المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (795)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (795)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى ح و حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْنَى عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ يُصَمِّتُونِي فَقَالَ عُثْمَانُ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّتُونِي لَكِنِّي سَكَتُّ قَالَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي وَأُمِّي مَا ضَرَبَنِي وَلَا كَهَرَنِي وَلَا سَبَّنِي ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ هَذَا إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدُّهُمْ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ قَالَ قُلْتُ جَارِيَةٌ لِي كَانَتْ تَرْعَى غُنَيْمَاتٍ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ إِذْ اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا اطِّلَاعَةً فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْهَا وَأَنَا مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَعَظُمَ ذَاكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَفَلَا أُعْتِقُهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا قَالَ فَجِئْتُهُ بِهَا فَقَالَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ
( فَعَطَسَ ) : بِفَتْحِ الطَّاء. قَالَ فِي الْقَامُوس : عَطَسَ يَعْطِس وَيَعْطُس عَطْسًا وَعُطَاسًا أَتَتْهُ الْعَطْسَة ( فَقُلْت ) : أَيْ وَأَنَا فِي الصَّلَاة ( يَرْحَمك اللَّه ) : ظَاهِره أَنَّهُ فِي جَوَاب وَقَوْله الْحَمْد اللَّه ( فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ ) : أَيْ أَسْرَعُوا فِي الِالْتِفَات إِلَيَّ وَنُفُوذ الْبَصَر فِي اُسْتُعِيرَتْ مِنْ رَمْي السَّهْم. قَالَ الطِّيبِيُّ : وَالْمَعْنَى أَشَارُوا إِلَيَّ بِأَعْيُنِهِمْ مِنْ غَيْر كَلَام وَنَظَرُوا إِلَيَّ نَظَر زَجْر كَيْلَا أَتَكَلَّم فِي الصَّلَاة ( فَقُلْت وَا ثُكْل أُمِّيَاهُ ) : بِكَسْرِ الْمِيم وَالثُّكْل بِضَمٍّ وَسُكُون وَبِفَتْحِهِمَا فِقْدَان الْمَرْأَة وَلَدهَا , وَالْمَعْنَى وَا فِقْدَاهَا فَإِنِّي هَلَكْت ( مَا شَأْنكُمْ ) : أَيْ مَا حَالكُمْ ( تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ) : نَظَر الْغَضَب ( فَجَعَلُوا ) : أَيْ شَرَعُوا ( يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذهمْ ) : قَالَ النَّوَوِيّ : يَعْنِي فَعَلُوا هَذَا لِيُسْكِتُوهُ وَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْل أَنْ يُشْرَع التَّسْبِيح لِمَنْ نَابَهُ شَيْء فِي صَلَاته , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الْفِعْل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة وَأَنَّهُ لَا تَبْطُل بِهِ الصَّلَاة وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِيهِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ اِنْتَهَى ( يُصَمِّتُونِي ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيم أَيْ يُسْكِتُونِي ( قَالَ عُثْمَان ) : هُوَ اِبْن أَبِي شَيْبَة ( فَلَمَّا رَأَيْتهمْ يُسْكِتُونِي ) : أَيْ غَضِبْت وَتَغَيَّرْت قَالَهُ الطِّيبِيُّ ( لَكِنِّي سَكَتّ ) : أَيْ سَكَتّ وَلَمْ أَعْمَل بِمُقْتَضَى الْغَضَب ( بِأَبِي وَأُمِّي ) : مُتَعَلِّق بِفِعْلِ مَحْذُوف تَقْدِيره أَفْدِيه بِأَبِي وَأُمِّي ( وَلَا كَهَرَنِي ) : أَيْ مَا اِنْتَهَرَنِي , وَالْكَهْر الِانْتِهَار قَالَهُ أَبُو عُبَيْد. وَفِي