موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


17. الباب السابع عَشَر: قوْلهم في الوَعْد والوَعِيْدِ

أجمعوا: أن الوعيد المطلق: في الكفار والمنافقين، والوعد المطلق: في المؤمنين المحسنين.

وأوجب بعضهم غفران الصغائر باجتناب الكبائر بقوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية، وجعلها بعضهم كالكبائر في جواز العقوبة عليها؛ لقوله تعالى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} الآية، وقالوا معنى قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} هو الشرك والكفر، وهو أنواع كثيرة فجاز أن يطلق عليها اسم الجمع. وفيه وجه آخر: وهو أن الخطاب خرج على الجمع فكانت كبيرة كل واحد منهم عند الجمع كبائر.

وجوزوا غفران الكبائر بالمشيئة والشفاعة.

وأوجبوا الخروج من النار لأهل الصلاة لا محالة بإيمانهم؛ قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء}، فجعل المشيئة شرطا فيما دون الشرك. >

وجملة قولهم: إن المؤمن بين الخوف والرجاء، يرجو فضل الله في غفران الكبائر، ويخاف عدله في العقوبة على الصغائر؛ لأن المغفرة مضمون المشيئة، ولم يأت مع المشيئة شرط كبيرة ولا صغيرة.

ومن شدد وغلظ في شرائط التوبة وارتكاب الصغائر، فليس ذلك منهم على إيجاب الوعيد، بل ذلك على تعظيم الذنب في وجوب حق الله في الانتهاء عما نهى عنه.

ولم يجعلوا في الذنوب صغيرة إلا عند نسبة بعضها إلى بعض، فطالبوا النفوس بإيفاء حق الله تعالى والانتهاء عما نهى الله عنه، والوفاء بما أمر به الله، ورؤية التقصير في شرائط العمل.

وهم مع ذلك كله: أرجى الناس للناس، وأشدهم خوفا على أنفسهم، حتى كأنَّ الوعيد لم يرد إلا فيهم، والوعد لم يكن إلا لغيرهم. >

قيل للفضيل عشية عرفة: كيف ترى حال الناس؟ قال: مغفورون لولا مكاني فيهم ".

وقال السري السقطي: إني لأنظر في المرآة كل يوم مرارا مخافة أن يكون قد اسود وجهي ".

وقال: لا أحب أن أموت حيث أعرف؛ مخافة أن لا تقبلني الأرض فأكون فضيحة ".

وهم أحسن الناس ظنونا بربهم؛ قال يحيى: من لم يحسن بالله ظنه لم تقر بالله عينه ".

وهم أسوأ الناس ظنونا بأنفسهم، وأشدهم إزراء بها: لا يرونها أهلا لشيء من الخير دينا ولا دنيا.

والجملة: أن الله تعالى قال: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} الآية، أخبر أن المؤمن له عملان صالح وسيء، فالصالح له، والسيئ عليه.

وقد وعد الله تعالى على ما له ثوابا، وأوعد على ما عليه عقابا، والوعيد حق الله تعالى من العباد، والوعد حق العباد على الله فيما أوجبه على نفسه، فإن استوفى منهم حق نفسه ولم يوفهم حقهم لم يكن ذلك لائقا بفضله مع غناه عنهم وفقرهم إليه، بل الأليق بفضله والأحرى بكرمه: أن يوفيهم حقوقهم، ويزيدهم من فضله، ويهب منهم حق نفسه؛ وبذلك أخبر عن نفسه فقال: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}، وفي قوله: {من لدنه} أنه تفضل، وليس بجزاء. >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!