موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


47. الباب السَّابع والأربعون: قولهم في الذِّكْر

حقيقة الذكر: أن تنسى ما سوى المذكور في الذكر؛ لقوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت}، يعنى: إذا نسيت ما دون الله فقد ذكرت الله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {سبق المفردون}، قيل: ومن المفردون يا رسول الله؟ فقال: {الذاكرون كثيرا والذاكرات}، والمفرد: الذي ليس معه غيره.

وقال بعض الكبار: "الذكر: طرد الغفلة، فإذا ارتفعت الغفلة فأنت ذاكر وإن سكت ".

وأنشدونا للجنيد:

ذكرتك لا أنِّي نسيتك لمْحَةً *** وأيسر ما في الذكر ذكرُ لساني

سمعت أبا القاسم البغدادي يقول: سألت بعض الكبار فقلت: ما بال نفوس العارفين تتبرم بالأذكار، وتستروح إلى الأفكار، وليس يفضي الفكر إلى مقرّ، ولأذكارها أعواض تسر؟ فقال: استصغرت ثمرات الأذكار، فلم تحملها عن مكابداتها، وبَهَرَها شرف ما وراء الأفكار فغيبها عن ألم مجاهداتها "، معنى قوله " استصغرت ثمرات الأذكار ": لأنها كلها حظوظ النفس، والعارفون قد أعرضوا عن النفوس وحظوظها. وأما " أفكارهم ": فإنها تكون في جلال الله وهيبته ومنته وإحسانه، فهي تفكر فيما لله تعالى عليها إجلالا له، وتعرض عما لها عند الله حرمة له؛ في قوله عليه السلام خبرا عن الله عز وجل : {من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين}، معناه: من شغله مشاهدة عظمتي عن ذكر لسانه؛ لأن ذكر اللسان كله مسألة. وأخرى: أن مشاهدة العظمة تحيره، فتقطعه عن الذكر له؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : {لا أحصي ثناء عليك. >

أنشدونا للنوري:

أريد دوام الذكر من فرط حبه *** فيا عجبا من غيبة الذكر في الوجد

وأعجب منه غيبة الواجد تارة *** وغيبة عين الذكر في القرب والبعد

قال الجنيد: من قال الله، عن غير مشاهدة: فهو مفترى "؛ يدل على صحة قوله: قول الله تعالى: {قالوا نشهد إنك لرسول الله}، ثم قال: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}، أكذبهم الله وإن كانت الكلمة صدقا؛ لأنها لم تكن عن مشاهدة.

وقال غيره: القلب للمشاهدة، واللسان للعبارة عن المشاهدة، فمن عبر عن غير مشاهدة: فهو شاهد زور.

أنشدونا لبعض الكبار:

أنت المُوَلَّهُ لي لا الذكر وَلَّهَنِي *** حاشَا لقلبي أن يعلق به ذكري

الذكر واسطة يحجبك عن نظري *** إذا توَشَّحه من خاطري فِكْرَي

معناه: الذكر صفة الذاكر، فإن غبت في ذكرى كانت غيبتي في، وإنما يحجب العبد عن مشاهدة مولاه أوصافه.

قال سرى السقطي: صحبت زنجيا في البرية، فرأيته كلما ذكر الله تغير لونه وابيض! فقلت: يا هذا، أرى عجبا: إنك كلما ذكرت الله حالت لبستك، وتغيرت صفتك؟! فقال: يا أخي، أما أنك لو ذكرت الله حق ذكره، لحالت لبستك، وتغيرت صفتك، ثم أنشأ يقول: >

ذَكَرنا وما كنّا لننسى فنذكر *** ولكن نسيم القرب يبدو فَيَبْهر

فأفنى به عنِّي وأبقى به له *** إذ الحقّ عنه مُخْبِر ومُعبّر

أرى الذكر أصنافا من الذكر حشوها *** وداد وشَوقٌ يبعثان على الذِّكرِ

فذِكرٌ ألِيفُ النفس ممتزج بها *** يَحِلُّ محل الروح في طَرْفِها يسري

وذِكرٌ يعزي النفس عنها لأنّه *** لها مُتْلِف من حيث تدري ولا تدري

وذِكرٌ علا منّي المَفَارق والذُّرَى *** يجِلُّ عن الإدراك بالوَهمِ والفِكر

يراه لِحاظُ العَينِ بالقلب رؤية *** فيجفُو عليه أن يشاهد بالذِكر

صنّفَ الذكر أصنافا: فالأول: ذكر القلب، وهو أن يكون المذكور غير منسي فيذكر.

والثاني: ذكر أوصاف المذكور.

والثالث: شهود المذكور، فيفني عن الذِكر؛ لأن " أوصاف المذكور " تفنيك عن أوصافك، فتفنى عن الذكر. >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!