المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (992)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (992)]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ
( خَالِد بْن نِزَار ) : بِكَسْرِ النُّون وَفَتْح الزَّاي الْمُخَفَّفَة ( قُحُوط الْمَطَر ) : بِضَمِّ الْقَاف هُوَ مَصْدَر كَالْقَحْطِ مَعْنَاهُ اِحْتِبَاس الْمَطَر وَفَقْده. فِي الْقَامُوس الْقَحْط اِحْتِبَاس الْمَطَر ( فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ ) إِلَخْ : فِيهِ اِسْتِحْبَاب الصُّعُود عَلَى الْمِنْبَر لِخُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاء ( وَوَعَدَ النَّاس يَوْمًا ) : أَيْ عَيَّنَهُ لَهُمْ وَيُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَع النَّاس وَيَخْرُج بِهِمْ إِلَى خَارِج الْبَلَد ( حَاجِب الشَّمْس ) : فِي الْقَامُوس : حَاجِب الشَّمْس ضَوْءُهَا أَوْ نَاحِيَتهَا اِنْتَهَى. وَإِنَّمَا سُمِّيَ الضَّوْء حَاجِبًا لِأَنَّهُ يَحْجُب جُرْمهَا عَنْ الْإِدْرَاك , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْخُرُوج لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاء عِنْد طُلُوع الشَّمْس. وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِم وَأَصْحَاب السُّنَن عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ فِي الِاسْتِسْقَاء كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيد وَظَاهِره أَنَّهُ صَلَّاهَا وَقْت صَلَاة الْعِيد , كَمَا قَالَ الْحَافِظ وَقَدْ حَكَى اِبْن الْمُنْذِر الِاخْتِلَاف فِي وَقْتهَا قَالَ فِي الْفَتْح وَالرَّاجِح أَنَّهُ لَا وَقْت لَهَا مُعَيَّن وَإِنْ كَانَ أَكْثَر أَحْكَامهَا كَالْعِيدِ لَكِنَّهَا مُخَالِفَة بِأَنَّهَا لَا تَخْتَصّ بِيَوْمٍ مُعَيَّن. وَنَقَلَ اِبْن قُدَامَة الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي وَقْت الْكَرَاهَة. وَأَفَادَ اِبْن حِبَّان بِأَنَّ خُرُوجه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ كَانَ فِي شَهْر رَمَضَان سَنَة سِتّ مِنْ الْهِجْرَة ( جَدْب دِيَاركُمْ ) : بِفَتْحِ الْجِيم وَسُكُون الْمُهْمَلَة أَيْ قَحْطهَا ( وَاسْتِئْخَار الْمَطَر ) : أَيْ تَأَخُّره. قَالَ الطِّيبِيُّ : وَالسِّين لِلْمُبَالَغَةِ يُقَال اِسْتَأْخَرَ الشَّيْء إِذَا تَأَخَّرَ تَأَخَّرَا بَعِيدًا ( عَنْ إِبَّان زَمَانه ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَتَشْدِيد الْبَاء أَيْ وَقْته مِنْ إِضَافَة الْخَاصّ إِلَى الْعَامّ يَعْنِي عَنْ أَوَّل زَمَان الْمَطَر , وَالْإِبَّان أَوَّل الشَّيْء. قَالَ فِي النِّهَايَة قِيلَ نُونه أَصْلِيَّة فَيَكُون فِعَالًا وَقِيلَ زَائِدَة فَيَكُون فِعْلَان مِنْ آبَ الشَّيْء يَؤُبّ إِذَا تَهَيَّأَ لِلذَّهَابِ. وَفِي الْقَامُوس إِبَّان الشَّيْء بِالْكَسْرِ حِينه أَوْ أَوَّله ( وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّه ) : يُرِيد قَوْل اللَّه تَعَالَى { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }. ( ثُمَّ قَالَ الْحَمْد لِلَّهِ ) : فِيهِ دَلِيل عَلَى عَدَم اِفْتِتَاح الْخُطْبَة بِالْبَسْمَلَةِ بَلْ بِالْحَمْدَلَةِ وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَة عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اِفْتَتَحَ الْخُطْبَة بِغَيْرِ التَّحْمِيد كَمَا فِي السُّبُل ( مَلِك يَوْم الدِّين ) : بِقَصْرِ الْمِيم أَيْ بِلَا أَلِف بَعْد الْمِيم فِي مَالِك ( قُوَّة ) : أَيْ بِالْقُوتِ حَتَّى لَا نَمُوت , وَالْمَعْنَى اِجْعَلْهُ مَنْفَعَة لَنَا لَا مَضَرَّة عَلَيْنَا ( وَبَلَاغًا ) : أَيْ زَادًا يُبَلِّغنَا ( إِلَى حِين ) : أَيْ مِنْ أَحْيَان آجَالنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ : الْبَلَاغ مَا يَتَبَلَّغ بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب , وَالْمَعْنَى اِجْعَلْ الْخَيْر الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْنَا سَبَبًا لِقُوَّتِنَا وَمَدَدًا لَنَا مَدَدًا طِوَالًا ( ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ) إِلَخْ : فِيهِ اِسْتِحْبَاب الْمُبَالَغَة فِي رَفْع الْيَدَيْنِ عِنْد الِاسْتِسْقَاء وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه ( ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاس ظَهْره ) : فِيهِ اِسْتِحْبَاب