المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (172)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (172)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا قَالَ أُبَيٌّ فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ ثُمَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي قَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ قَالَ فَقَرَأْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ
( ش ) : إِنَّ حَمْلَ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِصَلَاةِ أُبَيِّ أَفَادَ جَوَازَ مُنَادَاةِ الْمُصَلَّى وَذَلِكَ بِالْأَمْرِ الْيَسِيرِ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَعِيَهُ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِصَلَاتِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَوَاءً كَانَ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَأَمَّا إِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَعِيهِ إِلَّا مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُبَيًّا فِي الصَّلَاةِ بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَمِنَ عَلَى أُبَيِّ أَنْ يُجِيبَهُ فِي الصَّلَاةِ لِعِلْمِهِ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ احْتَجَّ عَلَى أُبَيِّ بَعْدَ إخْبَارِهِ لَهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اُسْتُجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي إجَابَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَالَ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ أُبَيَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَجَابَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَكُونُ هَذَا حُكْمًا يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِجَابَتِهِ وَلِأَنَّ إجَابَتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَذْكَارِ الَّتِي لَا تُنَافَى بِالصَّلَاةِ بَلْ هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِيهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا سَمِعَ الْمَأْمُومُ ذِكْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى النَّاسِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يُكْثِرُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِذَلِكَ عَنْ صَلَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا اسْتَدْعَى مِنْهُ أَنْ يُجِيبَهُ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ مَعْنَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فَرَفَعَ بِذَلِكَ صَوْتَهُ لِيُنَبِّهَ بِهِ رَجُلًا أَوْ لِيَسْتَوْقِفَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَقَدْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمَنِينَ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَجَابَهُ حِينَ أَمْكَنَتْهُ الْإِجَابَةُ عَلَى أَسْرَعِ مَا أَمْكَنَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ أَتَاهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ لِيُكَلِّمَهُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ يُبَادِرُ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ وَيُوجِزُ لَهُمَا فِي صَلَاتِهِ وَيُكَلِّمُهُمَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ جَلَسَ إِلَى مُصَلِّي نَافِلَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فَلْيُجَوِّزْ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا نُدِبَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ إتْمَامِ النَّافِلَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَوْدَةِ إلَيْهَا إِنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فِيهَا ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ أُبَيِّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى يَدِي إنَّمَا ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّأْنِيسِ وَالتَّقْرِيبِ وَالتَّنَبُّهِ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالتَّأَمُّلِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيمُ ذَلِكَ يَسِيرًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِتَمَامِهِ إِلَّا أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ وَمَعْنَى تَعْلَمَ سُورَةً أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِالسُّورَةِ وَحَافِظًا لَهَا ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَا أَنْزَلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا ذَكَرَ شُيُوخُنَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُجْزِي غَيْرُهَا عَنْهَا وَسَائِرُ السُّوَرِ يُجْزِئُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَهِيَ سُورَةٌ قَسَمَهَا اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا مِنْ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ ثَوَابٍ أَوْ حَسَنَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَجَعَلْت أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إِنَّ إبْطَاءَهُ خَوْفًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ النِّسْيَانِ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رحمه الله وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ شِدَّةُ الْحِرْصِ وَإِنْ بَعُدَ خَوْفُ النِّسْيَانِ بِقُرْبِ الْمُدَّةِ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ يُزِيلُهُ بِقَوْلِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي بِهَا وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْحِرْصِ وَاسْتِنْجَازٌ لِلْوَعْدِ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْت الصَّلَاةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ أَنْ يُقْرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ عِنْدَ افتتاحها وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ تُجْزِي وَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِهَا لَمَا صَحَّ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيِّ لِجَوَازِ أَنْ يُجِيبَهُ بِغَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْ تَعْلِيمِهِ أَحْكَامَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَصِفَاتِهَا وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهَا فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْت الصَّلَاةَ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ أُبَيِّ فَقَرَأْت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى أَتَيْت عَلَى آخِرِهَا اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ بِآيَةٍ فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّ أُبَيًّا يَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ قَرَأَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لَبَدَأَ بِهَا ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِهَا أَيْضًا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي السَّبْعِ الْمَثَانِي وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى مَعْنَى التَّخْصِيصِ لَهَا بِهَذَا الِاسْمِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ قُرْآنًا عَظِيمًا كَمَا يُقَالُ فِي مَكَّةَ بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّعْظِيمِ لِمَكَّةَ وَيُقَالُ مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ عَبْدُ اللَّهِ وَكُلُّ رَسُولٍ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ صلى الله عليه وسلم ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الَّذِي أُعْطِيت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ


