المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المجادلة: [الآية 2]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة المجادلة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
" لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ولو كانوا قرابتهم ، لذلك قال تعالى : «وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» فكونهم حادوا اللّه ورسوله هو الذي عاد عليهم ، فجنوا على أنفسهم ، ومن لم يطلعك اللّه على عداوته للّه فلا تتخذه عدوا ، وأقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره ، فمتى لم تعلم عداوته للّه فلا تعاده بالإمكان ولا بما يظهر على اللسان ، والذي ينبغي لك أن تكره فعله لا عينه ، والعدو للّه إنما تكره عينه ، ففرّق بين من تكره عينه وهو عدو للّه ، وبين من تكره فعله وهو المؤمن ، أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ»
والكتابة من اللّه في قلب عبده دون واسطة ، وأوجب للعبد ذلك حكما سمي به مؤمنا ، والإيمان المكتوب في القلوب يمنع من أن تصدر منهم معصية أصلا انتهاكا لحرمة اللّه ، وإن وقعت فتكون بحكم القدر النافذ لا بقصد انتهاك حرمات اللّه ، أو عن غفلة منهم «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»
وتأييدهم بعد إيراد نور الإيمان على قلوبهم ، إنما يكون بتقويته بأوصاف الروح الروحانية ، من الطهارة وعدالة الأخلاق والأوصاف ، والنزاهة عن أحكام النقص والانحراف ، فبهذه الأوصاف الروحانية الوحدانية الاعتدالية يظهر القلب وآثاره ، ويتميز
بعد أن كان مغمورا ومستورا ومقهورا تحت سلطنة النفس وآثارها ، وكما أن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، كذلك من كتب اللّه في قلبه الإيمان فإنه لا يمحوه أبدا ، ومن هؤلاء نواب الحق ، فما كذبوا شيئا مما له وجود في الكون ووجدوا له مصرفا ،
ولذلك قال : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» فهذا المؤيد به إذا توجه على معدوم أوجده ، وعلى معدل مسوى نفخ فيه روح «وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» إن أردت أن تكون من عباد اللّه الذين اختصهم لخدمته ، واصطنعهم لنفسه ،
ورضي عنهم فرضوا عنه ، فتطهّر بالموافقة من المخالفة ،
وكن فيما يرضيه سبحانه من الأعمال في الأقوال والأفعال والأحوال «أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فما يدري أحد ما لهم من المنزلة عند اللّه ،
لأنهم ما تحركوا ولا سكنوا إلا في حق اللّه لا في حق أنفسهم ، إيثارا لجناب اللّه على ما يقتضيه طبعهم .
(59) سورة الحشر مدنيّة
------------
(22) الفتوحات ج 3 / 169 - ج 4 / 59 ، 449 - ج 2 / 166 - ج 1 / 233 - كتاب شعب الإيمان - الفتوحات ج 1 / 359 - ج 3 / 337تفسير ابن كثير:
قال الإمام أحمد : حدثنا سعد بن إبراهيم ، ويعقوب قالا : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني معمر بن عبد الله بن حنظلة ، عن ابن عبد الله بن سلام ، عن خويلة بنت ثعلبة قالت : في - والله - وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة " المجادلة " قالت : كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء ، فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي . قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي . قالت : قلت : كلا والذي نفس خويلة بيده ، لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه . قالت : فواثبني وامتنعت منه ، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ، فألقيته عني ، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي ، فاستعرت منها ثيابا ، ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلست بين يديه ، فذكرت له ما لقيت منه ، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه . قالت : فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يا خويلة ، ابن عمك شيخ كبير ، فاتقي الله فيه " . قالت : فوالله ما برحت حتى نزل في القرآن ، فتغشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتغشاه ، ثم سري عنه ، فقال لي : " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك " . ثم قرأ علي : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) إلى قوله : ( وللكافرين عذاب أليم ) قالت : فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مريه فليعتق رقبة " . قالت : فقلت يا رسول الله ، ما عنده ما يعتق . قال : " فليصم شهرين متتابعين " . قالت : فقلت : والله إنه شيخ كبير ، ما به من صيام . قال : " فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " . قالت : فقلت : يا رسول الله ، ما ذاك عنده . قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فإنا سنعينه بعرق من تمر " . قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا سأعينه بعرق آخر ، قال : " فقد أصبت وأحسنت ، فاذهبي فتصدقي به عنه ، ثم استوصي بابن عمك خيرا " . قالت : ففعلت .
ورواه أبو داود في كتاب الطلاق من سننه من طريقين ، عن محمد بن إسحاق بن يسار به . وعنده : خولة بنت ثعلبة ، ويقال فيها : خولة بنت مالك بن ثعلبة . وقد تصغر فيقال : خويلة . ولا منافاة بين هذه الأقوال ، فالأمر فيها قريب ، والله أعلم .
هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة ، فأما حديث سلمة بن صخر فليس فيه أنه كان سبب النزول ، ولكن أمر بما أنزل الله في هذه السورة من العتق ، أو الصيام ، أو الإطعام ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سليمان بن يسار ، عن سلمة بن صخر الأنصاري قال : كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ، فلما دخل رمضان تظهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان ، فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار ، وأنا لا أقدر أن أنزع ، فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شيء ، فوثبت عليها ، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت : انطلقوا معي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بأمري . فقالوا : لا والله لا نفعل ; نتخوف أن ينزل فينا - أو يقول فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة يبقى علينا عارها ، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك . قال : فخرجت حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته خبري . فقال لي : " أنت بذاك " . فقلت : أنا بذاك . فقال : " أنت بذاك " . فقلت : أنا بذاك . قال : " أنت بذاك " . قلت : نعم ، ها أنا ذا فأمض في حكم الله تعالى فإني صابر له . قال : " أعتق رقبة " . قال : فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها . قال : " فصم شهرين " . قلت : يا رسول الله ، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام ؟ قال : " فتصدق " . فقلت : والذي بعثك بالحق ، لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء . قال : " اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك ، فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا ، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك " . قال : فرجعت إلى قومي فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعة والبركة ، قد أمر لي بصدقتكم ، فادفعوها إلي . فدفعوها إلي .
وهكذا رواه أبو داود ، وابن ماجه ، واختصره الترمذي وحسنه
وظاهر السياق : أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خويلة بنت ثعلبة ، كما دل عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل .
قال خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك ، فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن أوسا ظاهر مني ، وإنا إن افترقنا هلكنا ، وقد نثرت بطني منه ، وقدمت صحبته . وهي تشكو ذلك وتبكي ، ولم يكن جاء في ذلك شيء . فأنزل الله : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) إلى قوله : ( وللكافرين عذاب أليم ) فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أتقدر على رقبة تعتقها ؟ " . قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها ؟ قال : فجمع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أعتق عنه ، ثم راجع أهله رواه ابن جرير
ولهذا ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ما قلناه ، والله أعلم .
فقوله تعالى : ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ) أصل الظهار مشتق من الظهر ، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها : أنت علي كظهر أمي ، ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسا على الظهر ، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقا ، فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ، ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم . هكذا قال غير واحد من السلف .
قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي حمزة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية : أنت علي كظهر أمي ، حرمت عليه ، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوسا ، وكان تحته ابنة عم له يقال لها : " خويلة بنت ثعلبة . فظاهر منها ، فأسقط في يديه ، وقال : ما أراك إلا قد حرمت علي . وقالت له مثل ذلك ، قال : فانطلقي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فأتت رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه ، فقال : " يا خويلة ، ما أمرنا في أمرك بشيء فأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا خويلة ، أبشري " قالت : خيرا . قال فقرأ عليها : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ) إلى قوله : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) قالت : وأي رقبة لنا ؟ والله ما يجد رقبة غيري . قال : ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) قالت : والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره ! قال : ( فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) قالت : من أين ؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها ! قال : فدعا بشطر وسق - ثلاثين صاعا ، والوسق : ستون صاعا - فقال : " ليطعم ستين مسكينا وليراجعك " وهذا إسناد جيد قوي ، وسياق غريب ، وقد روي عن أبي العالية نحو هذا ، فقال ابن أبي حاتم :
حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ، حدثنا على بن عاصم ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية قال : كانت خولة بنت دليج تحت رجل من الأنصار ، وكان ضرير البصر فقيرا سيئ الخلق ، وكان طلاق أهل الجاهلية إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته ، قال : " أنت علي كظهر أمي " . وكان لها منه عيل أو عيلان ، فنازعته يوما في شيء فقال : " أنت علي كظهر أمي " . فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت عائشة ، وعائشة تغسل شق رأسه ، فقدمت عليه ومعها عيلها ، فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي ضرير البصر ، فقير لا شيء له ، سيئ الخلق ، وإني نازعته في شيء فغضب ، فقال : " أنت علي كظهر أمي " ، ولم يرد به الطلاق ، ولي منه عيل أو عيلان ، فقال : " ما أعلمك إلا قد حرمت عليه " ، فقالت : أشكو إلى الله ما نزل بي وأبا صبيي . قال : ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الآخر ، فدارت معها ، فقالت : يا رسول الله ، زوجي ضرير البصر ، فقير سيئ الخلق ، وإن لي منه عيلا أو عيلين ، وإني نازعته في شيء فغضب ، وقال : " أنت علي كظهر أمي " ، ولم يرد به الطلاق ! قالت : فرفع إلي رأسه وقال : " ما أعلمك إلا قد حرمت عليه " . فقالت : أشكو إلى الله ما نزل بي وأبا صبيي ؟ قال : ورأت عائشة وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - تغير ، فقالت لها : " وراءك وراءك ؟ " فتنحت ، فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غشيانه ذلك ما شاء الله ، فلما انقطع الوحي قال : " يا عائشة ، أين المرأة " فدعتها ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذهبي فأتني بزوجك " . فانطلقت تسعى فجاءت به . فإذا هو - كما قالت - ضرير البصر ، فقير سيئ الخلق . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أستعيذ بالله السميع العليم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) إلى قوله : ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها ؟ " . قال : لا . قال : " أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " . قال : والذي بعثك بالحق ، إني إذا لم آكل المرتين والثلاث يكاد أن يعشو بصري . قال : " أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ " . قال : لا إلا أن تعينني . قال : فأعانه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أطعم ستين مسكينا " . قال : وحول الله الطلاق ، فجعله ظهارا .
