المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (649)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (649)]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا } مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ { إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ لِي إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ وَإِذَا رَكَعَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي وَإِذَا رَفَعَ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ وَإِذَا سَجَدَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ وَدَعَا نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الدُّعَاءِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ وَزَادَ فِيهِ وَيَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَابْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ ذَاكَ فَقُلْ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي قَوْلَهُ { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }
( إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِيَ ) : هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيه بَعْد التَّكْبِيرَة لَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْض مِنْ أَنَّهُ قَبْل التَّكْبِيرَة , وَاعْلَمْ أَنَّ اِبْن حِبَّان أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ : إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة , وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيّ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَذَا غَيْرهمَا , وَأَمَّا مُسْلِم فَقَيَّدَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْل , وَزَادَ لَفْظ مِنْ جَوْف اللَّيْل. قَالَهُ الْعَلَّامَة الشَّوْكَانِيُّ. ( وَجَّهْت وَجْهِيَ ) : أَيْ تَوَجَّهْت بِالْعِبَادَةِ بِمَعْنَى أَخْلَصْت عِبَادَتِي لِلَّهِ , وَقِيلَ صَرَفْت وَجْهِي وَعَمَلِي وَنِيَّتِي أَوْ أَخْلَصْت قَصْدِي وَوِجْهَتِي ( لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ) : أَيْ إِلَى الَّذِي خَلَقَهُمَا وَعَمِلَهُمَا مِنْ غَيْر مِثَال سَبَقَ ( حَنِيفًا ) : حَال مِنْ ضَمِير وَجَّهْت أَيْ مَائِلًا عَنْ كُلّ دِين بَاطِل إِلَى الدِّين الْحَقّ ثَابِتًا عَلَيْهِ , وَهُوَ عِنْد الْعَرَب غَلَبَ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ( مُسْلِمًا ) : أَيْ مُنْقَادًا مُطِيعًا لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَره ( وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) : فِيهِ تَأْكِيد وَتَعْرِيض ( إِنَّ صَلَاتِي ) : أَيْ عِبَادَتِي وَصَلَاتِي , وَفِيهِ شَائِبَة تَعْلِيل لِمَا قَبْله ( وَنُسُكِي ) : أَيْ دِينِي وَقِيلَ عِبَادَتِي أَوْ تَقَرُّبِي أَوْ حَجِّي ( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ) : أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي , وَالْجُمْهُور عَلَى فَتْح الْيَاء الْآخِرَة فِي مَحْيَايَ وَقُرِئَ بِإِسْكَانِهَا ( وَبِذَلِكَ أُمِرْت ) : أَيْ بِالتَّوْحِيدِ الْكَامِل الشَّامِل لِلْإِخْلَاصِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا ( وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ ) : قَالَ الشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّل مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّة , وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ( اللَّهُمَّ ) : أَيْ يَا اللَّه وَالْمِيم بَدَل عَنْ حَرْف النِّدَاء وَلِذَا لَا يُجْمَع بَيْنهمَا إِلَّا فِي الشِّعْر ( أَنْتَ الْمَلِك ) : أَيْ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء الْمَالِك الْحَقِيقِيّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَات ( وَأَنَا عَبْدك ) : أَيْ مُعْتَرِف بِأَنَّك مَالِكِي وَمُدَبِّرِي وَحُكْمك نَافِذ فِيَّ ( ظَلَمْت نَفْسِي ) : أَيْ اِعْتَرَفْت بِالتَّقْصِيرِ , قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَال الْمَغْفِرَة أَدَبًا كَمَا قَالَ آدَم وَحَوَّاء ( رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) : ( وَاهْدِنِي لِأَحْسَن الْأَخْلَاق ) : أَيْ أَرْشِدْنِي لِصَوَابِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهَا ( وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا ) : أَيْ قَبِيحهمَا ( لَبَّيْكَ ) : قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك إِقَامَة بَعْد إِقَامَة , يُقَال لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إِلْبَابًا أَيْ أَقَامَ بِهِ وَأَصْل لَبَّيْكَ لَبَّيْنِ حُذِفَتْ النُّون لِلْإِضَافَةِ ( وَسَعْدَيْك ) قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَغَيْره : مَعْنَاهُ مُسَاعَدَة لِأَمْرِك بَعْد مُسَاعَدَة وَمُتَابَعَة لِدِينِك بَعْد مُتَابَعَة ( وَالْخَيْر كُلّه فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك ) : قَالَ الْخَطَّابِيّ وَغَيْره فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى الْأَدَب فِي الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَمَدْحه بِأَنْ يُضَاف إِلَيْهِ مَحَاسِن الْأُمُور دُون مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَة الْأَدَب. وَأَمَّا قَوْله وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك فَمِمَّا يَجِب تَأْوِيله لِأَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ أَنَّ كُلّ الْمُحْدَثَات فِعْل اللَّه تَعَالَى وَخَلْقه سَوَاء خَيْرهَا وَشَرّهَا وَحِينَئِذٍ يَجِب تَأْوِيله وَفِيهِ خَمْسَة أَقْوَال , أَحَدهَا : مَعْنَاهُ لَا يُتَقَرَّب بِهِ إِلَيْك قَالَهُ الْخَلِيل بْن أَحْمَد وَالنَّضْر بْن شُمَيْلٍ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْن مَعِين وَأَبُو بَكْر بْن خُزَيْمَةَ وَالْأَزْهَرِيّ وَغَيْرهمْ وَالثَّانِي : حَكَى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَنْ الْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ غَيْره أَيْضًا مَعْنَاهُ لَا يُضَاف إِلَيْك عَلَى اِنْفِرَاده لَا يُقَال يَا خَالِق الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَيَا رَبّ الشَّرّ وَنَحْو هَذِهِ وَإِنْ كَانَ خَالِق كُلّ شَيْء وَرَبّ كُلّ شَيْء وَحِينَئِذٍ مَدْخَل الشَّرّ فِي الْعُمُوم. وَالثَّالِث : مَعْنَاهُ الشَّرّ لَا يَصْعَد إِلَيْك وَإِنَّمَا يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح. وَالرَّابِع : مَعْنَاهُ وَالشَّرّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك فَإِنَّك خَلَقْته بِحِكْمَةٍ بَالِغَة وَإِنَّمَا هُوَ شَرّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ. وَالْخَامِس : حَكَاهُ الْخَطَّابِيّ أَنَّهُ كَقَوْلِك فُلَان إِلَى بَنِي فُلَان إِذَا كَانَ عِدَاده فِيهِمْ أَوْ ضَعُوهُ مَعَهُمْ. ( أَنَا بِك وَإِلَيْك ) : أَيْ تَوْفِيقِي بِك وَالْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْك ( تَبَارَكْت ) : أَيْ اِسْتَحْقَقْت الثَّنَاء , وَقِيلَ ثَبَتَ الْخَيْر عِنْدك. وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ تُبَارِك الْعِبَاد بِتَوْحِيدِك. وَقِيلَ تَعَظَّمْت وَتَمَجَّدْت أَوْ جِئْت بِالْبَرَكَةِ أَوْ تَكَاثَرَ خَيْرك وَأَصْل الْكَلِمَة لِلدَّوَامِ وَالثَّبَات ( وَلَك أَسْلَمْت ) : أَيْ لَك ذَلَلْت وَانْقَدْت أَوْ لَك أَخْلَصْت وَجْهِي أَوْ لَك خَذَلْت نَفْسِي وَتَرَكْت أَهْوَاءَهَا ( خَشَعَ لَك ) : أَيْ خَضَعَ وَتَوَاضَعَ أَوْ سَكَنَ ( سَمْعِي ) : فَلَا يَسْمَع إِلَّا مِنْك ( وَبَصَرِي ) : فَلَا يَنْظُر إِلَّا بِك وَإِلَيْك , وَتَخْصِيصهمَا مِنْ بَيْن الْحَوَاسّ لِأَنَّ أَكْثَر الْآفَات بِهِمَا , فَإِذَا خَشَعَتَا قَلَّتْ الْوَسَاوِس. قَالَهُ اِبْن الْمَلَك ( وَمُخِّي ) : قَالَ اِبْن رَسْلَان : الْمُرَاد بِهِ هُنَا الدِّمَاغ وَأَصْله الْوَدَك الَّذِي فِي الْعَظْم وَخَالِص كُلّ شَيْء ( وَعِظَامِي وَعَصَبِي ) : فَلَا يَقُومَانِ وَلَا يَتَحَرَّكَانِ إِلَّا بِك فِي طَاعَتك. وَهُنَّ عُمُد الْحَيَوَان وَأَطْنَابه وَاللَّحْم وَالشَّحْم غَادٍ وَرَائِح ( مِلْء السَّمَوَات وَالْأَرْض ) : بِكَسْرِ الْمِيم وَنَصْب الْهَمْزَة وَرَفْعهَا وَالنَّصْب أَشْهَر قَالَهُ النَّوَوِيّ صِفَة مَصْدَر مَحْذُوف , وَقِيلَ حَال أَيْ حَال كَوْنه مَالِئًا لِتِلْكَ الْأَجْرَام عَلَى تَقْدِير تَجَسُّمه وَبِالرَّفْعِ صِفَة الْحَمْد قَالَهُ فِي الْمِرْقَاة ( وَمِلْء مَا شِئْت مِنْ شَيْء بَعْد ) : أَيْ بَعْد ذَلِكَ كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيّ وَغَيْرهمَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه وَالْمُرَاد الِاعْتِنَاء فِي تَكْثِير الْحَمْد ( أَحْسَن الْخَالِقِينَ ) : أَيْ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ فَإِنَّهُ الْخَالِق الْحَقِيقِيّ الْمُنْفَرِد بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَاد. وَغَيْره إِنَّمَا يُوجِد صُوَرًا مُمَوَّهَة لَيْسَ فِيهَا شَيْء مِنْ حَقِيقَة الْخَلْق مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِق كُلّ صَانِع وَصَنْعَته وَاَللَّه خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وَاَللَّه خَالِق كُلّ شَيْء. ( وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاة قَالَ اللَّهُمَّ ) : وَفِي رِوَايَة مُسْلِم ثُمَّ يَكُون مِنْ آخِر مَا يَقُول بَيْن التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم اللَّهُمَّ ( وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت ) : أَيْ جَمِيع الذُّنُوب لِأَنَّهَا إِمَّا سِرّ وَإِمَّا عَلَن ( وَمَا أَسْرَفْت ) : أَيْ جَاوَزْت الْحَدّ ( وَمَا أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنِّي ) : أَيْ مِنْ ذُنُوبِي وَإِسْرَافِي فِي أُمُورِي وَغَيْر ذَلِكَ ( أَنْتَ الْمُقَدِّم وَالْمُؤَخِّر ) : أَيْ تُقَدِّم مَنْ شِئْت بِطَاعَتِك وَغَيْرهَا وَتُؤَخِّر مَنْ شِئْت عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقْتَضِيه حِكْمَتك وَتُعِزّ مَنْ تَشَاء وَتُذِلّ مَنْ تَشَاء. وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الِاسْتِفْتَاح بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيث. قَالَ النَّوَوِيّ : إِلَّا أَنْ يَكُون إِمَامًا لِقَوْمٍ لَا يَرَوْنَ التَّطْوِيل. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا. ( فَإِذَا قُلْت أَنْتَ ذَاكَ فَقُلْ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) : أَيْ وَلَا تَقُلْ أَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الِانْتِصَار إِنَّ غَيْر النَّبِيّ إِنَّمَا يَقُول وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ وَهْم مَنْشَؤُهُ تَوَهُّم أَنَّ مَعْنَى وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ أَنِّي أَوَّل شَخْص أَتَّصِف بِذَلِكَ بَعْد أَنْ كَانَ النَّاس بِمَعْزِلٍ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ بَيَان الْمُسَارَعَة فِي الِامْتِثَال لِمَا أُمِرَ بِهِ وَنَظِيره { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } وَقَالَ مُوسَى { وَأَنَا أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ } قَالَهُ فِي النَّيْل. تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية قَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّه : وَاخْتُلِفَ فِي وَقْت هَذَا الدُّعَاء الَّذِي فِي آخِر الصَّلَاة فَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا قَالَ "" وَإِذَا سَلَّمَ "" قَالَ : وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ , إِحْدَاهُمَا "" ثُمَّ يَكُون مِنْ آخِر مَا يَقُول بَيْن التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي "" إِلَى آخِره , وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة "" قَالَ وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي "" كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث شَيْء آخَر , وَهُوَ أَنَّ مُسْلِمًا أَدْخَلَهُ فِي بَاب صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ , وَظَاهِر هَذَا أَنَّ هَذَا الِافْتِتَاح كَانَ فِي قِيَام اللَّيْل , وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحه فِي هَذَا الْحَدِيث "" كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ الْحَدِيث "" وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ "" كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِسْتَفْتَحَ الصَّلَاة كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيك لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ "" وَذَكَرَ دُعَاء بَعْده. قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيث حِمَّصِيٍّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة ثُمَّ إِلَى مَكَّةَ.



