موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (174)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (174)]

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏أَبَا السَّائِبِ ‏ ‏مَوْلَى ‏ ‏هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ ‏ ‏يَقُولُ سَمِعْتُ ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا ‏ ‏بِأُمِّ الْقُرْآنِ ‏ ‏فَهِيَ ‏ ‏خِدَاجٌ ‏ ‏هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ قَالَ فَقُلْتُ يَا ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏ ‏قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ ‏ { ‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏} ‏يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ ‏ { ‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏} ‏يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ ‏ { ‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ‏} ‏يَقُولُ اللَّهُ مَجَّدَنِي عَبْدِي يَقُولُ الْعَبْدُ ‏ { ‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ‏} ‏فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ الْعَبْدُ ‏ { ‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ‏} ‏فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ‏


( ش ) : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَعْنِي نَاقِصَةً عَمَّا يَجِبُ فِيهَا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَدَنِيَّةِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ الْخِدَاجَ النَّاقِصُ الَّذِي لَا يَتِمُّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ مُجْزِئَةً وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَجَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً وَوَصَفَهَا بِالنُّقْصَانِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَإِنْ نَقَصَتْ فَضِيلَتُهَا أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهَا لَا تَخْرُجُ بِعَدَمِهَا عَنْ كَوْنِهَا صَلَاةً وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ لِأَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمُجْزِئِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمُجْزِئِ يُقَالُ صَلَاةٌ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ كَمَا يُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةٌ مُجْزِئَةٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ النُّقْصَانِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي نُقْصَانَ أَجْزَائِهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَتَبَعَّضُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُ النُّقْصَانِ عَلَى عَدَمِ الْفَضِيلَةِ لِمَنْ كَمُلَتْ أَجْزَاؤُهُ وَوَصْفُ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا خِدَاجٌ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَعْنِي فَسَادَهَا وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ تَامٍّ فَإِنْ قَرَأَ فِي بَعْضِ رَكَعَاتِهَا دُونَ بَعْضٍ فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ لَمْ يُذْكَرْ حُكْمُهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى يَخْرُجُ فَسَادُ كُلِّ رَكْعَةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ أَبِي السَّائِبِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ اعْتِرَاضٌ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الشَّائِعِ عِنْدَهُ وَمَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَغَمَزَ ذِرَاعِي عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ لَهُ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى فَهْمِ مُرَادِهِ وَالْحَثِّ لَهُ عَلَى جَمْعِ ذِهْنِهِ وَفَهْمِهِ لِجَوَابِهِ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ تَرْجَمَ مَالِكٌ رحمه الله عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَنْ تَأَوَّلَ خِدَاجًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ تَامَّةٍ وَلَا مُجْزِئَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَهُ فِي الْمَأْمُومِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَقْرَأَ فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِيَشْغَلَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْوَسْوَاسِ وَأَمَّا مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ خِدَاجٌ عَلَى نُقْصَانِ الْفَضِيلَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أُجْرِيَ عَلَى رَأْيِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رحمه الله وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تُرْسَمَ التَّرْجَمَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ وَالْقِرَاءَةُ فِي النَّفْسِ هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالتَّكَلُّمِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ سِرًّا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ وَلَوْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ يَسِيرًا لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَدَنِيَّةِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إجْرَاءَهَا عَلَى قَلْبِهِ دُونَ أَنْ يَقْرَأَهَا بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ قِرَاءَتَهَا بِاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّفْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ احْتِجَاجٌ مِنْهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي النَّفْسِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا أَعْلَمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَضِيلَةِ الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ عَدَّ آيَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَسَمَّاهَا صَلَاةً لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الدُّعَاءُ وَهَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرْنَا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَقَعُ تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْصِيصُ وَالْبَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ لَكِنَّهُ سَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَاةً لَمَّا كَانَتْ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهَا وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحَجُّ عَرَفَةُ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِعَرَفَةَ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ مَعْنَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفًا ثَنَاءً عَلَيْهِ وَنِصْفًا دُعَاءً إِلَى رَبِّهِ فِي الِاسْتِعَانَةِ لَهُ فِي تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى بِفَضْلِهِ إِذَا أَتَى الْعَبْدُ بِالنِّصْفِ الَّذِي