المرتبة العشرون: الهباء
من مراتب الوجود هي الهباء ، وهو مكان حكمي لا وجودي أوجد الله العالم فيه ، وأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أول من سمى هذا الهباء الذي هو مكان
العالم . قلت لك : أوليس الله قد خلق العالم والعالم بأجمعه اسم لما سواه ، فإن كان
أوجده الله في نفسه كانت نفسه محلاً للحوادث تعالى عن ذلك ، وإن كان أوجده في مكان
مخلوق كان ذلك المكان من جملة العالم ، فما بقي إلا أن نقول أوجده في مكان حكمي غير
وجودي ، حتى يخرج ذلك المكان عن حد العالم ، ويخرج عن أن يكون ذات الحق تعالى ،
فافهم . هذا وجه إثبات هذا الفلك الهبائي بطريق رأي العقلاء والنظر ، وأما عندنا
فهو سبحانه أوجد العالم من عله إلى عينه وعلمه عينه وعينه ذاته ، والمراد من قولي
أوجد العالم من علمه إلى عينه هو عبارة عن إضافة الحق تعالى نسبة الوجود إلى عينه ؛
لأن الموجودات بأسرها لم تزل ، موجودة له في علمه وعلمه على الحقيقة عينه وعينه
علمه لأنه بذاته يعلم وبذاته يسمع وبذاته يبصر ، ولو قلت يسمع بسمع ويبصر ببصر
ويعلم بعلم .قلنا إن ذلك العلم والسمع والبصر عين ذاته لا غيرها ، فوجود العالم في
الظاهر الكوني إيجاده لهم في بصره ، وهو عبارة عن إضافته تعالى نسبة وجودهم إلى
بصره ، وهم قبل ذلك وبعده موجودون في علمه غير مفارقين للعلم حال إضافة نسبتهم إلى
عينه ، وغير مفارقين لعينه حال إضافة نسبة وجودهم إلى علمه ، لأن عينه قراء علمه
فلا يغيب عن شيء لكن إضافة نسبة الحق لهم إلى عينه أكسبهم الإيجاد العيني ، فلو رفع
عنهم هذه الإضافة لعدم العالم بأجمعه ، فالعالم محفوظ بنظر الله تعالى إليه . وقد
بينا ذلك بأوضح من هذا البيان في كتابنا ( القاموس الأعظم والناموس الأقدم ) ،
فلنختصر على هذا القدر في هذا الكتاب .