المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (24)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (24)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ
( ش ) : الْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِجَهَنَّمَ فَيْحًا وَأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْحِ وَأَمَرَ بِالْإِبْرَادِ بِالصَّلَاةِ مِنْ عِنْدِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِعْلُهَا إِلَى أَنْ يَبْرُدَ وَقْتُهَا وَقَوْلُهُ اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : الْحَقِيقَةُ وَهُوَ أَنْ يَخْلُقَ لَهَا حَيَاةً وَكَلَامًا فَتَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ , وَالثَّانِيَ الْمَجَازُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ شَكَا إلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى وَقَوْلُهُ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا يُرِيدُ بِذَلِكَ كَثْرَةَ حَرِّهَا وَأَنَّهَا تَضِيقُ بِمَا فِيهَا وَلَا تَجِدُ مَا تَأْكُلُهُ وَتَحْرُقُهُ حَتَّى يَعُودَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ يُرِيدُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَتَنَفَّسَ فَيَخْرُجَ عَنْهَا بَعْضُ مَا تَضِيقُ بِهِ مِنْ أَنْفَاسِ حَرِّهَا وَزَمْهَرِيرِهَا أَعَاذَنَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مِنْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ مَعْنَى الْإِبْرَادِ مَسْأَلَةُ وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ أَنَّا حَدَّدْنَا أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَبَيَّنَّا فَضِيلَةَ أَوْقَاتِهَا بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهَا وَبَقِيَ عَلَيْنَا الْكَلَامُ فِي الْفَضَائِلِ الَّتِي تَرِدُ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَتَكُونُ لَهَا الْفَضِيلَةُ فِي نَوْعٍ مِنْ التَّأْخِيرِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ أَقَاوِيلُ نَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ثُمَّ نُخَلِّصُ مَعَانِيَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْفَيْءُ ذِرَاعًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوَّلُ الْوَقْتِ أَحَبُّ إلَيْنَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا لِلْعَامَّةِ فِي ذَاتِ أَنْفُسِهَا فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ فَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّيْفِ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إِلَى وَسَطِ الْوَقْتِ وَمَا بَعْدَهُ قَلِيلًا لِأَنَّ النَّاسَ يَقِيلُونَ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي الشِّتَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ عَنْ أُفُقِ الْمُوَاجِهِ لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَقِيلُونَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ كَرِهَ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَكِنْ بَعْدَ مَا يَتَمَكَّنُ وَيَذْهَبُ بَعْضُهُ فَمَعْنَى التَّأْخِيرِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْإِبْرَادِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فَحَصَلَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ تَأْخِيرَانِ أَحَدُهُمَا لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الْجَمَاعَاتِ دُونَ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذْ هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالتَّأْخِيرُ الثَّانِي بِمَعْنَى الْإِبْرَادِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْحَرِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَالْفَذُّ فَوَقْتُ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ إِلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَوَقْتُ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الْإِبْرَادِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِلَى نَحْوِ الذِّرَاعَيْنِ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ تَأْخِيرُ الصَّيْفِ الظُّهْرَ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ إِلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ بِإِثْرِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَرِّ فَأَمَّا فِي الْحَرِّ فَالْإِبْرَادُ بِهَا أَحَبُّ إلَيْنَا وَلَا يُؤَخِّرُ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِبْرَادِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْأَمْرِ بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَنْدُوبٌ إِلَى الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِكْمَالِ لِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهَا وَأَقْوَالِهَا وَشِدَّةُ الْحَرِّ تَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْحَقْنِ الَّذِي يَمْنَعُ الْخُشُوعَ وَإِتْمَامَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَكَمَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْعِشَاءِ بِحَضْرَةِ الصَّلَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُبْرَدُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَزِيدَ الْمُصَلِّي ذِرَاعًا عَلَى الْقَامَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَرِّ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقْتُهَا وَاحِدٌ تُعَجَّلُ وَلَا تُؤَخَّرُ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُعَجَّلُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ رُبَاعِيَّةٌ مِنْ صَلَوَاتِ النَّهَارِ فَثَبَتَ فِيهَا الْإِبْرَادُ وَانْتِظَارُ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْعَصْرَ يَكُونُ فِي وَقْتٍ يَخِفُّ الْحَرُّ وَيَطْرَأُ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ مُتَأَهِّبُونَ لِلصَّلَاةِ وَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمَهَا كَالْمَغْرِبِ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِهَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ قَلِيلًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَخَّرُ فِي الشِّتَاءِ قَلِيلًا لِطُولِ اللَّيْلِ وَيُؤَخَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي إفْطَارِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لَمَعَانٍ تُوجِبُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا