إذا جاء خير اللّه يصبح نادما | *** | بما فرط المسكين في زمن البذر |
علوم أتت نصا جليا تقدّست | *** | عن الظنّ والتخمين والحدس والحزر |
تجيء وما ينفك عنها مجيئها | *** | ولكنها تأتيك بالمدّ والجزر |
ألا كلّ خلق كان مني تخلقا | *** | بخلق إلهيّ كريم سوى النذر |
فيا شؤمه خلقا فإنّ أداءه | *** | كمثل أداء الفرض في القسر والجبر |
لقد طلعت يوما عليّ غمامة | *** | تكون لما فيها من الصون كالخدر |
فقلت تجلى في غمام علمته | *** | أتاني به الرحمن في محكم الذكر |
فجادت على أركان كوني بأربع | *** | معارف ألبان وماء ومن خمر |
وما أخرجت نحل لنا من بطونها | *** | مصفّى لنا فيه الشفاء من الضرّ |
علوم يقوم الحبر منا بفضلها | *** | فما هي من زيد يمرّ على عمر1 |
تعالت فلا شخص يفوز بنيلها | *** | ولا سيما إن كان في ظلمة الحشر |
بها ميز الرحمن بين عباده | *** | غداة غد في موقف البعث والنشر |
كما ميز الرحمن بين عباده | *** | إذا دفنوا في الأرض من ضغطة القبر |
فضم لتعذيب وضم تعشق | *** | فلا بد منه فاعلموا ذاك من شعري |
قد اشتركا في الضم من كان ذا وفا | *** | لما كان في عهد ومن كان ذا غدر |
يجيء بأعذار ليقبل عذره | *** | وليس له يوم القيامة من عذر |
ويقبل منه صدقه في حديثه | *** | ولو جاء يوم العرض بالعمل النزر |
لقد عمّ بالطبع العزيز قلوبنا | *** | فلا يدخلن القلب شيء من النكر |
جهلت علوما في حداثة سننا | *** | وما نلت هذا العلم إلا على كبر |
وما خفت من شيء أتاني بغتة | *** | كخوفي إذا خفنا من النظر الشزر2 |
جرينا به في حلبة الكشف والحجى | *** | على الصافنات الغر والسبق الضمر3 |
فلما أتينا الصور قال لنا فتى | *** | ألا إنه الناقور فافزع إلى النقر4 |
فملت إليه في رجال ذوي نهى | *** | بمحو وإثبات من الصحو والسكر5 |
أهدى كما قال الجنيد بحامل | *** | فقلت له: أين القعود من البكر6
|
1) الحبر: العالم الحاذق.
2) الشّزر: النظر بمؤخر العين، نظر فيه إعراض.
3) الكشف: الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية. الصافنات: كناية عن الخيل، ويقال: صفن الفرس إذا قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة.4) الناقور: أي الصّور كما في الآية 8 من سورة المدثر: فَإِذا نُقِرَ فِي اَلنّاقُورِ .
5) ذوو نهى: عقلاء. السّكر: دهش يلحق سر المحب في مشاهدة جمال المحبوب فجأة.6) الجنيد: أبو القاسم الجنيد سيد الصوفية، كان فقيها على مذهب أبي ثور وصحب خاله السري السقطي-