المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (304)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (304)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ
( ش ) : قَوْلُهَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ بِمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ثُمَّ طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّسْخُ بِالتَّمَامِ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ وَبَقِيَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْرِ. ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِهَلْ هُوَ وَاجِبٌأَوْ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِأَوْ مُبَاحٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَوَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ والبغداديون مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُونَ إنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَصْرَ وَاجِبٌ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ رُبَاعِيَّةٌ رُدَّتْ بِالتَّغْيِيرِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ فَرْضَهَا كَصَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَدْخُلُ خَلْفَ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ فَلَوْ كَانَ فَرْضُهُ الْقَصْرَ لَمَا جَازَ لَهُ الْإِتْمَامُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ تَمَامُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ بَعْدَ مَقْدِمِهِ بِشَهْرٍ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ النَّسْخَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا زِيدَ فِيهَا فَبَلَغَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقَدْ مَنَعَتْ زِيَادَةُ الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَتَانِ صَلَاةً بِانْفِرَادِهِمَا فَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لَهَا. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ تُرِيدُ أَنَّهَا بَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ مِنْ وُجُوبِ كَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْفَرْضُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةٌ فَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ إنَّمَا أُقِرَّتْ صَلَاةُ الْقَصْرِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فَيَكُونُ إقْرَارُهَا بِمَعْنَى الِاجْتِزَاءِ وَالْجَوَازِ لَا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَيَكُونُ الْوُجُوبُ مَنْسُوخًا وَيَكُونُ الْقَصْرُ فِي الْحَضَرِ مَنْسُوخًا وُجُوبُهُ وَجَوَازُهُ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُإِذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ فِي الْجَوَازِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ عِنْدِي ظَاهِرٌ. ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَسْفَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : سَفَرُ عِبَادَةٍ كَالْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَسَفَرٌ مُبَاحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَاتِ وَسَفَرٌ مَكْرُوهٌ كَسَفَرِ الصَّيْدِ لِلَذَّةٍ وَسَفَرُ الْمَعْصِيَةِ , فَأَمَّا سَفَرُ الْغُرْبَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَصْرَ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَأَمَّا السَّفَرُ الْمُبَاحُ فَذَهَبَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَنْعُ ذَلِكَ إِلَّا فِي سَفَرِ الْعِبَادَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سَفَرٌ لَمْ يُحْظَرْ فِي مَسِيرِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَشُرِعَ فِيهَا الْقَصْرُ كَسَفَرِ الْعِبَادَةِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ فَقَالَمَالِكٌ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمُتَصَيِّدِ لِلَذَّةٍ أَنَا لَا آمُرُهُ بِالْخُرُوجِ فَكَيْفَ آمُرُهُ بِالْقَصْرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ مُبَاحٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ الْقَصْرُ كَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَالشَّافِعِيُّ وَرَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ تَنَاوُلُ النِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فِيهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى يُتَرَخَّصُ بِهِ فِي سَفَرِ الطَّاعَةِ فَجَازَ أَنْ يُتَرَخَّصَبِهِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ. ( فَصْلٌ ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رِوَايَتِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ تُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ قُلْتُ لِعُرْوَةَ فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رحمه الله وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَقِيلَ تَأَوَّلَ أَنَّهُلَمَّا كَانَ الْخَلِيفَةُ وَأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَمُرُّ فِيهِ فَهُوَ قُطْرُهُ وَأَنَّ مَنْ فِيهِ مُلْتَزِمٌ لِطَاعَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيطَانِهِ فِيهِ فَحُكْمُهُ لِذَلِكَ أَنْ يُتِمَّ وَتَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ كُلَّ نُزُلٍ تَنْزِلُهُ فَهُوَ مَنْزِلٌ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ كَانَ حُكْمُهَا لِذَلِكَ أَنْ تُتِمَّ وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامَةِ تَأْثِيرًا فِي أَحْكَامِ الْإِتْمَامِ كَمَا لَهَا تَأْثِيرٌ فِي إمَامَةِ الْجُمْعَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُ الْإِمَامِ يَمُرُّ بِمَوْضِعِ جُمْعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمْعَةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ غَيْرَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما سَافَرَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ اعْتَقَدَا فِي ذَلِكَ التَّخْيِيرَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَآثَرَا الْإِتْمَامَ وَتَأَوَّلَا أَفْعَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَصْرِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ كَالْفِطْرِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُإِنَّ السُّنَّةَ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ عليه السلام ثُمَّ سُنَّةُ صَاحِبَيْهِ وَلَكِنْ حَدَثَ طَغَامٌ مِنْ النَّاسِفَخِفْتُ أَنْ يَنْسَوْا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَعُثْمَانُ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهما إنَّمَا أَتَمَّا بِمِنًى بَعْدَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ مُدَّةَ الْإِتْمَامِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ لِمَنْ احْتَسَبَ فِي الْقَصْرِ بِالْخُرُوجِ خَاصَّةً دُونَ الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا غَيْرُ هَذَا مِنْ وُجُوهِ الْإِتْمَامِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.