النِّهَايَة يُقَال كَهَرَهُ إِذَا زَبَرَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهٍ عَبُوس ( وَلَا سَبَّنِي ) : أَرَادَ نَفْي أَنْوَاع الزَّجْر وَالْعُنْف وَإِثْبَات كَمَالِ الْإِحْسَان وَاللُّطْف ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاة ) : يَعْنِي مُطْلَق الصَّلَاة فَيَشْمَل الْفَرَائِض وَغَيْرهَا ( لَا يَحِلّ فِيهَا شَيْء مِنْ كَلَام النَّاس ) : فِيهِ تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة سَوَاء كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرهَا وَسَوَاء كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاة أَوْ غَيْرهَا , فَإِنْ اِحْتَاجَ إِلَى تَنْبِيه أَوْ إِذْن لِدَاخِلٍ وَنَحْوه سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتْ اِمْرَأَة , وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف. وَقَالَ طَائِفَة مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوز الْكَلَام لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاة وَهَذَا فِي كَلَام الْعَامِد الْعَالِم أَمَّا كَلَام النَّاس فَلَا تَبْطُل صَلَاته بِالْكَلَامِ الْقَلِيل عِنْد الْجُمْهُور. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه وَالْكُوفِيُّونَ تَبْطُل , وَأَمَّا كَلَام الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيب عَهْد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاس فَلَا تَبْطُل الصَّلَاة بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيم الْكَلَام فَمَا يُسْتَقْبَل ( إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن ) : قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوه فَإِنَّ التَّشَهُّد وَالدُّعَاء وَالتَّسْلِيم مِنْ الصَّلَاة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَار مَشْرُوع فِيهَا , فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُح فِيهَا شَيْء مِنْ كَلَام النَّاس وَمُخَاطَبَاتهمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الذِّكْر وَالدُّعَاء وَأَشْبَاههمَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْع. وَفِي هَذَا الْحَدِيث النَّهْي عَنْ تَشْمِيت الْعَاطِس فِي الصَّلَاة وَأَنَّهُ مِنْ كَلَام النَّاس الَّذِي يَحْرُم فِي الصَّلَاة وَتَفْسُد بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا. قَالَ الشَّافِعِيَّة إِنْ قَالَ يَرْحَمك اللَّه بِكَافِ الْخِطَاب بَطَلَتْ صَلَاته وَإِنْ قَالَ يَرْحَمهُ اللَّه أَوْ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّه فُلَانًا لَمْ تَبْطُل صَلَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ. وَأَمَّا الْعَاطِس فِي الصَّلَاة فَيُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَحْمَد اللَّه تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَبِهِ قَالَ مَالِك وَغَيْره. وَعَنْ اِبْن عُمَر وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَد رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَر بِهِ وَالْأَوَّل أَظْهَر لِأَنَّهُ ذِكْر وَالسُّنَّة فِي الْأَذْكَار فِي الصَّلَاة الْإِسْرَار إِلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْقِرَاءَة فِي بَعْضهَا وَنَحْوهَا اِنْتَهَى ( إِنَّا قَوْم حَدِيثُ عَهْد ) : أَيْ جَدِيدَة ( بِجَاهِلِيَّةٍ ) : مُتَعَلِّق بِعَهْدٍ. وَمَا قَبْل وُرُود الشَّرْع يُسَمَّى جَاهِلِيَّة لِكَثْرَةِ جَهَالَتهمْ ( وَمِنَّا رِجَال يَأْتُونَ الْكُهَّان ) : بِضَمِّ الْكَاف جَمْع