اِسْتِقْبَال الْخَطِيب عِنْد تَحْوِيل الرِّدَاء الْقِبْلَة , وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ التَّفَاؤُل بِتَحَوُّلِهِ عَنْ الْحَالَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمُوَاجَهَة لِلنَّاسِ إِلَى الْحَالَة الْأُخْرَى وَهِيَ اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة وَاسْتِدْبَارهمْ لِيَتَحَوَّل عَنْهُمْ الْحَال الَّذِي هُمْ فِيهِ وَهُوَ الْجَدْب بِحَالٍ آخَر وَهُوَ الْخِصْب ( وَقَلَّبَ ) : بِالتَّشْدِيدِ ( أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ) : شَكّ مِنْ الرَّاوِي ( فَأَنْشَأَ اللَّه سَحَابَة ) : أَيْ أَوْجَدَ وَأَحْدَثَ ( فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ) : بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ ظَهَرَ فِيهَا الرَّعْد وَالْبَرْق فَالنِّسْبَة مَجَازِيَّة قَالَ فِي النِّهَايَة بَرَقَتْ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحِيرَة وَبِالْفَتْحِ مِنْ الْبَرِيق اللَّمَعَان ( ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّه ) : فِي شَرْح مُسْلِم جَاءَ فِي الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَار الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنَّ أَمْطَرَتْ وَمَطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَر. وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة لَا يُقَال أَمْطَرَتْ إِلَّا فِي الْعَذَاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة } وَالْمَشْهُور الْأَوَّل. قَالَ تَعَالَى { عَارِض مُمْطِرنَا } وَهُوَ الْخَيْر لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ خَيْرًا ( فَلَمْ يَأْتِ ) رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَحِلّ الَّذِي اِسْتَسْقَى فِيهِ الصَّحْرَاء ( مَسْجِده ) : أَيْ النَّبَوِيّ فِي الْمَدِينَة ( حَتَّى سَالَتْ السُّيُول ) : أَيْ مِنْ الْجَوَانِب ( رَأَى سُرْعَتهمْ ) : أَيْ سُرْعَة مَشْيهمْ وَاِلْتِجَائِهِمْ ( إِلَى الْكِنّ ) : بِكَسْرِ الْكَاف وَتَشْدِيد النُّون وَهُوَ مَا يُرِدْ بِهِ الْحَرّ وَالْبَرْد مِنْ الْمَسَاكِن. وَفِي الْقَامُوس الْكِنّ وِقَاء كُلّ شَيْء وَسِتْره كَالْكِنَّةِ وَالْكِنَان بِكَسْرِهِمَا وَالْبَيْت الْجَمْع أَكْنَان وَأَكِنَّة اِنْتَهَى ( حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذه ) : النَّوَاجِذ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِب الْقَامُوس أَقْصَى الْأَضْرَاس وَهِيَ أَرْبَعَة أَوْ هِيَ الْأَنْيَاب أَوْ الَّتِي تَلِي الْأَنْيَاب أَوْ هِيَ الْأَضْرَاس كُلّهَا جَمْع نَاجِذ وَالنَّجْذ شِدَّة الْعَضّ بِهَا اِنْتَهَى. قَالَ الطِّيبِيُّ : وَكَأَنَّ ضَحِكَهُ تَعَجُّبًا مِنْ طَلَبهمْ الْمَطَر اِضْطِرَارًا ثُمَّ طَلَبهمْ الْكِنّ عَنْهُ فِرَارًا , وَمِنْ عَظِيم قُدْرَة اللَّه تَعَالَى وَإِظْهَار قُرْبَة رَسُوله وَصِدْقه بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ سَرِيعًا وَلِصِدْقِهِ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ( هَذَا ) : أَيْ حَدِيث عَائِشَة الَّذِي فِيهِ مَلِك يَوْم الدِّين ( حَدِيث غَرِيب ) : وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ لِتَفَرُّدِ رُوَاته ( إِسْنَاده جَيِّد ) : أَيْ قَوِيّ لَا عِلَّة فِيهِ لِاتِّصَالِ إِسْنَاده وَثِقَات رُوَاته وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو عَوَانَة وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ وَصَحَّحَهُ اِبْن السَّكَن ( مَلِك يَوْم الدِّين ) : أَيْ بِغَيْرِ أَلِف. قَالَ اِبْن كَثِير فِي تَفْسِيره : قَرَأَ بَعْض الْقُرَّاء مَلِك يَوْم الدِّين أَيْ بِغَيْرِ أَلِف وَقَرَأَ آخَرُونَ مَالِك بِالْأَلِفِ وَكِلَاهُمَا صَحِيح مُتَوَاتِر فِي السَّبْع , وَقَدْ رَجَّحَ كُلًّا مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَجِّح مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحَة حَسَنَة , وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيّ مَلِك بِغَيْرِ أَلِف لِأَنَّهَا قِرَاءَة أَهْل الْحَرَمَيْنِ ( حُجَّة لَهُمْ ) : أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَة , وَيَجِيء الْكَلَام فِيهِ فِي كِتَاب الْقِرَاءَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.