لِرَبِّهِ مِنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّمْجِيدِ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ هُوَ مَا يَدْعُوهُ فِيهِ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَقَدْ وَعَدَ بِذَلِكَ تَعَالَى وَوَعَدَهُ الْحَقُّ بِقَوْلِهِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ بِنِصْفَيْنِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الْقِسْمَةِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى أَوْ فِي عَدَدِ الْأَلْفَاظِ أَوْ فِي عَدَدِ الْآيِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لِأَنَّ قَسَمَ الْبَارِي تَعَالَى ثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَقَسَمَ الْعَبْدِ دُعَاءٌ وَرَغْبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَالْبَارِي تَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِالثَّنَاءِ وَالْعَبْدُ مُنْفَرِدٌ بِالدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ الَّتِي يُنَزَّهُ الْبَارِي عَنْهَا كَمَا لَا يُقَالُ هَذَا الثَّوْبُ وَالْعَبْدُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِنِصْفَيْنِ إِذَا كَانَ الثَّوْبُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَبْدُ لِلْآخِرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عَدَدَ الْأَلْفَاظِ وَلَا عَدَدَ الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَعَالَى عَدَدَ الْآيِ وَيُبَيِّنَ هَذَا قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ الْعَبْدُ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْآيِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بسم الله الرحمن الرحيم لَيْسَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّمْجِيدِ لَهُ وَعَلَى ذَلِكَ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالْآيَةُ الرَّابِعَةُ فِيهَا إِقْرَارٌ لِلَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَاسْتِعَانَةٌ بِهِ فَهِيَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَبِذَلِكَ وُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالثَّلَاثُ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ تَخْتَصُّ بِالْعَبْدِ رَغْبَةً فِي التَّوْفِيقِ وَبِذَلِكَ وُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَتْ بسم الله الرحمن الرحيم مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لَكَانَ الْبَارِي يَخْتَصُّ مِنْ السُّورَةِ بِأَرْبَعِ آيَاتٍ ثُمَّ تَكُونُ آيَةٌ خَامِسَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ ثُمَّ يَخْتَصُّ الْعَبْدُ بِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ أَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ وَهَذَا يَمْنَعُ قِسْمَتَهَا بِنِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَعْنَى الْبَيَانِ لِلصَّلَاةِ الَّتِي قَسَمَ الْبَارِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيَانُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لَهَا فَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يَقُولُهُ الْبَارِي تَعَالَى عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَبْدِ كُلَّ آيَةٍ مِنْهَا وَأَعْلَمَ الْعَبْدَ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَحَمْدَهُ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدَهُ إِيَّاهُ وَدُعَاءَهُ وَرَغْبَتَهُ إِلَيْهِ حَضًّا لِلْعَبْدِ عَلَى الْخُشُوعِ عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي لَا نَعْلَمُ اجْتِمَاعَهَا فِي سُورَةٍ مِنْ السُّوَرِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ السُّورَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَدَأَ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ كَانَتْ بسم الله الرحمن الرحيم أَوَّلَ السُّورَةِ لَبَدَأَ بِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ قَرَأَ جَمِيعَ مَا سَمَّى صَلَاةً وَذَكَرَ فَضْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا فَلَوْ كَانَتْ بسم الله الرحمن الرحيم مِنْهَا لَقَرَأَهَا وَذَكَرَ فَضْلَهَا. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَقُولُ الْعَبْدُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ بِخَلْقِهِ وَعِبَادِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ قَوْلِ الْعَبْدِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَالدِّينُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحِسَابُ وَقِيلَ الْجَزَاءُ وَهَذَا إِقْرَارٌ مِنْ الْعِبَادِ لِلْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِمُلْكِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ لَمَعَانٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الدِّينِ بِالذِّكْرِ لِعَظَمَتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذُلِّ الْمُلَّاكِ فِيهِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مِلْكِ شَيْءٍ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ وَيُرْجَى الثَّوَابُ وَيُخْشَى الْعِقَابُ فَيَجِبَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعِبَادَةِ مَنْ يَمْلِكُهُ وَيَمْلِكُ فِيهِ النَّفْعَ وَالضَّرَرَ وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ وَالثَّالِثُ أَنَّ مَآلَ الْأَيَّامِ إِلَيْهِ وَانْقِطَاعَ كُلِّ مَمْلَكَةٍ قَبْلَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ مَنْ يَبْقَى مُلْكُهُ دُونَ مِنْ يَنْقَطِعُ مُلْكُهُ وَتَضْمَحِلُّ رِئَاسَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ مَجَّدَنِي فِي هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ التَّمْجِيدُ ثَنَاءً إِلَّا أَنَّ الْمَجْدَ الشَّرَفُ وَالْعُلُوُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي قَوْلِ الْعَبْدِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ اخْتِصَاصٌ بِهَذَا الْمَعْنَى. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْعَبْدِ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي أَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ تَعْظِيمٌ لِلْبَارِئِ تَعَالَى وَبَعْضَهَا اسْتِعَانَةٌ مِنْ الْعَبْدِ لَهُ عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ عَزَّ وَجَلَّ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مَا سَأَلَ مِنْ الْعَوْنِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْعَبْدِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهَا دُعَاؤُهُ بِالتَّوْفِيقِ إِلَى صِرَاطِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ وَالْعِصْمَةِ مِنْ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ وَقَدْ وَعَدَ رَبُّنَا لِمَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ وَسَأَلَ أَنَّ لَهُ مَا سَأَلَ وَاَللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!