده الذاتي ومقتضى حقيقته الظهور بكلّ كمال إنساني إلهي دنيا وآخرة أو في إحداهما دون الأخرى وإن تيسّر البعض .
فيرى أنّه نقص في كمال العبدانية المظهرية ، فيتألَّم ويتحسّر ويتضجّر يتحيّر أيضا من القدر على عدم بلوغه إلى ما يبلغه غيره ، وأنّه ما ينال ذلك السعي والجهد ، فتتضاعف حسراته وآلامه بالقدر لذلك ، فلهذا معنى سرّ القدر من كونه يعطي العذاب الأليم .
والوجه الآخر في ذلك أنّه يؤمر بما يعلم أنّه ليس في استعداده الإتيان به ، كم سنذكره في الذوق المحمدي إن شاء الله تعالى .

وأمّا ترتّب الرضا والغضب الإلهيّين عليه فلأنّ الغضب يترتّب على الحكم العدمي الذي يفضي إلى عدم القابلية والاستعداد والأهلية والصلاحية لإتيان ما فيه سعادته وكماله .
فيتعيّن الغضب الإلهي بموجب ذلك .
وإذا كان مستعدّا لقبول الرحمة والفيض والعناية ، والإتيان بالأعمال والأخلاق والعلوم والأحوال المقتضية للسعادة في خصوص قابليته ، فيترتّب على ذلك ، الرضا من الله .

وأمّا تقابل الأسماء بسرّ القدر فلأنّ أعيانا معينة تقتضي بحقائقها واستعداداتها الذاتية تعيّن الوجود الحق فيها بحسب خصوصياتها الذاتية العينية ، على نحو أو أنحاء يتحقّق بتعيّنها وتسميتها للوجود الحق أسماء إلهية جمالية لطفية أو كمالية قهرية جلالية .
وأعيانا أخر كذلك تقتضي تعيّن الوجود في خصوصياتها بضدّ م قبلت الأعيان الأولى ، فيظهر التقابل ، فإنّ زيدا - مثلا - تعيّن في مظهريته الاسم « اللطيف » وتعيّن في خصوص مظهرية عمرو القابل ، فتقابل الاسمان - بحسب خصوصيتيهم في قابليتيهما المتقابلتين بالمنافاة - متقابلين كذلك ، هكذا جميع الأسماء ، فتحقّق بذلك إن شاء الله تعالى .

قال رضي الله عنه : ( فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد ، لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ول أحكم ، لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي ) .
أمّا حكمها في الوجود المطلق - وهو الله تعالى - فإنّه يقتضي ويحكم أن يحكم الحق على كلّ عين عين بما في استعداده وقابليته وعلى قدره لا غير ، فلا يحكم الحق عليها إلَّا بما استدعت منه أن يحكم عليه بذلك ، فإنّه " لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها " كم ذكر مرارا .
وأمّا حكمه في الخلائق فكذلك ، لا يمكن لعين من الأعيان الخلقية ، أن يظهر في الوجود ذاتا وصفة ونعتا وخلقا وفعلا وغيرها إلَّ بقدر خصوصية قابليته واستعداده الذاتي ، كما ذكرته أيضا ، وهذا سرّ القدر .
وسرّ هذا السرّ : أنّ هذه الأعيان الثابتة أو حقائق الأشياء أو صور معلومياتها للحق أزلا أو ماهياتها أو هويّاته بحسب الأذواق والمشاهد ليست أمورا خارجة عن الحق .
قد علمها أزلا وتعيّنت في علمه على ما هي عليه ، بل هي نسب ذاتية عينية للحق أو شؤون أو أسماء ذاتية وسمات عينية وحروف عينية ، فلا يمكن أن تتغيّر عن حقائقها .
فإنّها حقائق ذاتيات ، وذاتيات الحق لا تقبل الجعل والتغيّر والتبديل والمزيد والنقصان .
وإن شئت تفهّما فنضرب لك مثلا قريب المأخذ للعقل المنوّر المنصف المتّصف بالحقيّة من كون الواحد جامعا في حقيقته الأحدية الجمعية على النصفية والثلثية والربعية وغيرها من النسب ، فإنّها نسب ذاتية للواحد ، لا تقدح في أحديته .
وإن لم يكن لها بناه كثرة إذا أظهرها الواحد بالفعل لأعيانه ، ولكنّها - من كونها في الواحد عينه - لا تتعيّن بظهور ، ولا يتميّز بعضها عن بعض ، فافهم من هذا ذاك ، إن شاء الله .

قال رضي الله عنه : « ولمّا كانت الأنبياء لا يأخذون علومها إلَّا من الوحي الإلهي الخاصّ ، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي ، لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلَّا بالذوق ، فلم يبق العلم الكامل إلَّا في التجلَّي الإلهي ، وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ، فتدرك الأمور قديمها وحديثها ، ووجودها وعدمها ، ومحالها وواجبها وجائزها ، على م هي عليها في حقائقها وأعيانها .
فلمّا كان مطلب العزير عليه السّلام على الطريقة الخاصّة لذلك ، وقع العتب عليه ، كما ورد الخبر .
فلو طلب الكشف الذي ذكرناه ربما م كان يقع عليه عتب في ذلك ، والدليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها " ) .
وورد الجواب على صورة العتب ، وهو لوقوع السؤال منه على أمر يقتضي خلاف ما هو بصدده من الرسالة والأمر والنهي على صيغة الاستبعاد والاستعظام في مقام عظيم يصغر بالنسبة إليه كل عظيم .
فإن كان مطلبه هو سرّ القدر من كيفية تعلَّق القدرة بالمقدور من قوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها " من طريقة الوحي والإخبار المعهود عند الرسل ، فقد طلبه من الوجه الذي لا يعطى ، فلا جرم ورد الجواب على صورة العتب الموهم عند من لا تحقّق له بحقائق المخاطبات الإلهية .

قال رضي الله عنه : ( وأمّا عندن فصورته عليه السّلام في قوله هذا كقول إبراهيم عليه السّلام في قوله : " رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى " ويقتضي ذلك ، الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه في قوله : " فَأَماتَه ُ الله مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَه ُ " .
فقال له : " وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً " ، فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق ، فأراه الكيفية .
فسأل عن القدر الذي لا يدرك إلَّ بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها ، فما أعطي ذلك ، فإنّ ذلك من خصائص الاطَّلاع الإلهي ، فمن المحال أن يعلمه إلَّا هو ، وقد يطلع الله من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلك .
واعلم : أنّها لا تسمّى مفاتح إلَّا في حال الفتح ، وحال الفتح هو حال تعلَّق التكوين بالأشياء ، أو قل إن شئت : حال تعلَّق القدرة بالمقدور ، ولا ذوق لغير الله في ذلك ، فلا يقع فيه تجلّ ولا كشف ، إذ لا قدرة ولا فعل إلَّا لله خاصّة ، إذ له الوجود المطلق الذي ل يتقيّد ) .

قال العبد : علَّل رضي الله عنه نفي العلم بتعلَّق القدرة بالمقدور ذوقا عن غير الحق ، وأثبته لله خاصّة بقوله : « إذ له الوجود المطلق » لأنّ الوجود المطلق الحقيقيّ لا يتقيّد بعين دون عين ، ولا تحقّق دون خلق ، ولا تعيّن دون حقّ ، فإنّه في الحق المطلق عينه مطلقا كذلك .
وفي الحقائق الغيبية العينية العلمية عينها ، وفي الإله عينه ، فهو القدير الذي تتعلَّق قدرته بالمقدورات وعين المقدورات المقدّرة بالفعل والانفعال والتأثير والتأثّر الذاتي من نفسه لنفسه في نفسه ، فلا بدّ أن يختصّ به ذوقا .
ولا قدم لعين معيّن من الأعيان في ذلك ذوقا ، فقد تعلَّقت الحقيقة التي سمّيت قدرة في الإلهية - وهي الفعل الذاتي والتأثير في الذات - بجميع المقدورات .
حيث لم يوجد عين من الأعيان ، فانفعلت المقدورات بالذات والاستعداد الذاتي ، وكان الحق هو عين كل مقدور وقدرها ، فوقع الفعل والانفعال والتأثير والتأثّر بين فاعل هو عين المنفعل ، وعين الأثر والقدر ، فإن لم يكن وجودا مطلقا يعمّ ويستغرق القادر والقدرة والمقدور والفعل والفاعل والانفعال والمنفعل ، لم يعلم هذا السرّ ذوقا ، فهو مخصوص بالحق أي الوجود المطلق دون الخلق .
وأيضا : إذا كان الوجود مقيّد بعين ، فلو فرضنا اطَّلاع ذلك العين ذوقا بتعلَّق القدرة بها من حيث قدرها ، وكون الحق عينها ، فليس لها أن يطَّلع على تعلَّق القدرة المطلقة بمقدور آخر ذوقا ، لتقيّد الوجود بها بحسب قدرها ، ثمّ تعلَّق القدرة المطلقة من القدير المطلق تعلَّق مطلق ليس لمقيّد فيه ذوق ولا قدم إلَّا من انطلق من قيوده ، وانحلّ عن عقد عقوده ، فلم يحضر الأمر في معهوده ومشهوده من ختوم الكمّل وكمّل الختوم .
صلوات الله الكاملات ، والتحيّات الفاضلات ، والتجلَّيات الشاملات عليهم .

قال رضي الله عنه : ( فلمّا رأين عتب الحق له عليه السّلام في سؤال عن القدر ، علمنا أنّه طلب هذا الاطَّلاع ، فطلب أن تكون له قدرة تتعلَّق بالمقدور ، ولا يمكن ذلك إلَّا لمن يكون له الوجود المطلق ) .
أي عن أن يتقيّد بالقادر وحده بالمقدور وحده ، والعلم بتعلَّق القدرة بالمقدور يتعلَّق بتعقّل أحدية عين القادر والمقدور ، ولا ذوق إلَّا لله فيه خاصّة ، لكونه هو هو وحده لا شريك له ، وفيه إشارة منه إلى أنّ طلب سرّ القدر من طريقة الكشف والتجلَّي والتعريف الإلهي والإعلام غير ممنوع ولا مدفوع .
فإنّ ذلك موجود مشهود معهود عند من شاء الله ، ولكن اطَّلاع الخلق على كيفية تعلَّق القدرة الإلهية بالمقدورات حال تعلَّقها به وتعلَّقه بها مخصوص ، وقد فات ذلك العلم بتجلَّي تعلَّق القدرة الكلَّية الإلهية العظمى بجميع المقدورات كلَّها مطلقا أزلا قبل الإيجاد أو حال الإيجاد ، وبقي ظهور سرّ توقيت ذلك أبد الأبد .

أو كان مطلب عزير عليه السّلام طلب القدرة على الإيجاد ، فيشهد كيفية تعلَّق القدرة بالمقدور ، وذلك حقيقته الإلهية ، فإنّ الإلهية هي القدرة على إبداع الإيجاد واختراعه ، فهي مخصوصة أيضا بالحق ، فتعيّن العتب عليه ، فلو طلب الكشف بذلك ، كشف له من حضرة العلم ، فشاهد إقدار المقدورات في قدرة القدير ، بحسب ما شاء بموجب ما علم وتعيّن في علمه صور معلوماته ، فحصل المطلوب بلا طلب ما طلب على ما ذكرنا ، فافهم .

قال رضي الله عنه : « فطلب ما ل يمكن وجوده في الخلق ذوقا ، فإنّ الكيفيات لا تدرك إلَّا بالذوق.
وأمّا ما رويناه ممّا أوحى الله به إليه : « لئن لم تنته لأمحونّ اسمك عن ديوان النبوّة » أي أرفع عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التجلَّي ، والتجلَّي لا يكون إلَّا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي ، فتعلم أنّك ما أدركت إلَّا بحسب استعدادك .
فتنظر في هذا الأمر الذي طلبت ، فإذا لم تره تعلم أنّه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه ، وأنّ ذلك من خصائص الذات الإلهية.
وقد علمت أنّ الله أعطى كلّ شيء خلقه ، ولم يعطك هذا الاستعداد الخاصّ فما هو خلقك ولو كان خلقك لأعطاكه الحقّ الذي أخبر أنّه أعطى كلّ شيء خلقه فتكون أنت الذي ينتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك ، لا تحتاج فيه عن نهي إلهي ) .

يشير رضي الله عنه إلى أنّ الكشف بسرّ القدر يعطي الأدب الحقيقيّ في السؤال والانتهاء عن السؤال ، فإنّ من خصائصه الاطَّلاع على مقتضى الوجود المطلق الإلهي .
والاطَّلاع على مقتضى العين الثابتة التي للسائل ، وخصوص استعداده الذاتي غير المجعول ، فإذا لم يشهد ما يطلب في نوع استعداده الذاتي ، انتهى عن طلبه وسؤاله ضرورة .

قال رضي الله عنه : ( وهذا عناية من الله - تعالى - بالعزير عليه السّلام علم ذلك من علمه ، وجهل ذلك من جهله .
واعلم : أنّ الولاية هي الفلك المحيط العامّ ، ولهذا لم تنقطع ، ولها الإنباء العامّ ، وأمّا نبوّة التشريع والرسالة فمنقطعة ، وفي محمّد صلى الله عليه وسلم قد انقطعت ، فلا نبيّ بعده - يعني مشرّعا أو مشرّعا له - ولا رسول وهو المشرّع . وهذا الحديث قصم ظهور أولياء الله ، لأنّه يتضمّن انقطاع ذوق العبودة الكاملة التامّة ، فلا يطلق عليها اسمه الخاصّ بها .
فإنّ العبد يريد أن لا يشارك سيّده - وهو الله - في اسم ، والله لم يتسمّ بنبيّ ولا برسول ، وتسمّى بالوليّ واتّصف بهذا الاسم ، فقال : " الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا " وقال : " وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا وآخرة ، فلم يبق اسم يختصّ به العبد دون الحق بانقطاع النبوّة والرسالة ) .

يشير رضي الله عنه: إلى أنّ رجال الكمال من أهل الله لا يفتخرون بما هو عرضيّ لهم من الربوبية وأسماء الربّ ، ولا يظهرون بها ، وإنّما يظهرون بالذاتيات وهي العبودية ، ويقتضي كمال التحقّق بالعبودية أن لا يشاركوا الحق في اسم كالوليّ .
وأن يظهروا ويتسمّوا باسم يخصّهم من حيث العبودية المحضة ، وليس ذلك إلَّا النبيّ والرسول ، ولم يتسمّ الله بهما ، فلمّا انقطعت النبوّة والرسالة ، لم يبق لهم منهما اسم يتسمّون به ، فانقصم ظهور استظهارهم لأجل ذلك ، وهذا سرّ عزيز المنال ، لم يعثر عليه قبله ، ومن قبله قالوا بغيره .
قال رضي الله عنه : ( إلَّا أنّ الله لطف بعباده ، فأبقى لهم النبوّة العامّة التي لا تشريع فيها ، وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام ، وأبقى لهم الوراثة .
فقال : « العلماء ورثة الأنبياء » وما ثمّ ميراث في ذلك إلَّا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرّعوه ، فإذا رأيت النبيّ يتكلَّم بكلام خارج عن التشريع ، فمن حيث هو وليّ وعارف ، ولهذا مقامه من حيث هو عالم أتمّ وأكمل منه من حيث هو رسول أو ذو شرع وتشريع ، فإذا سمعت أحدا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنّه قال :
الولاية أعلى من النبوّة ، فليس يريد ذلك القائل إلَّا ما ذكرناه ، أو يقول : إنّ الوليّ فوق النبيّ أو الرسول ، فإنّه يعني بذلك في شخص ، وهو أنّ الرسول من حيث هو وليّ أتمّ منه من حيث هو نبيّ ورسول ، لا أنّ الوليّ التابع له أعلى منه ، فإنّ التابع لا يدرك المتبوع أبد فيما هو تابع له فيه ، إذ لو أدركه لم يكن تابعا ، فافهم ، فمرجع الرسول والنبيّ المشرّع إلى الولاية والعلم ، ألا ترى أنّ الله قد أمره بطلب الزيادة من العلم ل من غيره.
فقال له آمرا : " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً " وذلك أنّك تعلم أنّ الشرع تكليف بأعمال مخصوصة أو نهي عن أعمال مخصوصة ومحلَّها هذه الدار ، فهي منقطعة والولاية ليست كذلك ، إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرسالة من حيث هي لم يبق لها اسم ، والوليّ اسم باق لله ، فهو لعبيده تخلَّقا وتحقّقا وتعلَّقا » .
قال العبد : يشير رضي الله عنه إلى حقيقتي النبوّة والولاية ، وقد وقع في ذلك خبط عظيم بين العوامّ من حيث جهلهم بهذه الحقائق .
فلو عرفوا حقائق المراتب على ما هي عليها في نفسها وفي علم الله تعالى ، لعلموا الأمر على ما هو عليه ، وقد استقصينا القول في بيان هذه الحقائق وتوابعها ولوازمها في كتاب « النبوّة والولاية » لنا ، وفي كتاب « الختمية » أيضا .
ولقد سبق في الفصّ الشيثي ما فيه مقنع ، وقد يزيد في هذ المقام في الحواشي ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وفيما أجمل الشيخ جمل تفاصيل نذكرها وفيه غنية ، وهو أوضح ، والله الموفّق .
قال رضي الله عنه : ( فقوله للعزير : « لئن لم تنته » عن السؤال عن ماهيّة القدر « لأمحوّن اسمك من ديوان النبوّة » فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلَّي ويزول عنك اسم النبيّ والرسول ، وتبقى له ولايته إلَّا أنّه لمّا دلَّت قرينة الحال أنّ هذا الخطاب يجري مجرى الوعيد ، علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنّه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار ، إذ النبوّة والرسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تجري « 2 » عليه الولاية من المراتب ، فيعلم أنّه أعلى من الوليّ الذي لا نبوّة تشريع عنده ول رسالته ، ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها مرتبة النبوّة أيضا يثبت عنده أنّه وعد لا وعيد ، وأنّ سؤاله عليه السّلام مقبول ، إذ النبيّ هو الوليّ الخاصّ ) .
يعني : أنّ الخاصّ يستلزم العام ، فتبقى لعزيز بعد محو اسمه من ديوان النبوّة ولايته فينال الأمر بالكشف والتجلَّي اللذين هما طريقتا حصول هذا السرّ المطلوب والمسؤول المرغوب .

