المرتبة الحادية والعشرون: الجوهر الفرد
من مراتب الوجود هي الجوهر الفرد لأنه أصل الأجسام فهو للأجسام بمنزلة الحروف
للكلمة ، وإن شئت قلت بمنزلة النقطة للحرف ، وقد بينا ذلك في كتاب ( النقطة ) ،
فالجوهر ذات قابلة للاتصال غير قابلة للافتراق ، ولهذا كان الجوهر نهاية أمر
الأجسام في الافتراق والهلاك . فهلاك المركب انبساطه وتحليل أجزائه حتى يصير كل
جوهر منه مفرداً ، والجوهر قبل التركيب يسمى الجوهر الفرد ، وبعد التركيب يسمى
الجوهر المركب ، وبعد انحلال التركيب وهو انبساطه يسمى الجوهر البسيط والجزء الذي
لا يتجزأ ، إذ لا يصح ذكر الجزء بغير اعتبار الكل ، وبعد الانحلال فالكل معتبر وهو
المركب الذي قد انحل . فإذا علمت الجوهر فاعلم أن العرض عبارة عن أحواله وأوصافه
وشؤونه وأحكامه إلى غير ذلك من أوصافه كلها ، فهي له أعراض متغايرة عليه مع الدوام
إذ بقاء العرض زمانين محال ، وسبب ذلك أن العرض سمي عرضاً لانتقاله من محل قابل
للأعراض إلى محل آخر . والجوهر محل فرد لا يقبل انتقال العرض فيه بل لا يزال طارئاً
متنقلاً عنه غير مجاور له هكذا على الدوام . وسيأتي بيان استثناء هذه المسألة في
المرتبة التي بعد هذه المرتبة عند ذكرنا تجديد خلق الخلق في كل آن والله تعالى أعلم
.