كَاهِن وَهُوَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَة الضَّمَائِر. قَالَ الطِّيبِيُّ : الْفَرْق بَيْن الْكَاهِن وَالْعَرَّاف أَنَّ الْكَاهِن يَتَعَاطَى الْأَخْبَار عَنْ الْكَوَائِن فِي الْمُسْتَقْبَل وَالْعَرَّاف يَتَعَاطَى مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالَّة وَنَحْوهمْ. اِنْتَهَى ( فَلَا تَأْتِهِمْ ) : قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا نَهَى عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مَغِيبَات قَدْ يُصَادِف بَعْضهَا الْإِصَابَة فَيُخَاف الْفِتْنَة عَلَى الْإِنْسَان بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلِأَنَّهُمْ يُلْبِسُونَ عَلَى النَّاس كَثِيرًا مِنْ أَمْر الشَّرَائِع , وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان وَتَصْدِيقهمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيم مَا يُعْطُونَ مِنْ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. ( وَمِنَّا رِجَال يَتَطَيَّرُونَ ) : فِي النِّهَايَة : الطِّيَرَة بِكَسْرِ الطَّاء وَفَتْح الْيَاء , وَقَدْ تُسْكَن هِيَ التَّشَاؤُم بِالشَّيْءِ وَهِيَ مَصْدَر تَطِير طِيَرَة كَمَا تَقُول تَخَيَّرَ خِيرَة وَلَمْ يَجِئ مِنْ الْمَصَادِر غَيْرهمَا. وَأَصْل التَّطَيُّر التَّفَاؤُل بِالطَّيْرِ وَاسْتُعْمِلَ لِكُلِّ مَا يُتَفَاءَل بِهِ وَيُتَشَاءَم , وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِالصَّيْدِ كَالطَّيْرِ وَالظَّبْي فَيَتَيَمَّنُونَ بِالسَّوَانِحِ وَيَتَشَاءَمُونَ بِالْبَوَارِحِ , وَالْبَوَارِح عَلَى مَا فِي الْقَامُوس مِنْ الصَّيْد مَا مَرَّ مِنْ مَيَامِنك إِلَى مَيَاسِرك , وَالسَّوَانِح ضِدّهَا , وَكَانَ ذَلِكَ يَصُدّهُمْ عَنْ مَقَاصِدهمْ وَيَمْنَع عَنْ السَّيْر إِلَى مَطَالِبهمْ , فَنَفَاهُ الشَّرْع وَأَبْطَلَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ ( ذَاكَ ) : أَيْ التَّطَيُّر ( شَيْء يَجِدُونَهُ فِي صُدُورهمْ ) : يَعْنِي هَذَا وَهْم يَنْشَأ مِنْ نُفُوسهمْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي اِجْتِلَاب نَفْع أَوْ ضُرّ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء يُسَوِّلهُ الشَّيْطَان وَيُزَيِّنهُ حَتَّى يَعْمَلُوا بِقَضِيَّتِهِ لِيَجُرّهُمْ بِذَلِكَ إِلَى اِعْتِقَاد مُؤْثَر غَيْر اللَّه تَعَالَى وَهُوَ لَا يَحِلّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء. وَقَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ الْعُلَمَاء مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَة شَيْء تَجِدُونَهُ فِي نُفُوسكُمْ ضَرُورَة وَلَا عُتْب عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْر مُكْتَسَب لَكُمْ فَلَا تَكْلِيف بِهِ وَلَكِنْ لَا تُمْنَعُوا بِسَبَبِهِ مِنْ التَّصَرُّف فِي أُمُوركُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَب لَكُمْ فَيَقَع بِهِ التَّكْلِيف. فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَمَل بِالطِّيَرَةِ , وَالِامْتِنَاع مِنْ تَصَرُّفَاتهمْ بِسَبَبِهَا ( فَلَا يَصُدّهُمْ ) : أَيْ لَا يَمْنَعهُمْ التَّطَيُّر مِنْ مَقَاصِدهمْ لِأَنَّهُ لَا يَضُرّهُمْ وَلَا يَنْفَعهُمْ مَا يَتَوَهَّمُونَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ : أَيْ لَا يَمْنَعهُمْ عَمَّا يَتَوَجَّهُونَ مِنْ الْمَقَاصِد أَوْ مِنْ سُوء السَّبِيل مَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ مِنْ الْوَهْم , فَالنَّهْي وَارِد عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَهُ ظَاهِرًا وَهُمْ مَنْهِيُّونَ فِي الْحَقِيقَة عَنْ مُزَاوَلَة مَا يُوقِعهُمْ مِنْ الْوَهْم فِي الصَّدْر ( وَمِنَّا رِجَال يَخُطُّونَ ) : الْخَطّ عِنْد الْعَرَب فِيمَا فَسَّرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ , قَالَ : يَأْتِي الرَّجُل الْعَرَّاف وَبَيْن يَدَيْهِ غُلَام فَيَأْمُرهُ أَنْ يَخُطّ فِي الرَّمْل خُطُوطًا كَثِيرَة وَهُوَ يَقُول : اِبْنَيْ عِيَان أَسْرِعَا الْبَيَان ثُمَّ يَأْمُر مَنْ يَمْحُو مِنْهَا اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ حَتَّى يَنْظُر آخِر مَا يَبْقَى مِنْ تِلْكَ الْخُطُوط. فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي زَوْجًا فَهُوَ دَلِيل الْفَلَاح وَالظَّفْر , وَإِنْ بَقِيَ فَرْدًا فَهُوَ دَلِيل الْخَيْبَة وَالْيَأْس , وَقَدْ طَوَّلَ الْكَلَام فِي لِسَان الْعَرَب. ( قَالَ كَانَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء يَخُطّ ) : أَيْ فَيُعْرَف بِالْفِرَاسَةِ بِتَوَسُّطِ تِلْكَ الْخُطُوط قِيلَ هُوَ إِدْرِيس أَوْ دَانْيَال عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَا فِي الْمِرْقَاة ( فَمَنْ وَافَقَ ) : ضَمِير الْفَاعِل رَاجِع إِلَى مِنْ أَيْ فَمَنْ وَافَقَ فِيمَا يَخُطّ ( خَطّه ) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَصَحّ وَنَقَلَ السَّيِّد جَمَال الدِّين عَنْ الْبَيْضَاوِيّ أَنَّ الْمَشْهُور خَطّه بِالنَّصْبِ فَيَكُون الْفَاعِل مُضْمَرًا. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا فَيَكُون الْمَفْعُول مَحْذُوفًا اِنْتَهَى. أَيْ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ خَطَّهُ أَيْ خَطّ ذَلِكَ النَّبِيّ ( فَذَاكَ ) : أَيْ فَذَاكَ مُصِيب أَوْ يُصِيب , أَوْ يُعْرَف الْحَال بِالْفِرَاسَةِ كَذَلِكَ النَّبِيّ وَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ. قَالَهُ فِي الْمِرْقَاة. قَالَ النَّوَوِيّ : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ , فَالصَّحِيح أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ وَافَقَ خَطّه فَهُوَ مُبَاح لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيق لَنَا إِلَى الْعِلْم الْيَقِينِيّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاح , وَالْمَقْصُود أَنَّهُ حَرَام لِأَنَّهُ لَا يُبَاح إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَة وَلَيْسَ لَنَا يَقِين بِهَا. وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَام بِغَيْرِ تَعْلِيق عَلَى الْمُوَافَقَة لِئَلَّا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم أَنَّ هَذَا النَّهْي يَدْخُل فِيهِ ذَاكَ النَّبِيّ الَّذِي كَانَ يَخُطّ فَحَافَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَة ذَاكَ النَّبِيّ مَعَ بَيَان الْحُكْم فِي حَقّنَا. فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيّ لَا مَنْع فِي حَقّه. وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَته وَلَكِنْ لَا عِلْم لَكُمْ بِهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا الْحَدِيث يَحْتَمِل النَّهْي عَنْ هَذَا الْخَطّ , إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيّ , وَقَدْ اِنْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : الْمُخْتَار أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ وَافَقَ خَطّه فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَته فِيمَا يَقُول لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ. قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوع كَلَام الْعُلَمَاء فِيهِ الِاتِّفَاق عَلَى النَّهْي عَنْهُ الْآن. اِنْتَهَى. ( قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة ) : بِفَتْحِ الْجِيم وَتَشْدِيد الْوَاو وَبَعْد الْأَلِف نُون مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُشَدَّدَة مَوْضِع بِقُرْبِ أُحُد فِي شَمَالَيْ الْمَدِينَة. وَأَمَّا قَوْل الْقَاضِي عِيَاض إِنَّهَا مِنْ عَمَل الْفُرُوع فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْع بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة بَعِيد مِنْ الْمَدِينَة وَأُحُد فِي شَام الْمَدِينَة. وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيث قَبْل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّة فَكَيْف يَكُون عِنْد الْفَرْع ( آسَف كَمَا يَأْسَفُونَ ) : أَيْ أَغْضَب كَمَا يَغْضَبُونَ وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا آسَفُونَا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } أَيْ أَغْضَبُونَا ( لَكِنِّي صَكَكْتهَا صَكَّة ) : أَيْ لَطَمْتهَا لَطْمَة ( فَعَظُمَ ذَاكَ ) أَيْ صَكِّي إِيَّاهَا ( أَيْنَ اللَّه إِلَى قَوْله أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم قَوْله أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة وَلَمْ يَكُنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ إِيمَانهَا أَكْثَر مِنْ قَوْلهَا حِين سَأَلَهَا أَيْنَ اللَّه قَالَتْ فِي السَّمَاء , وَسَأَلَهَا مَنْ أَنَا فَقَالَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ هَذَا سُؤَال عَنْ أَمَارَة الْإِيمَان وَسِمَة أَهْله وَلَيْسَ بِسُؤَالٍ عَنْ أَصْل الْإِيمَان وَحَقِيقَته. وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا جَاءَنَا يُرِيد الِانْتِقَال مِنْ الْكُفْر إِلَى دِين الْإِسْلَام فَوَصَفَ مِنْ الْإِيمَان هَذَا الْقَدْر الَّذِي تَكَلَّمَتْ الْجَارِيَة لَمْ يَصِرْ بِهِ مُسْلِمًا حَتَّى يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه وَيَتَبَرَّأ مِنْ دِينه الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدهُ , وَإِنَّمَا هَذَا كَرَجُلٍ وَامْرَأَة يُوجَدَانِ فِي بَيْت فَيُقَال لِلرَّجُلِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَة فَيَقُول زَوْجَتِي فَتُصَدِّقهُ الْمَرْأَة فَإِنَّا نُصَدِّقهُمَا وَلَا نَكْشِف عَنْ أَمْرهمَا وَلَا نُطَالِبهُمَا بِشَرَائِط عَقْد الزَّوْجِيَّة حَتَّى إِذَا جَاءَانَا وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ يُرِيدَانِ اِبْتِدَاء عَقْد النِّكَاح بَيْنهمَا فَإِنَّا نُطَالِبهُمَا حِينَئِذٍ بِشَرَائِط عَقْد الزَّوْجِيَّة مِنْ إِحْضَار الْوَلِيّ وَالشُّهُود وَتَسْمِيَة الْمَهْر , كَذَلِكَ الْكَافِر إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام لَمْ يُقْتَصَر مِنْهُ عَلَى أَنْ يَقُول إِنِّي مُسْلِم حَتَّى يَصِف الْإِيمَان بِكَمَالِهِ وَشَرَائِطه , فَإِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهَل حَاله فِي الْكُفْر وَالْإِيمَان فَقَالَ إِنِّي مُسْلِم قَبِلْنَاهُ وَكَذَلِكَ إِذَا رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَمَارَة الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَيْئَة وَشَارَة وَنَحْوهمَا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ إِلَى أَنْ يَظْهَر لَنَا خِلَاف ذَلِكَ اِنْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ.


