المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (810)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (810)]
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ
( نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة ) : قَالَ النَّوَوِيّ : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الِاخْتِصَار , فَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب وَالْمُحَدِّثِينَ , وَبِهِ قَالَ أَصْحَابنَا فِي كَتَبَ الْمَذْهَب أَنَّ الْمُخْتَصِر هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيَده عَلَى خَاصِرَته. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : قِيلَ هُوَ أَنْ يَأْخُذ بِيَدِهِ عَصًا يَتَوَكَّأ عَلَيْهَا. وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِر السُّورَة فَيَقْرَأ مِنْ آخِرهَا آيَة أَوْ آيَتَيْنِ , وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَحْذِف فَلَا يَمُدّ قِيَامهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَحُدُودهَا , وَالصَّحِيح الْأَوَّل. قِيلَ نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ فِعْل الْيَهُود , وَقِيلَ فِعْل الشَّيْطَان وَقِيلَ لِأَنَّ إِبْلِيس هَبَطَ مِنْ الْجَنَّة كَذَلِكَ , وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْل الْمُتَكَبِّرِينَ اِنْتَهَى ( قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي يَضَع يَده عَلَى خَاصِرَته ) : هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَعْنَى الِاخْتِصَار. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ. وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُؤَلِّف أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَبْل بَاب التَّخَصُّر وَالْإِقْعَاء وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث زِيَاد بْن صُبَيْح الْحَنَفِيّ قَالَ : صَلَّيْت إِلَى جَنْب اِبْن عُمَر فَوَضَعْت يَدَيَّ عَلَى خَاصِرَتِي الْحَدِيث , وَتَرْجَمَ هَاهُنَا بَاب الرَّجُل يُصَلِّي مُخْتَصِرًا , وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَمُفَاد التَّرْجَمَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ وَاحِد , فَلَا أَدْرِي فِي الْإِعَادَة فَائِدَة إِلَّا أَنْ يُقَال إِنَّ لَفْظ الْحَدِيث نَهَى عَنْ الِاخْتِصَار كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْمَعَانِي مِنْهَا أَنْ يَخْتَصِر السُّورَة فَيَقْرَأ مِنْ آخِرهَا آيَة أَوْ آيَتَيْنِ , وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الظَّاهِر مُوَافِقًا لِلَّفْظِ أَوْرَدَ الْبَاب بِهَذَا اللَّفْظ لَكِنْ تَرَجَّحَ عِنْد الْمُؤَلِّف غَيْر هَذَا الْمَعْنَى الظَّاهِر لِوُرُودِ هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظٍ آخَر , وَالْحَدِيث يُفَسِّر بَعْضه بَعْضًا , وَلِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي يَضَع يَده عَلَى خَاصِرَته. وَلَفْظ الْبُخَارِيّ نَهَى عَنْ الْخَصْر فِي الصَّلَاة. قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ فُسِّرَ الْخَصْر بِوَضْعِ الْيَد عَلَى الْخَاصِرَة وَهُوَ صُنْع الْيَهُود وَالْخَصْر لَمْ يُفَسَّر عَلَى هَذَا الْوَجْه فِي شَيْء مِنْ كُتُب اللُّغَة وَلَمْ أَطَّلِع عَلَيْهِ إِلَى الْآن. وَالْحَدِيث عَلَى هَذَا الْوَجْه أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ , وَلَعَلَّ بَعْض الرُّوَاة ظَنَّ أَنَّ الْخَصْر يَرِد بِمَعْنَى الِاخْتِصَار وَهُوَ وَضْع الْيَد عَلَى الْخَاصِرَة , وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُصَلِّي الرَّجُل مُخْتَصِرًا , وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم وَالدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ , وَفِي رِوَايَة الْمُؤَلِّف نَهَى عَنْ الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة , فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعْتَبَر هُوَ الِاخْتِصَار لَا الْخَصْر. قَالَ الطِّيبِيُّ : رَدَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى مِثْل هَذِهِ الْأَئِمَّة الْمُحَدِّثِينَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُفَسِّر الْخَصْر بِهَذَا الْوَجْه فِي شَيْء مِنْ كُتُب اللُّغَة لَا وَجْه لَهُ , لِأَنَّ اِرْتِكَاب الْمَجَاز وَالْكِنَايَة لَمْ يَتَوَقَّف عَلَى السَّمَاع بَلْ عَلَى الْعَلَاقَة الْمُعْتَبَرَة وَبَيَانه أَنَّ الْخَصْر وَسَط الْإِنْسَان , وَالنَّهْي لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ أَمْر يَتَعَلَّق بِهِ , وَلَمَّا اِتَّفَقَتْ الرِّوَايَات عَلَى أَنَّ الْمُرَاد وَضْع الْيَد عَلَى الْخَاصِرَة وَجَبَ حَمْله عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ الْكِنَايَة , فَإِنَّ نَفْي الذَّات أَقْوَى مِنْ نَفْي الصِّفَة اِبْتِدَاء اِنْتَهَى كَلَامه.



