المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن إبن ماجه) - [الحديث رقم: (44)]
(سنن إبن ماجه) - [الحديث رقم: (44)]
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرِنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكَانَ يَقُولُ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ
قَوْله ( إِذَا خَطَبَ اِحْمَرَّتْ إِلَخْ ) يَفْعَل ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الْغَفْلَة مِنْ قُلُوب النَّاس لِيَتَمَكَّن فِيهَا كَلَامه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْل تَمَكُّن أَوْ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّه فِكْره إِلَى الْمَوْعِظَة فَيَظْهَر عَلَيْهِ آثَار الْهَيْبَة الْإِلَهِيَّة قَوْله ( كَأَنَّهُ مُنْذِر جَيْش ) هُوَ الَّذِي يَجِيء مُخْبِرًا لِلْقَوْمِ بِمَا قَدْ دَهَمَهُمْ مِنْ عَدُوّ أَوْ غَيْره قَوْله ( يَقُول ) ضَمِيره عَائِد لِلْمُنْذِرِ وَالْجُمْلَة صِفَته قَوْله ( صَبَّحَكُمْ ) بِتَشْدِيدِ الْبَاء أَيْ نَزَلَ بِكُمْ الْعَدُوّ صَبَاحًا وَالْمُرَاد سَيَنْزِلُ وَصِيغَة الْمَاضِي لِلتَّحَقُّقِ قَوْله ( مَسَّاكُمْ ) بِتَشْدِيدِ السِّين مِثْل صَبَّحَكُمْ وَيَحْتَمِل أَنَّ ضَمِير يَقُول لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجُمْلَة حَال وَضَمِير صَبَّحَكُمْ لِلْعَذَابِ وَالْمُرَاد بِهِ قَرُبَ مِنْكُمْ إِنْ لَمْ تُطِيعُونِي قَوْله ( بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة ) قَالَ أَبُو الْبَقَاء لَا يَجُوز فِيهِ إِلَّا النَّصَب وَالْوَاو فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ وَالْمُرَاد بِهِ الْمُقَارَبَة وَلَوْ رُفِعَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى إِذْ لَا يُقَال بُعِثْت السَّاعَة وَفِي حَدِيث آخَر بُعِثْت وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ اِنْتَهَى يُرِيد أَنَّ رِوَايَة تَرْك تَأْكِيد الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِالْمُنْفَصِلِ يُرِيد النَّصْب عَلَى الْمَعِيَّة إِذْ لَا يَجُوز فِي تِلْكَ الرِّوَايَة الْعَطْف عِنْد كَثِيرِينَ مِنْ النُّحَاة وَالْمَشْهُور جَوَاز الرَّفْع وَالنَّصْب بَلْ قَالَ الْقَاضِي الْمَشْهُور الرَّفْع وَكَأَنَّهُ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ إِقَامَة السَّاعَة اُعْتُبِرَ بَعْثًا لَهَا وَيَلْزَم مِنْهُ الْجَمْع بَيْن الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز فِي بُعِثْت وَقَدْ جَوَّزَهُ قَوْم فَيَصِحّ عِنْدهمْ فَلْيَتَأَمَّلْ قَوْله ( كَهَاتَيْنِ ) حَال أَيْ مُقْتَرِنِينَ لَا وَاسِطَة بَيْننَا مِنْ نَبِيّ فَوَجْه الشَّبَه هُوَ الِانْضِمَام أَوْ الْمُدَّة الَّتِي هِيَ بَيْننَا قَلِيلَة فَوَجْه الشَّبَه قِلَّة مَا بَيْن رَأْسِي السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى مِنْ التَّفَاوُت قَوْله ( فَإِنَّ خَيْر الْأُمُور ) أَيْ خَيْر مَا يَتَعَلَّق بِهِ الْمُتَكَلِّم أَوْ خَيْر الْأُمُور الْمَوْجُودَة بَيْنكُمْ وَخَيْر الْهَدْي بِفَتْحِ هَاء وَسُكُون دَال هِيَ الطَّرِيقَة وَالسِّيرَة وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور أَوْ بِضَمِّ هَاء وَفَتْح دَال وَالْمَقْصُود أَنَّ خَيْر الْأَدْيَان دِينه قَوْله ( وَشَرّ الْأُمُور ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ عَطْف عَلَى لَفْظ اِسْم إِنَّ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ عَطْف عَلَى الْمَحَلّ وَالْمُرَاد مِنْ شَرّ الْأُمُور وَإِلَّا فَبَعْض الْأُمُور السَّابِقَة مِثْل الشِّرْك شَرّ مِنْ كَثِير مِنْ الْمُحْدَثَات إِلَّا أَنْ يُرَاد بِالْمُحْدَثَاتِ مَا أَحَدَثَ النَّاس عَلَى مُقْتَضَى الْهَوَى مُطْلَقًا لَا مَا أَحْدَثُوهُ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُل فِيهَا الْقَبَائِح قَوْله ( مُحْدَثَاتهَا ) فَتْح الدَّال وَالْمُرَاد بِهَا مَا لَا أَصْل لَهُ فِي الدِّين مِمَّا أُحْدِثَ بَعْده صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْله ( أَوْ ضَيَاعًا ) بِفَتْحِ الضَّاد الْمُعْجَمَة الْعِيَال وَأَصْله مَصْدَر أَوْ بِكَسْرِهَا جَمْع ضَائِع كَجِيَاعِ جَمْع جَائِع قَوْله ( فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ ) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّب فَعَلَيَّ رَاجِع إِلَى الدَّيْن وَإِلَيَّ رَاجِع إِلَى الضَّيَاع.



