المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (27)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (27)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ
( ش ) :قَوْلُهُ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةً وَلَا حَظْرًا فَقَدْ يَرِدُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْحَظْرِ كَقَوْلِهِ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَيَرِدُ مِثْلُهُ فِي الْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَرْطٌ يَتَنَوَّعُ مَعْنَاهُ بِتَنَوُّعِ جَوَابِهِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا مَنْعٌ لِمَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِذَايَةِ النَّاسِ بِرَائِحَتِهَا وَلِمَا يَجِبُ مِنْ تَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ عَنْ كَرِيهِ الرَّائِحَةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ وَرُوِيَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَسَاجِدَنَا عَلَى الْعُمُومِ وَرُوِيَ مَسْجِدَنَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَةِ مَنْ أَفْرَدَ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ بِرِوَايَةِ مَنْ عَمَّ وَلَيْسَ يَتَنَاوَلُ نَهْيُهُ هَذَا دُخُولَ الْمَسَاجِدِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ دُخُولَهَا بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِهِ فَيُقَالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْهُ مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَالثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْنَعُ دُخُولُهُ بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَالثَّانِيَةُ بَيَانُ مَا يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى ضَرْبَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا اُتُّخِذَ لِلْعِبَادَاتِ كَالْجَامِعِ وَالْمَسْجِدِ فَهَذِهِ يُكْرَهُ دُخُولُهَا بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدِي أَنَّ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ كَذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَبْسُوطِ الَّذِي يَأْكُلُ الثُّومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي رِحَابِهِ ( فَرْعٌ ) وَهَلْ يَدْخُلُهَا مَنْ أَكَلَ الثُّومَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاضِعِ مَا اُتُّخِذَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ كَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا سَمِعْت بِكَرَاهِيَةٍ فِي دُخُولِ الْأَسْوَاقِ مِمَّنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَوَاضِعَ الْمُتَّخَذَةَ لِلْعِبَادَةِ لَهَا حُرْمَةٌ يَجِبُ أَنْ يُتَنَزَّهَ بِهَا عَنْ كَرِيهِ الأرايح بِخِلَافِ الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فَلَوْ مُنِعَ دُخُولُ الْأَسْوَاقِ بِرَائِحَةِ الثُّومِ لَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَكْلِهِ جُمْلَةً لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الرَّوَائِحُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ الثُّومِ كَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ هُنَا مِثْلَ الثُّومِ وَقَالَ إِنْ كَانَ الْفُجْلُ يُؤْذِي وَيَظْهَرُ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَكَلَهُ الْمَسْجِدَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي الْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ مَنْعًا وَمَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسُئِلَ عَنْ الْكُرَّاثِ فَقَالَ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ كُلُّ مَا يُؤْذِي النَّاسَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ الْخُضَرِ الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَةِ فِي ذَلِكَ كَالثُّومِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَالثُّومَ فَلَا يَقْرَبْ مَسَاجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ رَائِحَةٌ يَتَأَذَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ بِهَا فَأَشْبَهَتْ رَائِحَةَ الثُّومِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ لَمُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ مَنْ لَا تُوجَدُ لَهُ رَائِحَةٌ إِنْ أَكَلَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ لَهُ الرَّائِحَةُ إِذَا أَكَلَهُ فَإِنْ أَكَلَهُ أَحَدٌ وَأَتَى الْمَسْجِدَ أُخْرِجَ مِنْهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ مَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ , مَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا نُضْجًا ( مَسْأَلَةٌ ) وَلَيْسَ أَكْلُ ذَلِكَ بِحَرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ وَقَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ فَقَالَ مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْخَبِيثَةَ فَلَا يَغْشَنَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّاسُ حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ فِيَّ تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا وَهَذَا فِيمَنْ أَكَلَ ذَلِكَ نِيئًا فَأَمَّا مَنْ أَكَلَهُ بَعْدَ الْإِنْضَاجِ بِالنَّارِ فَلَا مَنْعَ فِيهِ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْيُتِمَّهَا نُضْجًا وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ رَائِحَتَهُ تَذْهَبُ بِالْإِنْضَاجِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الطَّعَامِ