المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (883)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (883)]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ بَلِيتَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ
( إِنَّ مِنْ أَفْضَل أَيَّامكُمْ يَوْم الْجُمُعَة ) : قَالَ عَلِيّ الْقَارِي : وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ يَوْم عَرَفَة أَفْضَل أَوْ مُسَاوٍ ( فِيهِ خُلِقَ آدَم ) : أَيْ طِينَته ( فِيهِ النَّفْخَة ) : أَيْ النَّفْخَة الثَّانِيَة الَّتِي تُوصِل الْأَبْرَار إِلَى النِّعَم الْبَاقِيَة. قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَبِعَهُ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ أَيْ النَّفْخَة الْأُولَى فَإِنَّهَا مَبْدَأ قِيَام السَّاعَة وَمُقَدَّم النَّشْأَة الثَّانِيَة وَلَا مَنْع مِنْ الْجَمْع كَذَا فِي الْمِرْقَاة ( وَفِيهِ الصَّعْقَة ) : أَيْ الصَّيْحَة وَالْمُرَاد بِهَا الصَّوْت الْهَائِل الَّذِي يَمُوت الْإِنْسَان مِنْ هَوْله وَهِيَ النَّفْخَة الْأُولَى , فَالتَّكْرَار بِاعْتِبَارِ تَغَايُر الْوَصْفَيْنِ وَالْأَوْلَى مَا اِخْتَرْنَاهُ مِنْ التَّغَايُر الْحَقِيقِيّ ( فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاة فِيهِ ) : أَيْ فِي يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّ الصَّلَاة مِنْ أَفْضَل الْعِبَادَات وَهِيَ فِيهَا أَفْضَل مِنْ غَيْرهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِتَضَاعُفِ الْحَسَنَات إِلَى سَبْعِينَ عَلَى سَائِر الْأَوْقَات وَلِكَوْنِ إشْغَال الْوَقْت الْأَفْضَل بِالْعَمَلِ الْأَفْضَل هُوَ الْأَكْمَل وَالْأَجْمَل وَلِكَوْنِهِ سَيِّد الْأَيَّام فَيُصْرَف فِي خِدْمَة سَيِّد الْأَنَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ( فَإِنَّ صَلَاتكُمْ مَعْرُوضَة عَلَيَّ ) : يَعْنِي عَلَى وَجْه الْقَبُول فِيهِ وَإِلَّا فَهِيَ دَائِمًا تُعْرَض عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَة إِلَّا عِنْد رَوْضَته فَيَسْمَعهَا بِحَضْرَتِهِ , وَقَدْ جَاءَ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي فَضْل الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة وَلَيْلَتهَا وَفَضِيلَة الْإِكْثَار مِنْهَا عَلَى سَيِّد الْأَبْرَار ( وَقَدْ أَرَمْتَ ) : جُمْلَة حَالِيَّة بِفَتْحِ الرَّاء وَسُكُون الْمِيم وَفَتْح التَّاء الْمُخَفَّفَة , وَيُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاء أَيْ بَلِيت , وَقِيلَ عَلَى الْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْأَرْم وَهُوَ الْأَكْل أَيْ صِرْت مَأْكُولًا لِلْأَرْضِ , وَقِيلَ أَرَمَّتْ بِالْمِيمِ الْمُشَدَّدَة وَالتَّاء السَّاكِنَة أَيْ أَرَمَّتْ الْعِظَام وَصَارَتْ رَمِيمًا. كَذَا قَالَهُ التُّورْبَشْتِيُّ. قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُرْوَى رَمَمْت بِالْمِيمَيْنِ أَيْ صِرْت رَمِيمًا. قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَجُوز أَنْ يَكُون أَرَمْت بِحَذْفِ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ كَظَلْت ثُمَّ كُسِرَتْ الرَّاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ يَعْنِي أَوْ فُتِحَتْ بِالْأَخَفِّيَّةِ أَوْ بِالنَّقْلِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلّه. قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْله أَرْمَمْت فَحَذَفُوا إِحْدَى الْمِيمَيْنِ وَهِيَ لُغَة بَعْض الْعَرَب , وَقَالَ غَيْره هُوَ أَرَمَّتْ بِفَتْحِ الرَّاء وَالْمِيم الْمُشَدَّدَة وَإِسْكَان التَّاء أَيْ أَرَمَّتْ الْعِظَام ( قَالَ ) : أَيْ أَوْس الرَّاوِي ( يَقُولُونَ ) : أَيْ الصَّحَابَة أَيْ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْقَوْل ( بَلِيت فَقَالَ ) : أَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْض ) : أَيْ مَنَعَهَا وَفِيهِ مُبَالَغَة لَطِيفَة ( أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء ) : أَيْ مِنْ أَنْ تَأْكُلهَا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهمْ أَحْيَاء. قَالَ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ : وَمَا أَفَادَهُ مِنْ ثُبُوت حَيَاة الْأَنْبِيَاء حَيَاة بِهَا يَتَعَبَّدُونَ وَيُصَلُّونَ فِي قُبُورهمْ مَعَ اِسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب كَالْمَلَائِكَةِ أَمْر لَا مِرْيَةَ فِيهِ , وَقَدْ صَنَّفَ الْبَيْهَقِيُّ جُزْءا فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَلَهُ عِلَّة دَقِيقَة أَشَارَ إِلَيْهَا الْبُخَارِيّ وَغَيْره وَقَدْ جَمَعْت طُرُقه فِي جُزْء. وَفِي النَّيْل بَعْد سَرْد الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب مَا نَصُّهُ : وَهَذِهِ الْأَحَادِيث فِيهَا مَشْرُوعِيَّة الْإِكْثَار مِنْ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْجُمُعَة وَأَنَّهَا تُعْرَض عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْره. وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّد أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاء "" إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْض أَنْ تَأْكُل أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء "" وَفِي رِوَايَة لِلطَّبَرَانِيِّ "" لَيْسَ مِنْ عَبْد يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا بَلَغَنِي صَلَاته قُلْنَا وَبَعْد وَفَاتك قَالَ وَبَعْد وَفَاتِي إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْض أَنْ تَأْكُل أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء "" وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ حَيٌّ بَعْد وَفَاته وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّته , وَأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا يَبْلُونَ , مَعَ أَنَّ مُطْلَق الْإِدْرَاك كَالْعِلْمِ وَالسَّمَاع ثَابِت لِسَائِرِ الْمَوْتَى. وَقَدْ صَحَّ عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا "" مَا مِنْ أَحَد يَمُرّ عَلَى قَبْر أَخِيهِ الْمُؤْمِن وَفِي رِوَايَة بِقَبْرِ الرَّجُل كَانَ يَعْرِفهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّم عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ "" وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا إِذَا مَرَّ الرَّجُل بِقَبْر يَعْرِفهُ فَيُسَلِّم عَلَيْهِ السَّلَام وَعَرَفَهُ وَإِذَا مَرَّ بِقَبْر لَا يَعْرِفهُ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام "" وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج إِلَى الْبَقِيع لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيُسَلِّم عَلَيْهِمْ. وَوَرَدَ النَّصّ فِي كِتَاب اللَّه فِي حَقّ الشُّهَدَاء أَنَّهُمْ أَحْيَاء يُرْزَقُونَ وَأَنَّ الْحَيَاة فِيهِمْ مُتَعَلِّقَة بِالْجَسَدِ فَكَيْفَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيث "" الْأَنْبِيَاء أَحْيَاء فِي قُبُورهمْ "" رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "" مَرَرْت بِمُوسَى لَيْلَة أُسْرِيَ بِي عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبْرٍ "" اِنْتَهَى. "" 1247 "" ( ثِنْتَا عَشْرَة يُرِيد سَاعَة ) : وَلَفْظ النَّسَائِيِّ يَوْم الْجُمُعَة اِثْنَتَا عَشْرَة سَاعَة , وَالْمُرَاد هَاهُنَا السَّاعَة النُّجُومِيَّة وَالْمُرَاد أَنَّهَا فِي عَدَد السَّاعَات كَسَائِرِ الْأَيَّام ( يَسْأَل اللَّه ) : أَيْ فِي سَاعَة مِنْهَا , وَهَذِهِ السَّاعَات عُرْفِيَّة , وَضَمِير اِلْتَمِسُوهَا رَاجِع إِلَى هَذِهِ السَّاعَة ( آخِر سَاعَة ) : ظَرْف لِالْتَمِسُوا وَالْمُرَاد بِهَا السَّاعَة النُّجُومِيَّة فَلَا إِشْكَال فِي الظَّرْفِيَّة بِأَنْ يُقَال كَيْف تُلْتَمَسُ السَّاعَة. كَذَا فِي حَاشِيَة النَّسَائِيِّ لِلسِّنْدِيِّ. قَالَ الْقَاضِي : اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي وَقْت هَذِهِ السَّاعَة وَفِي مَعْنَى قَائِم يُصَلِّي , فَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ مِنْ بَعْد الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب , قَالُوا وَمَعْنَى يُصَلِّي يَدْعُو , وَمَعْنَى قَائِم مُلَازِم وَمُوَاظِب كَقَوْلِهِ تَعَالَى { مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائِمًا } : وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مِنْ حِين خُرُوج الْإِمَام إِلَى فَرَاغ الصَّلَاة , وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ حِين تُقَام الصَّلَاة حَتَّى يَفْرُغ , وَالصَّلَاة عِنْدهمْ عَلَى ظَاهِرهَا , وَقِيلَ مِنْ حِين يَجْلِس الْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر حَتَّى يَفْرُغ مِنْ الصَّلَاة وَقِيلَ آخِر سَاعَة مِنْ يَوْم الْجُمُعَة. قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ رُوِيَت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ هَذَا آثَار مُفَسِّرَة لِهَذِهِ الْأَقْوَال , قَالَ وَقِيلَ عِنْد الزَّوَال وَقِيلَ مِنْ الزَّوَال إِلَى أَنْ يَصِير الظِّلّ نَحْو ذِرَاع , وَقِيلَ هِيَ مَخْفِيَّة فِي الْيَوْم كُلّه كَلَيْلَةِ الْقَدْر , وَقِيلَ مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس. قَالَ الْقَاضِي : وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَال أَنَّ هَذَا كُلّه وَقْت لَهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُون فِي أَثْنَاء ذَلِكَ الْوَقْت لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. هَذَا كَلَام الْقَاضِي , وَالصَّحِيح بَلْ الصَّوَاب مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَا بَيْن أَنْ يَجْلِس الْإِمَام إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاة ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.


