«يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم» من عدوكم أي احترزوا منه وتيقظوا له «فانفروا» انهضوا إلى قتاله «ثُبَاتٍ» متفرقين سرية بعد أخرى «أو انفروا جميعا» مجتمعين.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 /
352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 /
94 - ج 2 /
107
يأمر الله عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم ، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيله .
( ثبات ) أي : جماعة بعد جماعة ، وفرقة بعد فرقة ، وسرية بعد سرية ، والثبات : جمع ثبة ، وقد تجمع الثبة على ثبين .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فانفروا ثبات ) أي : عصبا يعني : سرايا متفرقين ( أو انفروا جميعا ) يعني : كلكم .
وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حيان ، وخصيف الجزري .
فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الشرع. ووجه النظم والاتصال بما قبل أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله، أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته، وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسسوا إلى ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم فقال {خذوا حذركم } فعلمهم مباشرة الحروب. ولا ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين التوكل كما تقدم في [آل عمران] ويأتي. والحِذْر والحَذَر لغتان كالمِثْل والمَثَل. قال الفراء : أكثر الكلام الحذر، والحذر مسموع أيضا؛ يقال : خذ حذرك، أي أحذر. وقيل : خذوا السلاح حذرا؛ لأنه به الحذر والحذر لا يدفع القدر. الثانية: خلافا للقدرية في قولهم : إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء، ولو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى. فيقال لهم : ليس في الآية دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئا؛ ولكنا تعبدنا بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة؛ ومنه الحديث (اعقلها وتوكل ). وإن كان القدر جاريا على ما قضى، ويفعل الله ما يشاء، فالمراد منه طمأنينة النفس، لا أن ذلك ينفع من القدر وكذلك أخذ الحذر. الدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا }[
التوبة:51] فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى. الثالثة: قوله تعالى {فانفروا ثبات} يقال : نفر ينفر (بكسر الفاء ) نفيرا. ونفرت الدابة تنفر (بضم الفاء) نفورا؛ المعنى : انهضوا لقتال العدو. واستنفر الإمام الناس دعاهم إلى النفر، أي للخروج إلى قتال العدو. والنفير اسم للقوم الذين ينفرون، وأصله من النفار والنفور وهو الفزع؛ ومنه قوله تعالى {ولوا على أدبارهم نفورا } [
الإسراء : 46] أي نافرين. ومنه نفر الجلد أي ورم. وتخلل رجل بالقصب فنفر فمه أي ورم. قال أبو عبيد : إنما هو من نفار الشيء من الشيء وهو تجافيه عنه وتباعده منه. قال ابن فارس : النفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة. والنفير النفر أيضا، وكذلك النفر والنفرة، حكاها الفراء بالهاء. ويوم النفر : يوم ينفر الناس عن منى. {ثبات }معناه جماعات متفرقات. ويقال : ثبين يجمع جمع السلامة في التأنيث والتذكير. قال عمرو بن كلثوم : فأما يوم خشينا عليهم ** فتصبح خيلنا عصبا ثبينا كناية عن السرايا، الواحدة ثبة وهي العصابة من الناس. وكانت في الأصل الثبية. وقد ثبيت الجيش جعلتهم ثبة ثبة. والثبة : وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء أي يرجع قال النحاس : وربما توهم الضعيف في العربية أنهما واحد، وأن أحدهما من الآخر؛ وبينهما فرق، فثبة الحوض يقال في تصغيرها : ثويبة؛ لأنها من ثاب يثوب. ويقال في ثبة الجماعة : ثيبة. قال غير : فثبة الحوض محذوفة الواو وهو عين الفعل، وثبة الجماعة معتل اللام من ثبا يثبو مثل خلا يخلو. ويجوز أن يكون الثبة بمعنى الجماعة من ثبة الحوض؛ لأن الماء إذا ثاب اجتمع؛ فعلى هذا تصغر به الجماعة ثوبية فتدخل إحدى الياءين في الأخرى. وقد قيل : إن ثبة الجماعة إنما اشتقت من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته وجمعت محاسن ذكره فيعود إلى الاجتماع. الرابعة: قوله تعالى {أو انفروا جميعا} معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلام؛ قاله ابن عباس وغيره. ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسسا لهم، عضدا من ورائهم، وربما احتاجوا إلى درئه. وسيأتي حكم السرايا وغنائمهم وأحكام الجيوش ووجوب النفير في [الأنفال ]و [براءة ]التوبة إن شاء الله تعالى. الخامسة: ذكر ابن خويز منداد : وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى{انفروا خفافا وثقالا} وبقوله {إلا تنفروا يعذبكم } [
التوبة : 39]؛ ولأن يكون {انفروا خفافا وثقالا }[
التوبة : 41] منسوخا بقوله {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا } و بقوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} [
التوبة : 122] أولى؛ لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين. والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها.
يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالاستعداد لعدوكم، فاخرجوا لملاقاته جماعة بعد جماعة أو مجتمعين.
يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب، التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم، من استعمال الحصون والخنادق، وتعلم الرمي والركوب، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك، وما به يعرف مداخلهم، ومخارجهم، ومكرهم، والنفير في سبيل الله. ولهذا قال: { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } أي: متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش، ويقيم غيرهم { أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية، والراحة للمسلمين في دينهم، وهذه الآية نظير قوله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) من عدوكم ، أي : عدتكم وآلتكم من السلاح ، والحذر والحذر واحد ، كالمثل والمثل والشبه والشبه ، ( فانفروا ) اخرجوا ( ثبات ) أي : سرايا متفرقين سرية بعد سرية ، والثبات جماعات في تفرقة واحدتها ثبة ، ( أو انفروا جميعا ) أي : مجتمعين كلكم مع النبي صلى الله عليه وسلم .
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (خُذُوا حِذْرَكُمْ) فعل أمر وفاعله ومفعوله والجملة ابتدائية لا محل لها (فَانْفِرُوا ثُباتٍ) انفروا أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ثبات حال منصوبة بالكسرة لأنها جمع مؤنث سالم والجملة معطوفة (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) عطف على ما قبلها وهي مثلها.
Traslation and Transliteration:
Ya ayyuha allatheena amanoo khuthoo hithrakum fainfiroo thubatin awi infiroo jameeAAan
O ye who believe! Take your precautions, then advance the proven ones, or advance all together.
Ey inananlar, ihtiyata ait gereken tedbirleri alın da bölükbölük, yahut hep birden ilerleyin.
O les croyants! Prenez vos précautions et partez en expédition par détachements ou en masse.
Ihr, die den Iman verinnerlicht habt! Nehmt euch in Acht, so folgt dem Aufruf der Mobilmachung in Gruppen oder alle gemeinsam!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النساء (An-Nisaa - The Women) |
ترتيبها |
4 |
عدد آياتها |
176 |
عدد كلماتها |
3712 |
عدد حروفها |
15937 |
معنى اسمها |
(النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا |
سبب تسميتها |
كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى) |
مقاصدها |
تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ.
فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ):
اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾. |