المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن إبن ماجه) - [الحديث رقم: (45)]
(سنن إبن ماجه) - [الحديث رقم: (45)]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيُّ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ الْكَلَامُ وَالْهَدْيُ فَأَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدِثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ أَلَا لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ أَلَا إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا الْبَعِيدُ مَا لَيْسَ بِآتٍ أَلَا أَنَّمَا الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ أَلَا إِنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ بِالْجِدِّ وَلَا بِالْهَزْلِ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِي لَهُ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارَ وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ كَذَبَ وَفَجَرَ أَلَا وَإِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا
قَوْلُهُ ( إِنَّمَا هُمَا اِثْنَتَانِ ) ضَمِيرهمَا مِنْهُمْ مُفَسَّر بِالْكِلَامِ وَالْهَدْي أَيْ إِنَّمَا الْكِتَاب وَالسُّنَّة اللَّذَيْنِ وَقَعَ التَّكْلِيف بِهِمَا اِثْنَتَانِ لَا ثَالِث مَعَهُمَا حَتَّى يَثْقُل عَلَيْكُمْ الْأَمْر وَيَتَفَرَّق وَفَائِدَة الْإِخْبَار نَفْي أَنْ يَكُون مَعَهُمَا ثَالِث لِمَا ذَكَرْنَا وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَقْصُود النَّهْي عَنْ ضَمّ الْمُحْدَثَات إِلَيْهِمَا كَأَنَّهُ قِيلَ الْمَقْصُود بَقَاؤُهُمَا اِثْنَتَانِ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ضَمِيرهمَا لِمَا وَقَعَ بِهِ التَّكْلِيف مَعَ قَطْع النَّظَر عَنْ الْعَدَد وَإِنَّمَا ثَنَّى نَظَرًا إِلَى كَوْن ذَلِكَ فِي الْوَاقِع اِثْنَتَيْنِ فَحَصَلَ الْفَائِدَة فِي الْإِخْبَار بِاسْمِ الْعَدَد وَهَذَا مِثْل مَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال اِثْنَتَانِ تَمْهِيد لِمَا هُوَ الْخَبَر وَالْخَبَر فِي الْوَاقِع مَا هُوَ الْمُبْدَل مِنْ اِثْنَتَانِ وَهُمَا الْكَلَام وَالْهَدْي وَعَلَى الْوُجُوه تَأْنِيث اِثْنَتَانِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُمَا حُجَّتَانِ قَوْله ( الْأَمَد ) أَيْ الْأَجَل وَفِي بَعْض النُّسَخ الْأَمَل وَطُوله تَابِع لِطُولِ الْأَجَل وَفِي طُولهمَا وَنِسْيَان الْمَوْت تَأْثِير يَتْبَع فِي قَسْوَة الْقُلُوب وَقَوْله فَتَقْسُوا قُلُوبكُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَاب النَّهْي أَلَا مَا هُوَ آتٍ إِلَخْ تَعْلِيم وَإِرْشَاد لِمَا يُنْتَفَع بِهِ طُول الْأَمَد قَوْله ( أَلَا إِنَّمَا الشَّقِيّ إِلَخْ ) أَيْ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّفَكُّرِ فِي ذَلِكَ وَالْبُكَاء لَهُ وَكَيْف الْقَسْوَة وَالضَّحِك مَعَ سَبْق التَّقْدِير فِي النِّهَايَة الْمَعْنَى إِنَّ مَا قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي أَصْل خِلْقَته أَنْ يَكُون شَقِيًّا فَهُوَ الشَّقِيّ فِي الْحَقِيقَة لَا مَنْ عَرَضَ لَهُ الشَّقَاء بَعْد ذَلِكَ وَهُوَ إِشَارَة إِلَى شَقَاء الْآخِرَة لَا شَقَاء الدُّنْيَا قَوْله ( مَنْ وُعِظَ ) عَلَى بِنَاء الْمَفْعُول أَيْ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّه تَعَالَى لِلِاتِّعَاظِ فَرَأَى مَا جَرَى عَلَى غَيْره بِالْمَعَاصِي مِنْ الْعُقُوبَة فَتَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنَالهُ مِثْل مَا نَالَ غَيْره قَوْله ( كُفْر ) أَيْ مِنْ شَأْن الْكُفْر وَسِبَابه هُوَ كَالْقِتَالِ فِي الْوَزْن فَسُوق أَيْ مِنْ شَأْن الْفَسَقَة وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ مُرْتَكِب الْقِتَال كَافِر وَمُرْتَكِب السِّبَاب فَاسِق وَقِيلَ فِي التَّأْوِيل غَيْر ذَلِكَ قَوْله ( أَنْ يَهْجُر أَخَاهُ ) يُفْهَم مِنْهُ إِبَاحَة الْهَجْر إِلَى ثَلَاث وَهُوَ رُخْصَة لِأَنَّ طَبْع الْآدَمِيّ عَلَى عَدَم تَحَمُّل الْمَكْرُوه ثُمَّ الْمُرَاد حُرْمَة الْهِجْرَان إِذَا كَانَ الْبَاعِث عَلَيْهِ وُقُوع تَقْصِير فِي حُقُوق الصُّحْبَة وَالْأُخُوَّة وَآدَاب الْعِشْرَة وَذَلِكَ أَيْضًا بَيْن الْأَجَانِب وَأَمَّا بَيْن الْأَهْل فَيَجُوز إِلَى أَكْثَر لِلتَّأْدِيبِ فَقَدْ هَجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَكَذَا إِذَا كَانَ الْبَاعِث أَمْرًا دِينِيًّا فَلْيَهْجُرْهُ حَتَّى يَنْزِع مِنْ فِعْله وَعَقْده ذَلِكَ فَقَدْ أَذِنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَان الثَّلَاثَة الَّذِينَ تَخَلَّفُوا خَمْسِينَ لَيْلَة حَتَّى صَحَّتْ تَوْبَتهمْ عِنْد اللَّه قَالُوا وَإِذَا خَافَ مِنْ مُكَالَمَة أَحَد وَمُوَاصَلَته مَا يُفْسِد عَلَيْهِ دِينه أَوْ يُدْخِل عَلَيْهِ مَضَرَّة فِي دُنْيَاهُ يَجُوز لَهُ مُجَانَبَته وَالْحَذَر مِنْهُ فَرُبَّ هَجْر جَمِيل خَيْر مِنْ مُخَالَطَة مُؤْذِيه قَوْله ( لَا يَصْلُح ) لَا يَحِلّ أَوْ لَا يُوَافِق شَأْن الْمُؤْمِن بِالْجِدِّ أَيْ بِطَرِيقِ الْجِدّ قَوْله ( وَلَا يَعِد الرَّجُل صَبِيّه ) أَيْ صَغِيره قَوْله ( ثُمَّ لَا يَفِي لَهُ ) ظَاهِره أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى لَا يَعِد وَهُوَ نَفْي بِمَعْنَى النَّهْي وَيَحْتَمِل أَنَّهُ نَهْي وَلَا يَفِي بِالنَّصْبِ إِجْرَاء ثُمَّ مَجْرَى الْوَاو وَيَحْتَمِل الرَّفْع عَلَى الِاسْتِئْنَاف قَوْله ( يَهْدِي إِلَى الْفُجُور ) مِنْ الْهِدَايَة قِيلَ لَعَلَّ الْكَذِب بِخَاصِّيَّتِهِ يُفْضِي بِالْإِنْسَانِ إِلَى الْقَبَائِح وَالصِّدْق بِخِلَافِهِ وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِالْفُجُورِ هُوَ نَفْس ذَلِكَ الْكَذِب وَكَذَلِكَ الْبِرّ نَفْس ذَلِكَ الصِّدْق وَالْهِدَايَة إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْمُغَايَرَة الِاعْتِبَارِيَّة فِي الْمَفْهُوم وَالْعِنْوَان كَمَا يُقَال الْعِلْم يُؤَدِّي إِلَى الْكَمَال وَإِلَيْهِ يُشِير آخِر الْحَدِيث وَالْبِرّ قِيلَ هُوَ اِسْم جَامِع لِلْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ الْعَمَل الصَّالِح الْخَالِص مِنْ كُلّ مَذْمُوم قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ إِذَا تَحَرَّى الصِّدْق لَمْ يَعْصِ اللَّه لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ الْمَعَاصِي خَافَ أَنْ يُقَال أَفَعَلْت كَذَا فَإِنْ سَكَتَ لَمْ يَأْمَن الرِّيبَة وَإِنْ قَالَ لَا كَذَبَ وَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَسَقَ وَسَقَطَتْ مَنْزِلَته وَانْتُهِكَتْ حُرْمَته قَوْله ( حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه ) الظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد كِتَابَته فِي دِيوَان الْأَعْمَال وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد إِظْهَاره بَيْن النَّاس بِوَصْفِ الْكَذِب.