«أفأمِنوا أن تأتيهم غاشية» نقمة تغشاهم «من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة» فجأة «وهم لا يشعرون» بوقت إتيانها قبله.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
وقوله : ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ) أي : أفأمن هؤلاء المشركون [ بالله ] أن يأتيهم أمر يغشاهم من حيث لا يشعرون ، كما قال تعالى : ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ) [ النحل : 45 - 47 ] وقال تعالى : ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) [ الأعراف : 97 - 99 ] .
قوله تعالى: {وكأين من آية في السماوات والأرض} قال الخليل وسيبويه : هي [أي] دخل عليها كاف التشبيه وبنيت معها، فصار في الكلام معنى كم، وقد مضى في [آل عمران] القول فيها مستوفى. ومضى القول في آية السماوات والأرض في [البقرة]. وقيل : الآيات آثار عقوبات الأمم السالفة؛ أي هم غافلون معرضون عن تأمل. وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد {والأرض} رفعا ابتداء، وخبره. {يمرون عليها}. وقرأ السدي {والأرض} نصبا بإضمار فعل، والوقف على هاتين القراءتين على {السماوات}. وقرأ ابن مسعود "يمشون عليها". قوله تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} نزلت في قوم أقروا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها، وهم يعبدون الأوثان؛ قاله الحسن، ومجاهد وعامر الشعبي وأكثر المفسرين. وقال عكرمة هو قوله {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87] ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أندادا؛ وعن الحسن أيضا: أنهم أهل كتاب معهم شرك وإيمان، آمنوا بالله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصح إيمانهم؛ حكاه ابن الأنباري. وقال ابن عباس: نزلت في تلبية مشركي العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وعنه أيضا أنهم النصارى. وعنه أيضا أنهم المشبهة، آمنوا مجملا وأشركوا مفصلا. وقيل: نزلت في المنافقين؛ المعنى {وما يؤمن أكثرهم بالله} أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه؛ ذكره الماوردي عن الحسن أيضا. وقال عطاء: هذا في الدعاء؛ وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء؛ بيانه {وظنوا أنهم أحيط بهم} الآية [يونس: 22] . وقوله {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه} الآية [يونس: 12] . وفي آية أخرى {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت: 51]. وقيل: معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللص، ونحو هذا؛ فيجعلون. نعمة الله منسوبة إلى فلان، ووقايته منسوبة إلى الكلب. قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقيل: نزلت هذه الآية في قصة الدخان؛ وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} [الدخان: 12] فذلك إيمانهم، وشركهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب؛ بيانه قوله {إنكم عائدون} [الدخان: 15] والعود لا يكون إلا بعد ابتداء؛ فيكون معنى {إلا وهم مشركون} أي إلا وهم عائدون إلى الشرك، والله أعلم. قوله تعالى {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} قال ابن عباس: مجللة. وقال مجاهد: عذاب يغشاهم؛ نظيره: {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم}[العنكبوت: 55]. وقال قتادة: وقيعة تقع لهم. وقال الضحاك: يعني الصواعق والقوارع. {أو تأتيهم الساعة} يعني القيامة. {بغتة} نصب على الحال؛ وأصله المصدر. وقال المبرد: جاء عن العرب حال بعد نكرة؛ وهو قولهم: وقع أمر بغتة وفجأة؛ قال النحاس: ومعنى {بغتة} إصابة من حيث لم يتوقع. {وهم لا يشعرون} وهو توكيد. وقوله {بغتة} قال ابن عباس: تصيح الصيحة بالناس وهم في أسواقهم ومواضعهم، كما قال {تأخذهم وهم يخصمون} [يس: 49] على ما يأتي. قوله تعالى {قل هذه سبيلي} ابتداء وخبر؛ أي قل يا محمد هذه طريقي وسنتي ومنهاجي؛ قاله ابن زيد. وقال الربيع: دعوتي، مقاتل: ديني، والمعنى واحد؛ أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدي إلى الجنة. {على بصيرة} أي على يقين وحق؛ ومنه: فلان مستبصر بهذا. {أنا} توكيد. {ومن اتبعني} عطف على المضمر. {وسبحان الله} أي قل يا محمد{وسبحان الله}. {وما أنا من المشركين} الذين يتخذون من دون الله أندادا.
فهل عندهم ما يجعلهم آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله يعُمُّهم، أو أن تأتيهم القيامة فجأة، وهم لا يشعرون ولا يُحِسُّون بذلك.
{ أَفَأَمِنُوا } أي: الفاعلون لتلك الأفعال، المعرضون عن آيات الله { أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ } أي: عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم، { أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً } أي: فجأة { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } أي: فإنهم قد استوجبوا لذلك، فليتوبوا إلى الله، ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم.
( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) أي : عقوبة مجللة . قال مجاهد : عذاب يغشاهم ، نظيره قوله تعالى : " يوم يغشاهم العذاب من فوقهم " الآية ( العنكبوت - 55 ) . قال قتادة : وقيعة . وقال الضحاك : يعني الصواعق والقوارع . ( أو تأتيهم الساعة بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بقيامها . قال ابن عباس : تهيج الصيحة بالناس وهم في أسواقهم .
(أَفَأَمِنُوا) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء استئنافية وماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو فاعل والجملة مستأنفة (أَنْ) ناصبة (تَأْتِيَهُمْ) مضارع منصوب والهاء مفعول به والميم للجمع (غاشِيَةٌ) فاعل (مِنْ عَذابِ) متعلقان بصفة لغاشية والمصدر المؤول في محل نصب مفعول به لأمنوا (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (أَوْ) عاطفة (تَأْتِيَهُمْ) مضارع منصوب لأنه معطوف على منصوب والهاء مفعول به (السَّاعَةُ) فاعل (بَغْتَةً) حال (وَهُمْ) الواو حالية وهم مبتدأ (لا) نافية (يَشْعُرُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة الاسمية في محل نصب على الحال والجملة الفعلية خبر
Traslation and Transliteration:
Afaaminoo an tatiyahum ghashiyatun min AAathabi Allahi aw tatiyahumu alssaAAatu baghtatan wahum la yashAAuroona
Deem they themselves secure from the coming on them of a pall of Allah's punishment, or the coming of the Hour suddenly while they are unaware?
Yoksa onlar, herkesi gelip kaplayacak Allah azabından, yahut hiç haberleri yokken ansızın gelip çatacak kıyametten emin mi oluyorlar?
Est-ce qu'ils sont sûrs que le châtiment d'Allah ne viendra pas les couvrir ou que l'Heure ne leur viendra pas soudainement, sans qu'ils s'en rendent compte?
Fühlen sie sich etwa davor sicher, daß sie eine Peinigung von ALLAH überzieht, oder daß die Stunde sie überrascht, während sie es nicht merken?!
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |