المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (286)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (286)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ
( ش ) : قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةً فِي اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ تُرِيدُ بِذَلِكَ نَافِلَةَ اللَّيْلِ وَيَحْتَمِلُ تَخْصِيصُهَا لِلذِّكْرِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهَا نَصَّتْ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَبَّهَتْ بِذَلِكَ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي هِيَ آكَدُ مِنْهَا وَالثَّانِي أَنَّهَا قَصَدَتْ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهِ فِي النَّافِلَةِ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ لِأَنَّهَا لَوْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ فَلَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْحَثُّ وَالتَّأْكِيدُ فِي قِيَامِ النَّافِلَةِ ثُمَّ قَالَتْ حَتَّى أَسَنَّ فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَأَخْبَرَتْ عَنْ عُذْرِهِ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ بِالسِّنِّ إبْقَاءً عَلَى نَفْسِهِ لِيَسْتَدِيمَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَالَتْ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَتَأَكُّدِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ عَمَّا يُطِيقُهُ مِنْهُ وَفِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَقُومَ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُومَ فِيمَا أَمْكَنَهُ مِنْهَا وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا لِمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ قَاعِدًا ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْقُعُودَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا حَالَةٌ تُبِيحُ لَهُ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ جَالِسًا فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهَا إِلَى الْجُلُوسِ مَنْ افْتَتَحَهَا كَحَالَةِ الْعُذْرِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَهَذَا لَمَّا افْتَتَحَ نَافِلَتَهُ قَائِمًا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ لِحَالٍ كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الضَّعْفِ عَنْ الْقِيَامِ فِي جَمِيعِهَا وَالْقُوَّةِ عَلَى الْقِيَامِ فِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرٍ طَرَأَ لَهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا طَرَأَ لَهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ يَجِدُهُ حِينَ الشُّرُوعِ فِيهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْجَوَازِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْقِيَامَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فَيُتِمَّهَا قَائِمًا وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ جَازَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ قَاعِدًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِمَا كَانَ فَرْضُهُ فِي افْتِتَاحِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ كَمَا لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْقِيَامِ. ( مَسْأَلَةٌ ) لَوْ افْتَتَحَ صَلَاةً بِالِاضْطِجَاعِ لِضَعْفِهِ عَنْ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ ثُمَّ اسْتَطَاعَ الْقِيَامَ أَوْ الْجُلُوسَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى مَا أَدَّتْ حَالُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِمَا كَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا بِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ كَمَا لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْجُلُوسِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ التَّرْتِيلَ فِي قِرَاءَتِهَا لِلتَّدَبُّرِ وَلِامْتِثَالِ قَوْلِهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ



