المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (665)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (665)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشَخِّصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّاتُ وَكَانَ إِذَا جَلَسَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ وَعَنْ فَرْشَةِ السَّبُعِ وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ
( عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء ) : بِالْجِيمِ وَالزَّاي وَاسْمه أَوْس بْن عَبْد اللَّه بَصْرِيّ ( يَفْتَتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ ) : أَيْ يَبْدَؤُهَا وَيَجْعَل التَّكْبِير فَاتِحهَا ( وَالْقِرَاءَة ) : بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الصَّلَاة أَيْ يَبْتَدِئ قِرَاءَة الْفَاتِحَة ( بِالْحَمْدِ ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَة وَإِظْهَار أَلِف الْوَصْل وَيَجُوز حَذْف هَمْزَة الْوَصْل وَكَذَا جَرّ الدَّال عَلَى الْإِعْرَاب. قَالَ النَّوَوِيّ : يَسْتَدِلّ بِهِ مَالِك وَغَيْره مِمَّنْ يَقُول إِنَّ الْبَسْمَلَة لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَة , وَجَوَاب الشَّافِعِيّ رَحِمه اللَّه وَالْأَكْثَرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَة أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ يَبْتَدِئ الْقُرْآن بِسُورَةِ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لَا بِسُورَةٍ أُخْرَى , فَالْمُرَاد بَيَان السُّورَة الَّتِي يَبْتَدِئ بِهَا وَقَدْ قَامَتْ الْأَدِلَّة عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَة مِنْهَا ( لَمْ يُشَخِّصْ رَأْسه ) : مِنْ بَاب الْإِفْعَال أَوْ التَّفْعِيل أَيْ لَمْ يَرْفَع رَأْسه أَيْ عُنُقه ( وَلَمْ يُصَوِّبهُ ) : بِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْر وَالتَّصْوِيب النُّزُول مِنْ أَعْلَى أَسْفَل أَيْ وَلَمْ يُنْزِلهُ ( وَلَكِنْ بَيْن ذَلِكَ ) : أَيْ التَّشْخِيص وَالتَّصْوِيب بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهْره وَعُنُقه ( وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع لَمْ يَسْجُد حَتَّى يَسْتَوِي قَائِمًا وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ السُّجُود لَمْ يَسْجُد حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدًا ) قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ وُجُوب الِاعْتِدَال إِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوع وَأَنَّهُ يَجِب أَنْ يَسْتَوِي قَائِمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "" وَفِيهِ وُجُوب الْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ. قُلْت : ذَهَبَ إِلَى وُجُوب الطُّمَأْنِينَة فِي أَرْكَان الصَّلَاة الْجُمْهُور , وَاشْتَهَرَ عَنْ الْحَنَفِيَّة أَنَّ الطُّمَأْنِينَة سُنَّة وَصَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِير مِنْ مُصَنِّفِيهِمْ , لَكِنْ كَلَام الطَّحَاوِيّ كَالصَّرِيحِ فِي الْوُجُوب عِنْدهمْ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ مِقْدَار الرُّكُوع وَالسُّجُود ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره فِي قَوْله : سُبْحَان رَبِّيَ الْعَظِيم ثَلَاثًا فِي الرُّكُوع وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. قَالَ فَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ هَذَا مِقْدَار الرُّكُوع وَالسُّجُود لَا يُجْزِئ أَدْنَى مِنْهُ. قَالَ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا إِذَا اِسْتَوَى رَاكِعًا وَاطْمَأَنَّ سَاجِدًا أَجْزَأَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد ذَكَرَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح ( وَكَانَ يَقُول فِي كُلّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّات ) : أَيْ يَقْرَؤُهَا بَعْدهمَا. وَفِي حُجَّة لِأَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ فُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث أَنَّ التَّشَهُّد الْأَوَّل وَالْأَخِير وَاجِبَانِ. وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالْأَكْثَرُونَ : هُمَا سُنَّتَانِ لَيْسَا وَاجِبَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيّ الْأَوَّل سُنَّة وَالثَّانِي وَاجِب. وَاحْتَجَّ أَحْمَد رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيث مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "" وَبِقَوْلِهِ : "" كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمنَا التَّشَهُّد كَمَا يُعَلِّمنَا السُّورَة مِنْ الْقُرْآن "" "" إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّات "" وَالْأَمْر لِلْوُجُوبِ. وَاحْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ التَّشَهُّد وَجَبَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْو وَلَوْ وَجَبَ لَمْ يَصِحّ جَبْره كَالرُّكُوعِ وَغَيْره مِنْ الْأَرْكَان. قَالُوا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَوَّل فَالْأَخِير بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمهُ الْأَعْرَابِيّ حِين عَلَّمَهُ فُرُوض الصَّلَاة. قَالَهُ النَّوَوِيّ. ( يَفْرِش ) : بِكَسْرِ الرَّاء وَضَمّهَا ( وَيَنْصِب رِجْله الْيُمْنَى ) : أَيْ يَضَع أَصَابِعهَا عَلَى الْأَرْض وَيَرْفَع عَقِبهَا. فِيهِ حُجَّة لِأَبِي حَنِيفَة وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الْجُلُوس فِي الصَّلَاة يَكُون مُفْتَرِشًا سَوَاء فِيهِ جَمِيع الْجَلَسَات. وَعِنْد مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : يُسَنّ مُتَوَرِّكًا بِأَنْ يُخْرِج رِجْله الْيُسْرَى مِنْ تَحْته وَيُفْضِي بِوَرِكِهِ إِلَى الْأَرْض وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : السُّنَّة أَنْ يَجْلِس كُلّ الْجَلَسَات مُفْتَرِشًا إِلَّا الَّتِي يَعْقُبهَا السَّلَام. وَاحْتِجَاج الشَّافِعِيّ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَفِيهِ التَّصْرِيح بِالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوس الْأَوَّل وَالتَّوَرُّك فِي آخِر الصَّلَاة وَحَمْل حَدِيث عَائِشَة هَذَا فِي غَيْر التَّشَهُّد الْأَخِير لِلْجَمْعِ بَيْن الْأَحَادِيث ( وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِب الشَّيْطَان ) : وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَة الشَّيْطَان , وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْ عَقِب الشَّيْطَان قَالَ النَّوَوِيّ عُقْبَة الشَّيْطَان بِضَمِّ الْعَيْن وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَقِب الشَّيْطَان بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الْقَاف هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور فِيهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْضهمْ بِضَمِّ الْعَيْن وَضَعَّفَهُ. اِنْتَهَى. قَالَ الْخَطَّابِيّ فِي الْمَعَالِم : عَقِب الشَّيْطَان هُوَ أَنْ يُقْعِي فَيَقْعُد عَلَى عَقِبَيْهِ فِي الصَّلَاة وَلَا يَفْتَرِش رِجْله وَلَا يَتَوَرَّك. وَأَحْسَب أَنِّي سَمِعْت فِي عَقِب الشَّيْطَان مَعْنَى غَيْر هَذَا فَسَّرَهُ بَعْض الْعُلَمَاء لَمْ يَحْضُرنِي ذِكْره. وَقَالَ النَّوَوِيّ : الصَّوَاب الَّذِي لَا مَعْدِل عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاء نَوْعَانِ. أَحَدهمَا أَنْ يُلْصِق أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِب سَاقَيْهِ وَيَدَع يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْض كَإِقْعَاءِ الْكَلْب , هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى وَصَاحِبه أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام وَآخَرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة , وَهَذَا النَّوْع هُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْي , وَالنَّوْع الثَّانِي أَنْ يَجْعَل أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ مُرَاد اِبْن عَبَّاس بِقَوْلِهِ : سُنَّة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى. قُلْت : وَقَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيّ رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ طَاوُس بِلَفْظِ : قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس فِي الْإِقْعَاء عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ هِيَ السُّنَّة فَقُلْنَا : إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاء بِالرَّجُلِ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بَلْ هِيَ سُنَّة نَبِيّك صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَقَدْ بَسَطَ النَّوَوِيّ فِي مَعْنَى الْإِقْعَاء وَبَيَان مَذَاهِب الْعُلَمَاء فِيهِ , فَمَنْ شَاءَ الْبَسْط فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ ( وَعَنْ فَرْشَة السَّبُع ) قَالَ الْخَطَّابِيّ : هُوَ أَنْ يَفْتَرِش يَدَيْهِ وَذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُود يَمُدّهُمَا عَلَى الْأَرْض كَالسَّبُعِ , وَإِنَّمَا السُّنَّة أَنْ يَضَع كَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْض وَيُقِلّ ذِرَاعَيْهِ وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ( وَكَانَ يَخْتِم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ ) قَالَ الْخَطَّابِيّ : وَفِي قَوْلهَا كَانَ يَفْتَتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِمهَا بِالتَّسْلِيمِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُمَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَان الصَّلَاة لَا تُجْزِئ إِلَّا بِهِمَا , لِأَنَّ قَوْلهَا كَانَ يَفْتَتِح بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِم بِالتَّسْلِيمِ إِخْبَار عَنْ أَمْر مَعْهُود مُسْتَدَام , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : "" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "" اِنْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَابْن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ.



