المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الصف: [الآية 6]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الصف | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)
[من نصر دين اللّه فقد نصر اللّه وأدى واجب : ]
أعلم أن من نصر دين اللّه فقد نصر اللّه وأدى واجبا في نصرته ، فله أجر النصر وأجر أداء الواجب ، بما نواه من امتثال أمر اللّه في ذلك وتعين عليه ذلك ، ولو كفاه غيره مئونة ذلك فلا يتأخر عن أمر اللّه ، ونصرة اللّه قد تكون بما يعطي من العلم المظهر للحق الدافع للباطل ، فهو جهاد معنوي محسوس ، فكونه معنويا لأن الباطن يقبله ، فإن العلم متعلقه النفس ، وأما كونه محسوسا فما يتعلق بذلك من العبارة عنه باللسان أو الكتابة ، فيحصل للسامع ، أو الناظر بطريق السمع من المتكلم ، أو بطريق النظر من الكتابة .
وجهاد العدو نصرة محسوسة ، ما هي معنوية ، فإنه ما نال العدو من المقاتل له شيئا في الباطن يرده عن اعتقاده ، كما ناله من العلم إذا علّمه وأصغى إليه ، ووفقه اللّه للقبول وفتح عين فهمه لما يورده عليه العالم في تعليمه ، وهي أعظم نصرة ، وهو أعظم أنصاري للّه ، يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم
[ لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس ]
وقوله تعالى «فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا» بالغلبة والقهر ، وهو التأييد الإلهي الذي يقع به ظهورهم على الأعداء ، فأيدهم «عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ» على المنازع .
(62) سورة الجمعة مدنيّة
------------
(14) الفتوحات ج 4 / 467 - ج 2 / 36 ، 248تفسير ابن كثير:
وقوله : ( وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) يعني : التوراة قد بشرت بي ، وأنا مصداق ما أخبرت عنه ، وأنا مبشر بمن بعدي ، وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد . فعيسى عليه السلام ، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل ، وقد أقام في ملإ بني إسرائيل مبشرا بمحمد وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة . وما أحسن ما أورد البخاري الحديث الذي قال فيه :
حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب " .
ورواه مسلم من حديث الزهري به نحوه
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى قال : سمى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه أسماء ، منها ما حفظنا فقالو : " أنا محمد ، وأنا أحمد ، والحاشر ، والمقفي ، ونبي الرحمة ، والتوبة ، والملحمة " .
ورواه مسلم من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة به
وقد قال الله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) [ الأعراف : 157 ] وقال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) [ آل عمران : 81 ]
قال ابن عباس : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد : لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه ، وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك . قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام " .
وهذا إسناد جيد . وروي له شواهد من وجوه أخر ، فقال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن سعيد بن سويد الكلبي ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك : دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يرين " .
وقال أحمد أيضا : حدثنا أبو النضر ، حدثنا الفرج بن فضالة ، حدثنا لقمان بن عامر قال : سمعت أبا أمامة قال : قلت يا نبي الله ، ما كان بدء أمرك ؟ قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام "
وقال أحمد أيضا : حدثنا حسن بن موسى : سمعت خديجا أخا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا منهم : عبد الله بن مسعود ، وجعفر ، وعبد الله بن عرفطة ، وعثمان بن مظعون ، وأبو موسى . فأتوا النجاشي وبعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية ، فلما دخلا على النجاشي سجدا له ، ثم ابتدراه عن يمينه ، وعن شماله ، ثم قالا له : إن نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك ، ورغبوا عنا ، وعن ملتنا . قال : فأين هم ؟ قالا : هم في أرضك ، فابعث إليهم . فبعث إليهم . فقال جعفر : أنا خطيبكم اليوم . فاتبعوه فسلم ولم يسجد ، فقالوا له : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله عز وجل . قال : وما ذاك ؟ قال : إن الله بعث إلينا رسوله ، فأمرنا ألا نسجد لأحد إلا لله عز وجل ، وأمرنا بالصلاة والزكاة .
قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم . قال : ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه ؟ قالوا : نقول كما قال الله عز وجل : هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول ، التي لم يمسها بشر ولم يفرضها ولد . قال : فرفع عودا من الأرض ثم قال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ، ما يساوي هذا . مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي نجد في الإنجيل ، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم . انزلوا حيث شئتم ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه . وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما ، ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدرا ، وزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استغفر له حين بلغه موته
وقد رويت هذه القصة عن جعفر ، وأم سلمة رضي الله عنهما ، وموضع ذلك كتاب السيرة . والمقصد أن الأنبياء عليهم السلام لم تزل تنعته ، وتحكيه في كتبها على أممها ، وتأمرهم باتباعه ، ونصره ، وموازرته إذا بعث . وكان ما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده ، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم ، وكذا على لسان عيسى ابن مريم ; ولهذا قالوا : " أخبرنا عن بدء أمرك ؟ " يعني : في الأرض ، قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى ابن مريم ، ورؤيا أمي التي رأت " أي : ظهر في أهل مكة أثر ذلك والإرهاص بذكره صلوات الله وسلامه عليه .
وقوله : ( فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) قال ابن جريج ، وابن جرير : ( فلما جاءهم ) أحمد ، أي : المبشر به في الأعصار المتقادمة ، المنوه بذكره في القرون السالفة ، لما ظهر أمره وجاء بالبينات قال الكفرة والمخالفون : ( هذا سحر مبين )
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يقول تعالى مخبرا عن عناد بني إسرائيل المتقدمين، الذين دعاهم عيسى ابن مريم، وقال لهم: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } أي: أرسلني الله لأدعوكم إلى الخير وأنهاكم عن الشر، [وأيدني بالبراهين الظاهرة]، ومما يدل على صدقي، كوني، { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ } أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماوية، ولو كنت مدعيا للنبوة، لجئت بغير ما جاءت به المرسلون، ومصدقا لما بين يدي من التوارة أيضا، أنها أخبرت بي وبشرت، فجئت وبعثت مصداقا لها { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الهاشمي.
فعيسى عليه الصلاة والسلام، كالأنبياء يصدق بالنبي السابق، ويبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق، والأمر والنهي { فَلَمَّا جَاءَهُمْ } محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى { بِالْبَيِّنَاتِ } أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، وأنه رسول الله [حقا].
{ قَالُوا } معاندين للحق مكذبين له { هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } وهذا من أعجب العجائب، الرسول الذي [قد] وضحت رسالته، وصارت أبين من شمس النهار، يجعل ساحرا بينا سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟ وهل في الافتراء أعظم من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته، وأثبت له ما كان أبعد الناس منه؟
تفسير البغوي
( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) والألف فيه للمبالغة في الحمد وله وجهان : أحدهما : أنه مبالغة من الفاعل أي الأنبياء كلهم حمادون لله - عز وجل - وهو أكثر حمدا لله من غيره والثاني : أنه مبالغة في المفعول أي الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو [ أكثرهم مبالغة ] وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها . ( فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) .
الإعراب:
(وَإِذْ قالَ عِيسَى) سبق إعراب مثيلها (ابْنُ) بدل من عيسى و(مَرْيَمَ) مضاف إليه (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) منادى مضاف إلى إسرائيل منصوب بالياء وجملة النداء مقول القول (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ) إن واسمها وخبرها المضاف إلى لفظ الجلالة (إِلَيْكُمْ) متعلقان برسول والجملة الاسمية مقول القول (مُصَدِّقاً) حال (لِما) متعلقان بمصدقا (بَيْنَ) ظرف مكان مضاف إلى (يَدَيَّ) (مِنَ التَّوْراةِ) متعلقان بمحذوف حال (وَمُبَشِّراً) معطوف على مصدقا (بِرَسُولٍ) متعلقان بمبشرا (يَأْتِي) مضارع فاعله مستتر والجملة صفة رسول (مِنْ بَعْدِي) متعلقان بالفعل (اسْمُهُ أَحْمَدُ) مبتدأ وخبره والجملة صفة ثانية لرسول (فَلَمَّا) الفاء حرف استئناف (لِما) ظرفية حينية (جاءَهُمْ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة في محل جر بالإضافة (بِالْبَيِّناتِ) متعلقان بالفعل (قالُوا) ماض وفاعله (هذا سِحْرٌ) مبتدأ وخبره (مُبِينٌ) صفة والجملة الاسمية مقول القول وجملة قالوا.. جواب لما لا محل لها.