قال رضي الله عنه : ( « ويعرف بقرينة الحال » أي الشخص الذي اقترنت عنده القرينة الأخرى « أنّ النبيّ عليه السّلام من حيث ما له في الولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أنّ الله يكرهه منه ، أو يقدم على ما يعلم أنّ حصوله محال .
وإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت وتقرّرت أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله : « لأمحونّ اسمك من ديوان النبوّة » مخرج الوعد ، وصار خبرا يدلّ على مرتبة باقية ، وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحلّ لشرع يكون عليه أحد من خلق الله في جنّة ولا نار بعد الدخول فيهما .
وإنّما قيّدناه بالدخول في الدارين الجنّة والنار ، لما شرع الله يوم القيامة لأصحاب العثرات والأطفال الصغار والمجانين يوم القيامة ، فيحشر هؤلاء في صعيد واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب العملي في أصحاب الجنّة ، فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل من الناس ، بعث فيهم نبيّ من أفضلهم وتمثّل لهم نار يأتي بها هذ النبيّ المبعوث في ذلك اليوم ، فيقول لهم : أنا رسول الحق إليكم ، فيقع عندهم التصديق ويقع التكذيب عند بعضهم .
ويقول لهم : اقتحموا هذه النار بأنفسكم ، فمن أطاعني نجا ودخل الجنّة ، ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان أهل النار .
فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فيها ، سعد ونال الثواب العمليّ ، ووجد تلك النار بردا وسلاما ، ومن عصاه استحقّ العقوبة ، ودخل النار ، ونزل فيها بعمله المخالف ، ليقوم العدل من الله من عباده وكذلك قوله : " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ " أي أمر عظيم من أمور الآخرة .
" وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ " فهذا تكليف وتشريع ، فمنهم من يستطيع ، ومنهم من لا يستطيع وهم الذين قال الله فيهم : " وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ " كما لم يستطع في الدني امتثال أمر الله بعض العباد كأبي جهل وغيره .
فهذا قدر ما بقي من التشريع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول الجنّة والنار ، فلهذا قيّدناه ، والحمد لله » .
قال العبد : كلّ هذا التشريع تكليف بأمر ونهي ومحلَّه الدنيا ، والذين لم يستأهلوا في الدنيا وحسمت أعمارهم ، وبعد الدار الدنيا لا دار إلَّا الجنّة والنار ، واستحقاق الدخول فيهما وإن كان بفضل الله أو بسخطه ، فإنّهما بحسب الأعمال الصالحة أو غيرها ، وهؤلاء ليس لهم عمل ، فأبقى الله تعالى من حضرة الاسم الحكم وحضرة الاسم العدل قدرا من الشرع وأخّر هذا القدر من التشريع ، لظهور الاستحقاق ونيل الثواب والعقاب ، بحسب الإجابة والطاعة أو المعصية والمخالفة ، والله عليم حكيم .
.
الموضوع التـــــــالي ....

WFlumSebEeE

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!