المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن النسائي) - [الحديث رقم: (74)]
(سنن النسائي) - [الحديث رقم: (74)]
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ حَمَّادٍ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ح و أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ
قَوْله ( إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ ) أُفْرِدَتْ النِّيَّة لِكَوْنِهَا مَصْدَرًا وَوَجْه الِاسْتِدْلَال أَنَّ الْجَارّ وَالْمَجْرُور خَبَر وَالظَّاهِر مِنْ جِهَة الْقَوَاعِد تَعَلُّقه بِكَوْنٍ عَامّ وَالْمَعْنَى أَعْمَال الْمُكَلَّفِينَ لَا تَتَحَقَّق وَلَا تَكُون إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنَّ وُجُود الْعَمَل يَتَوَقَّف عَلَى النِّيَّة وَالْوَاقِع يَشْهَد بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الْوُجُود الْحِسِّيّ لَا يَحْتَاج إِلَى نِيَّة وَأَيْضًا الْأَنْسَب بِكَلَامِ الشَّارِع هُوَ الْوُجُود الشَّرْعِيّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِير كَوْنٍ خُلِّصَ هُوَ الْوُجُود الشَّرْعِيّ وَمَرْجِعه إِلَى الصِّحَّة أَوْ الِاعْتِبَار فَالْمَعْنَى الْأَعْمَال لَا تَتَحَقَّق شَرْعًا وَلَا تَصِحّ فَلَا تُعْتَبَر إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَعُمُوم الْأَعْمَال تَشْمَل الْوُضُوء فَيَلْزَم أَنْ لَا يُوجَد الْوُضُوء شَرْعًا وَلَا يَتَحَقَّق إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوب وَفِيهِ بَحْث لِأَنَّ الْأَعْمَال إِنْ أُبْقِيَتْ عَلَى عُمُومهَا يَلْزَم أَنْ لَا تُوجَد الْمُبَاحَات بَلْ وَالْمُحَرَّمَات شَرْعًا وَلَا يُعَدّ فَاعِلهَا فَاعِلًا شَرْعًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ خَصَّهُ بِالْعِبَادَاتِ يَتَوَقَّف الدَّلِيل عَلَى إِثْبَات أَنَّ الْوُضُوء عِبَادَة وَقَدْ يُجَاب بِتَخْصِيصِ الْأَعْمَال بِالْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّة الَّتِي عُلِمَ وُجُودهَا مِنْ جِهَة الشَّارِع وَالْوُضُوء مِنْهَا بِلَا رَيْب لَكِنْ يَنْتَقِض الدَّلِيل بِنَحْوِ طَهَارَة الثَّوْب وَالْبَدَن لِتَحَقُّقِهِمَا بِلَا نِيَّة أَيْضًا مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فَالْأَحْسَن الْجَوَاب بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْوُضُوء عِبَادَة لِوُرُودِ الثَّوَاب عَلَيْهِ لِفَاعِلِهِ مُطْلَقًا فِي الْأَحَادِيث وَكُلّ مَا هَذَا شَأْنه فَهُوَ عِبَادَة وَقَدْ يُقَال إِنَّ أَحَادِيث الثَّوَاب تَكْفِي فِي إِثْبَات الْمَطْلُوب مِنْ غَيْر حَاجَة إِلَى ضَمّ هَذَا الْحَدِيث لِأَنَّهَا تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوء عِبَادَة وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَكُون إِلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ لِأَنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الثَّوَاب يَتَوَقَّف عَلَى النِّيَّة وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْوُضُوء مُطْلَقًا يُثَاب عَلَيْهِ فَلَزِمَ أَنَّ الْوُضُوء مُطْلَقًا يَتَوَقَّف عَلَى النِّيَّة وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم. بَقِيَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث هَلْ هُوَ مَسُوق لِاشْتِرَاطِ النِّيَّة فِي الْعِبَادَات أَمْ لَا. وَالظَّاهِر أَنَّهُ غَيْر مَسُوق لِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيّ فِي شَرْح الْمَصَابِيح وَإِنْ كَانَ كَلَام الْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ عَلَى أَنَّهُ مَسُوق لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى أَيْ مَا نَوَاهُ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ أَوْ نِيَّة وَكَذَا قَوْله فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَخْ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِالْفَاءِ يَأْبَى تَخْصِيص النِّيَّة بِالنِّيَّةِ الشَّرْعِيَّة وَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَاد بِالنِّيَّةِ فِي الْحَدِيث مُطْلَق الْقَصْد أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون نِيَّة خَيْر أَوْ شَرّ قَالَ الْقَاضِي النِّيَّة لُغَة الْقَصْد وَشَرْعًا تَوَجُّه الْقَلْب نَحْو الْفِعْل اِبْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّه تَعَالَى وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَهِيَ فِي الْحَدِيث مَحْمُولَة عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيّ لِيَحْسُنَ تَطْبِيقه عَلَى مَا بَعْده وَتَقْسِيمه بِقَوْلِهِ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَخْ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَعْمَال أَيْ الْأَفْعَال الِاخْتِيَارِيَّة لَا تُوجَد إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْد الدَّاعِي لِلْفَاعِلِ إِلَى ذَلِكَ الْفِعْل ( وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى ) أَيْ لَيْسَ لِلْفَاعِلِ مِنْ عَمَله إِلَّا نِيَّته أَوْ مَنْوِيّه أَيْ الَّذِي يَرْجِع إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَل نَفْعًا أَوْ ضُرًّا هِيَ النِّيَّة فَإِنَّ الْعَمَل بِحَسَبِهَا يُحْسَب خَيْرًا وَشَرًّا وَيُجْزَى الْمَرْء عَلَى الْعَمَل بِحَسَبِهَا ثَوَابًا وَعِقَابًا يَكُون الْعَمَل تَارَة حَسَنًا وَتَارَة قَبِيحًا بِسَبَبِهَا وَيَتَعَدَّد الْجَزَاء بِتَعَدُّدِهَا. وَقَوْله ( لِامْرِئٍ ) بِمَعْنَى لِكُلِّ اِمْرِئٍ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَات وَذَلِكَ لِأَنَّ إِنَّمَا يَتَضَمَّن النَّفْي فِي أَوَّل الْكَلَام وَالْإِثْبَات عَلَى آخِر جُزْء مِنْهُ فَالنَّكِرَة صَارَتْ فِي حَيِّز النَّفْي فَتُفِيد الْعُمُوم عَلَى أَنَّ النَّكِرَة فِي الْإِثْبَات قَدْ يُقْصَد بِهَا الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى عَلِمَتْ نَفْس وَلَا يَحْفَى أَنَّهُ يَظْهَر عَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَفْرِيع فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته عَلَى مَا قَبْله أَشَدّ ظُهُورًا وَالْمُرَاد أَنَّ مَنْ هِجْرَته إِلَى اللَّه تَعَالَى وَإِلَى رَسُوله قَصْدًا وَنِيَّة فَهِجْرَته إِلَيْهِمَا أَجْرًا وَثَوَابًا وَلِهَذَا الْمَعْنَى زِيَادَة تَفْصِيل ذَكَرْنَاهُ فِي حَاشِيَة الْأَذْكَار وَصَحِيح الْبُخَارِيّ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.



