المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (303)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (303)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ
( ش ) : قَوْلُهُ إنَّمَا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَالْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا نَصُّ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّائِلَ إمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْقَصْرُ ثُمَّ طَرَأَ نَسْخُ ذَلِكَ بِالتَّمَامِ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَصْلَهَا التَّمَامُ ثُمَّ طَرَأَ نَسْخُ ذَلِكَ بِالْقَصْرِ فَأَمَّا اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ فَبَيِّنٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَأَنَّ النَّسْخَ طَرَأَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَعَلَّقَ حُكْمَ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ وَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَصَلَاةُ سَفَرِ الْأَمْنِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا قَصْرَهَا وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْقَصْرُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ النَّسْخُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ خَصَّ بِالْقَصْرِ لِلْخَوْفِ ذَلِكَ الْعُمُومَ فَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِالْآمَنِ عَلَى حُكْمِ عُمُومِ الْإِتْمَامِ. ( فَصْلٌ ) وَصَلَاةُ الْخَوْفِ الَّتِي عَنَاهَا السَّائِلُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّمَا هِيَ صَلَاةُ السَّفَرِ لِلْخَائِفِ فِي قوله تعالى وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَجَدَ قَصْرَ الصَّلَاةِ لِلْخَائِفِ الْمُسَافِرِ فِي الْآيَةِ وَلَمْ يَجِدْ قَصْرَ الصَّلَاةِ لِلْآمَنِ الْمُسَافِرِ وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَعْنَى قوله تعالى فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ مَعْنَى قَصْرِهَا فِي الْخَوْفِ التَّرْتِيبُ وَتَخْفِيفُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ. ( قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ قَالَالْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ رحمه الله وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْآيَةِ الْقَصْرُ الْمَعْرُوفُ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عُمَرُ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ فَتَأْوِيلُ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَالسَّائِلِينَ لَهُمَا أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ الَّذِي هُوَ رَدُّ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أُقِرَّ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْأَمْنِ. ( فَصْلٌ ) وَإِنَّمَا سَمَّاهَا السَّائِلُ صَلَاةَ الْخَوْفِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ الْقَصْرِ عِنْدَهُ بِالْخَوْفِ وَلَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةَ السَّفَرِ الْمُطْلَقِ فَلِذَلِكَ طَلَبَ حُكْمَهُ وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِنَا فِي الْآيَةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهَا بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا يُرِيدُ وَلَا نَعْلَمُ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ وَلَا مَا يَجِبُ مِنْ صِفَاتِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا بِالشَّرْعِ دُونَ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ يُرِيدُ أَنَّ قَصْرَهُمْ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ آمَنِينَ مِمَّا ائْتَسَوْا فِيهِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ تَكُنْ آيَةُ الْقَصْرِ تَتَنَاوَلُهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.



