موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العليّة

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


التنبيه الثالث

اعلم: أن الأرض الواسعة إنما هي أرض عبادتك، فتعبد الحق “ كأنك تراه “ في ذاتك من حيث بصرك، على ما يليق بجلاله تعالى .

وعين بصيرتك تشهد بأنه: ظاهر لها ظهور علم ، فتجمع في عبادتك بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال ، وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال ، فتعبده مطلقا ومقيدا ، وليس هذا لغير هذه النشأة الإنسانية المؤمنة، التي جعلها اللّه تعالى حرمه المحرم، وبيته المعظم .

فكل من في الوجود من المخلوقات: يعبد اللّه تعالى على الغيب، إلّا الإنسان الكامل، فإنه يعبد اللّه تعالى على المشاهدة .

ولا يكمل العبد بالإيمان الكامل، فإنه النور الذي يزيل كل ظلمة .

فإذا عبده على المشاهدة: رآه جميع قواه، فما قام بعبادته غيره ، ولا ينبغي أن يقوم بها سواه .

واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة، ومالك قدم في هذه الدرجة، فأنا أدلك على ما يحصل لك به هذه الدرجة العليا، وذلك أن تعلم أن الرسل - ( صلّى اللّه عليهم وسلّم ) - أعدل الناس أمزجة لقبول رسالات ربهم تعالى .

وكل شخص منهم قبل من الرسالات الإلهية على قدر ما أعطاه اللّه تعالى في مزاجه من التركيب .

فلذلك لم يبعث نبي منهم إلّا لقوم معينين، لأنه على مزاج خاص مقصور، وأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعثه اللّه برسالة عامة إلى جميع الناس كافة . ولا قبل مثل هذه الرسالة العامة إلّا لكونه على مزاج عام، يحتوي على مزاج كل نبي ورسول .

فمزاجه: أعدل الأمزجة كلها، ونشأته أقوم النشآت أجمعها .

فإذا علمت هذا، وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية، فألزم الإيمان والاتباع له صلى الله عليه وسلم، واجعله مثل المرآة أمامك .

وقد علمت أن اللّه تعالى لا بد أن يتجلى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مرآته: أكمل ظهور وأعدله، وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال .

فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته صلى الله عليه وسلم: تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته صلى الله عليه وسلم .

ألا ترى - في باب الإيمان - بما جاء به من الأمور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان الشرع - بما تحيله العقول -، ولولا الشرع والإيمان به لما قبلنا ذلك من حيث نظرنا العقلي .

فكما أعطانا بالرسالة والإيمان: ما قصرت العقول - التي لا إيمان لها - عن إدراكها ذلك من جانب الحق تعالى، كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا ومرائي قلوبنا - عند المشاهدة - عن إدراك ما تجلى في مرآته صلى الله عليه وسلم: أن تدركه في مرآتها .

وكما آمنت به في الرسالة غيبا: شهدته عند التجلي عينا .

فقد نصحتك وأبلغت لك في النصحية، فلا تطلب مشاهدة الحق تعالى إلّا في مرآته صلى الله عليه وسلم .

واحذر أن تشهد النبي صلى الله عليه وسلم أو تشهد ما تجلى في مرآته من الحق تعالى في مرادك، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .

فالزم الاقتداء به، والاتباع له صلى الله عليه وسلم ولا تطأ مكانا لا ترى فيه قدم نبيك صلى الله عليه وسلم .

فضع قدمك على قدمه إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلا، والشهود الكامل في المكانة الزلفى، واللّه الموفق .



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!