المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (232)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (232)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ
( ش ) : قَوْلُهُ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ يَعْنِي أَنْ يَؤُمَّاهُمْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ يُصَلِّي بِهِمْ أُبَيُّ مَا قَدَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي تَمِيمٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقْرَأَ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَنَائِبٌ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْقَارِئَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَقْصِدُ مَا يُوَافِقُ صَوْتَهُ وَيَحْسُنُ فِيهِ طَبْعُهُ وَذَلِكَ يُنَافِي الْخُشُوعَ , وَسُنَّةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِحْدَى عَشْرَ رَكْعَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ عُمَرَ إنَّمَا امْتَثَلَ فِي ذَلِكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ اللَّيْلِ عَلَى مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا كَانَ يُصَلِّي بِهِ فِي رَمَضَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ فَرَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَرَوَى نَافِعُ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ يُصَلُّونَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ عِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ عَلَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمَرَهُمْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَمَرَهُمْ مَعَ ذَلِكَ بِطُولِ الْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ الْقَارِئُ بالمئين فِي الرَّكْعَةِ لِأَنَّ التَّطْوِيلَ فِي الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ فَلَمَّا ضَعُفَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِثَلَاثِ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَاسْتِدْرَاكِ بَعْضِ الْفَضِيلَةِ بِزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَلَى حَدِيثِ الْأَعْرَجِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً إِلَى عِشْرِينَ وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْحَرَّةِ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ الْقِيَامُ فَنَقَصُوا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَزَادُوا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَجَاءَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرُ بِثَلَاثٍ فَمَضَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَيَّامِهِ أَنْ يُقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِعَشْرِ آيَاتٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ وِتْرُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْجَمَاعَةِ فَكَانَ هُوَ الْأَفْضَلُ بِمَعْنَى التَّخْفِيفِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَهَذَا فِي الْآيَاتِ الطِّوَالِ وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الْخِفَافِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي فِي الْجَمَاعَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَلَوْ اسْتَطَاعَ أَحَدٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بالمئين لَكَانَ أَفْضَلَ وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقِيَامِ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَكُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْعَصَا وَالْحَائِطِ فِي النَّافِلَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لِطُولِ الْقِيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِطُولِ الْقِيَامِ فَضِيلَةً رُبَّمَا اُسْتُعِينَ عَلَيْهَا بِالِاعْتِمَادِ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ جَائِزٌ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ فُرُوضِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ إِلَّا بِالِاعْتِمَادِ كَانَ ذَلِكَ فَرْضَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْجُلُوسِ إِلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ الِاعْتِمَادُ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ اعْتِمَادٌ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْمَنْعِ مَبْلَغَ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْعَصَا وَالْعُودِ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ وَهِيَ أَوَائِلُهُ وَأَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْضُونَ صَلَاتَهُمْ لِطُولِ الْقِيَامِ إِلَّا لِقُرْبِ الْفَجْرِ وَهَذِهِ صَلَاةُ مَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى قِيَامِ آخَرِ اللَّيْلِ وَقَوْلُ عُمَرَ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ لِمَنْ كَانَ يَقُومُ أَوَّلَ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ كَانَتْ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي أَوَّلَ اللَّيْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي آخِرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي جَمِيعَهُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُرِيدُ أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُ مِنْهَا وِتْرًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ مِنْهَا رَكْعَةً وَاحِدَةً وَقَدْ اخْتَارَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ رضي الله عنه وَلَهُ عِنْدِي ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ أَخَّرَ وِتْرَهُ عَنْ صَلَاتِهِ وَأَمَّا مَنْ وَصَلَ صَلَاتَهُ بِوِتْرِهِ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ , وَالثَّانِي مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا سَلَامَ فِيهَا فَأَرَادَ مَالِكٌ إبْقَاءَ الصُّورَةِ إذْ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ اتِّصَالُهَا , وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْوِتْرَ نَفْلٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يُوتِرَ نَفْلًا وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ فَلَزِمَتْ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ الْوِتْرَ حَتَّى صَارَتَا مِنْ جُمْلَتِهِ لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ فِيهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَهُ غَيْرُ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إِنْ شَاءَ جَاءَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْوِتْرِ



