موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


16. الباب السَّادِس عَشَر: قولهم في الأصْلَحِ

أجمعوا: على أن الله تعالى يفعل بعباده ما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد، كان ذلك أصلح لهم أولم يكن؛ لأن الخلق خلقه والأمر أمره {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.

ولولا ذلك لم يكن بين العبد والرب فرق. وقال الله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} وقال {إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون}، وقال {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}.

والقول بالأصلح يوجب نهاية القدرة، وتنفيذ ما في الخزائن، وتعجيز الله - تعالى عن ذلك -؛ لأنه إذا فعل بهم غاية الصلاح فليس وراء الغاية شيء، فلو أراد أن يزيدهم على ذلك الصلاح صلاحا آخر لم يقدر عليه، ولم يجد بعد الذي أعطاهم ما يعطيهم مما يصلح لهم! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وأجمعوا: أن جميع ما فعل الله بعباده (من الإحسان والصحة والسلامة والإيمان والهداية واللطف) تفضل منه، ولو لم يفعل ذلك لكان جائزا، وليس على الله بواجب؛ ولو كان ما يفعل مما يفعل شيئا واجبا عليه لم يكن مستحقا للحمد والشكر. >

وأجمعوا: أن الثواب والعقاب ليس من جهة الاستحقاق، لكنه من جهة المشيئة والفضل والعدل؛ لأنهم لا يستحقون على أجرام منقطعة عقابا دائما، ولا على أفعال معدودة ثوابا دائما غير معدود.

وأجمعوا: أنه لو عذب جميع من في السماوات والأرض لم يكن ظالما لهم، ولو أدخل جميع الكافرين الجنة لم يكن ذلك محالا؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، ولكنه أخبر: أنه ينعم على المؤمنين أبدا، ويعذب الكافرين أبدا، وهو صادق في قوله، وخبره صدق، فوجب أن يفعل بهم ذلك ولا يجوز غيره؛ لأنه لا يكذب في ذلك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وأجمعوا: أنه لا يفعل الأشياء لعلة؛ ولو كان لها علة لكان للعِلَّة علة إلى ما لا يتناهى، وذلك باطل؛ قال الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم من الحسنى أولئك عنها مبعدون}، وقال: {هو اجتباكم}، وقال: {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}، وقال: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}.

ولا يكون شيء منه ظلما ولا جورا؛ لأن الظلم إنما صار ظلما: لأنه منهي عنه، ولأنه وضع الشيء في غير موضعه. والجور إنما كان جورا: لأنه عدل عن الطريق الذي بُيِّنَ له، والمثال الذي مثل له مَنْ فوقه، ومن هو تحت قدرته، ولما لم يكن الله تحت قدرة قادر، ولا كان فوقه آمر ولا زاجر، لم يكن فيما يفعله ظالما، ولا في شيء يحكم به جائرا، ولم يقبح منه شيء؛ لأن القبيح ما قبحه، والحسن ما حسنه. >

وقال بعضهم: القبيح: ما نهى عنه، والحسن ما أمر به ".

وقال محمد بن موسى: إنما حسنت المستحسنات بتجليه، وقبحت المستقبحات باستتاره، وإنما هما نعتان يجريان على الأبد بما جريا في الأزل "، معناه: كل ما ردك إلى الحق من الأشياء فهو حسن، وما ردك إلى شيء دونه فهو قبيح، فالقبيح والحسن: ما حسنه الله في الأزل وما قبحه. ومعنى آخر: أن المستحسن: هو ما تخلى عن ستر النهى فلم يكن بين العبد وبينه ستر، والقبيح: ما كان وراء الستر وهو النهي، على معنى قوله عليه السلام : {وعلى الأبواب ستور مرخاة} قيل: الأبواب المفتحة محارم الله، والستور حدوده. >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!