ورواه ابن جرير ، عن ابن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن داود ، سمعت أبا العالية فذكر نحوه ، بأخصر من هذا السياق
وقال سعيد بن جبير : كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية ، فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر ، وجعل في الظهار الكفارة . رواه ابن أبي حاتم بنحوه .
وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الآية بقوله : ( منكم ) فالخطاب للمؤمنين ، وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ، واستدل الجمهور عليه بقوله : ( من نسائهم ) على أن الأمة لا ظهار منها ، ولا تدخل في هذا الخطاب .
وقوله : ( ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم ) أي : لا تصير المرأة بقول الرجل : " أنت علي كأمي " ، أو " مثل أمي " ، أو " كظهر أمي " ، وما أشبه ذلك ، لا تصير أمه بذلك ، إنما أمه التي ولدته ; ولهذا قال : ( وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ) أي : كلاما فاحشا باطلا ( وإن الله لعفو غفور ) أي : عما كان منكم في حال الجاهلية . وهكذا أيضا عما خرج من سبق اللسان ، ولم يقصد إليه المتكلم ، كما رواه أبو داود : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول لامرأته : يا أختي . فقال : أختك هي ؟ " ، فهذا إنكار ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك ; لأنه لم يقصده ، ولو قصده لحرمت عليه ; لأنه لا فرق على الصحيح بين الأم وبين غيرها من سائر المحارم من أخت ، وعمة ، وخالة ، وما أشبه ذلك .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ }
المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: "أنت علي كظهر أمي" أو غيرها من محارمه، أو "أنت علي حرام" وكان المعتاد عندهم في هذا لفظ "الظهر" ولهذا سماه الله "ظهارا" فقال: { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } أي: كيف يتكلمون بهذا الكلام الذي يعلم أنه لا حقيقة له، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنهم؟ ولهذا عظم الله أمره وقبحه، فقال: { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } أي: قولا شنيعا، { وزورا } أي: كذبا.
{ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } عمن صدر منه بعض المخالفات، فتداركها بالتوبة النصوح.
تفسير البغوي
ثم ذم الظهار فقال : ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ) قرأ عاصم : " يظاهرون " فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء . وقرأ ابن عامر ، وأبو جعفر ، وحمزة ، والكسائي : بفتح الياء والهاء ، وتشديد الظاء وألف بعدها وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف .
( ما هن أمهاتهم ) أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات . وخفض التاء في " أمهاتهم " على خبر " ما " ومحله نصب كقوله : " 12 31 31 ما هذا بشرا " ( يوسف - 31 ) المعنى : ليس هن بأمهاتهم ( إن أمهاتهم ) أي ما أمهاتهم ( إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول ) لا يعرف في شرع ( وزورا ) كذبا ( وإن الله لعفو غفور ) عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم .
وصورة الظهار : أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي ، وكذلك لو قال : أنت علي كبطن أمي أو كرأس أمي أو كيد أمي أو قال بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي أو شبه عضوا منها بعضو آخر من أعضاء أمه فيكون ظهارا .
وعند أبي حنيفة - رضي الله عنه - إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهارا وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهارا . ولو قال أنت علي كأمي أو كروح أمي وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهارا حتى يريده ، ولو شبهها بجدته فقال : أنت علي كظهر جدتي يكون ظهارا وكذلك لو شبهها بامرأة محرمة عليه بالقرابة بأن قال : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهارا - على الأصح من الأقاويل - .
الإعراب:
(الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) مبتدأ ومضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة صلة (مِنْكُمْ) متعلقان بمحذوف حال (مِنْ نِسائِهِمْ) متعلقان بالفعل (ما) نافية تعمل عمل ليس (هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) اسمها وخبرها والجملة خبر الذين وجملة الذين.. استئنافية لا محل لها.
(إِنْ) نافية (أُمَّهاتِهِمْ) مبتدأ (إِلَّا) حرف حصر (اللَّائِي) اسم الموصول خبر المبتدأ والجملة استئنافية لا محل لها.
(وَلَدْنَهُمْ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة صلة.
(وَإِنَّهُمْ) إن واسمها (لَيَقُولُونَ) اللام المزحلقة ومضارع مرفوع والواو فاعله والجملة الفعلية خبر إنهم والجملة الاسمية حالية (مُنْكَراً) صفة مفعول مطلق محذوف (مِنَ الْقَوْلِ) صفة لمنكر (وَزُوراً) معطوف على منكرا.
(إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) إن واسمها واللام المزحلقة وعفو غفور خبران والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.