المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 206]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البقرة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434تفسير ابن كثير:
وقوله : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) أي : إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله ، وقيل له : اتق الله ، وانزع عن قولك وفعلك ، وارجع إلى الحق امتنع وأبى ، وأخذته الحمية والغضب بالإثم ، أي : بسبب ما اشتمل عليه من الآثام ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ) [ الحج : 72 ] ، ولهذا قال في هذه الآية : ( فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) أي : هي كافيته عقوبة في ذلك .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله, إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف، و { أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ } فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين. { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } التي هي دار العاصين والمتكبرين، { وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي: المستقر والمسكن, عذاب دائم, وهم لا ينقطع, ويأس مستمر, لا يخفف عنهم العذاب, ولا يرجون الثواب, جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم، فعياذا بالله من أحوالهم.
تفسير البغوي
قوله ( وإذا قيل له اتق الله ) أي خف الله ( أخذته العزة بالإثم ) أي حملته العزة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم أي بالظلم والعزة التكبر والمنعة وقيل معناه ( أخذته العزة ) للإثم الذي في قلبه فأقام الباء مقام اللام .
قوله ( فحسبه جهنم ) أي كافيه ( ولبئس المهاد ) أي الفراش ، قال عبد الله بن مسعود : إن من أكبر الذنب عند الله أن يقال : للعبد اتق الله فيقول : عليك بنفسك .
وروي أنه قيل لعمر بن الخطاب : اتق الله فوضع خده على الأرض تواضعا لله عز وجل .
الإعراب:
(وَإِذا) الواو استئنافية، إذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرط منصوب بجوابه متعلق بأخذته.
(قِيلَ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل محذوف تقدير: القول.
(لَهُ) جار ومجرور متعلقان بقيل.
(اتَّقِ) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل أنت.
(اللَّهَ) مفعول به والجملة مقول القول وجملة قيل في محل جر بالإضافة.
(أَخَذَتْهُ) فعل ماض والتاء للتأنيث والهاء مفعول به.
(الْعِزَّةُ) فاعل.
(بِالْإِثْمِ) متعلقان بأخذته والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.
(فَحَسْبُهُ) الفاء الفصيحة حسب خبر مقدم.
(جَهَنَّمُ) مبتدأ مؤخر والجملة جواب شرط غير جازم مقدر لا محل لها.
(وَلَبِئْسَ) الواو استئنافية اللام واقعة في جواب القسم بئس فعل ماض جامد للذم.
(الْمِهادُ) فاعل والمخصوص بالذم محذوف أي هي والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم.