المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (433)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (433)]
 حَدَّثَنَا  الْقَعْنَبِيُّ  عَنْ  مَالِكٍ  عَنْ  أَبِي الزِّنَادِ  عَنْ  الْأَعْرَجِ  عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ  إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا  ثُوِّبَ  بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ  التَّثْوِيبُ  أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ وَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى 
 ( إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ )  : وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : "" إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ "" وَالْبَاء لِلسَّبَبِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ } أَيْ بِسَبَبِ ذَنْبه وَمَعْنَاهُ : إِذَا أَذَّنَ لِأَجْلِ الصَّلَاة وَبِسَبَبِ الصَّلَاة , وَمَعْنَى التَّعْلِيل قَرِيب مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّة قَالَهُ الْعَيْنِيّ  ( أَدْبَرَ )  : أَيْ عَنْ مَوْضِع الْأَذَان الْإِدْبَار نَقِيض الْإِقْبَال , يُقَال دَبَرَ وَأَدْبَرَ إِذَا وَلَّى  ( الشَّيْطَان )  : قَالَ فِي الْفَتْح : الظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بِالشَّيْطَانِ إِبْلِيس وَعَلَيْهِ يَدُلّ كَلَام كَثِير مِنْ الشُّرَّاح , وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد جِنْس الشَّيْطَان وَهُوَ كُلّ مُتَمَرِّد مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , لَكِنْ الْمُرَاد هُنَا شَيْطَان الْجِنّ خَاصَّة  ( وَلَهُ ضُرَاط )  : بِضَمِّ الْمُعْجَمَة كَغُرَابٍ وَهُوَ رِيح مِنْ أَسْفَل الْإِنْسَان وَغَيْره , وَهَذَا لِثِقَلِ الْأَذَان عَلَيْهِ كَمَا لِلْحِمَارِ مِنْ ثِقَل الْحَمْل. قَالَهُ عَلِيّ الْقَارِي. وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : هُوَ جُمْلَة اِسْمِيَّة وَقَعَتْ حَالًا. وَقَالَ عِيَاض : يُمْكِن حَمْله عَلَى ظَاهِره لِأَنَّهُ جِسْم مُتَغَذٍّ يَصِحّ مِنْهُ خُرُوج الرِّيح وَيَحْتَمِل أَنَّهَا عِبَارَة عَنْ شِدَّة نِفَاره. اِنْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ شَبَّهَ شَغْل الشَّيْطَان نَفْسه عَنْ سَمَاع الْأَذَان بِالصَّوْتِ الَّذِي يَمْلَأ السَّمْع وَيَمْنَعهُ عَنْ سَمَاع غَيْره ثُمَّ سَمَّاهُ ضُرَاطًا تَقْبِيحًا لَهُ  ( حَتَّى لَا يَسْمَع التَّأْذِين )  : هَذِهِ غَايَة لِإِدْبَارِهِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَان الْغَايَة فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث جَابِر فَقَالَ : "" حَتَّى يَكُون مَكَان الرَّوْحَاء "" وَحَكَى الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان رِوَايَة عَنْ جَابِر أَنَّ بَيْن الْمَدِينَة وَالرَّوْحَاء سِتَّة وَثَلَاثِينَ مِيلًا , وَقَوْله : "" حَتَّى لَا يَسْمَع "" تَعْلِيل لِإِدْبَارِهِ. اِنْتَهَى. قَالَ الْحَافِظ. ظَاهِره أَنَّهُ يَتَعَمَّد إِخْرَاج ذَلِكَ , إِمَّا لِيَشْتَغِل بِسَمَاعِ الصَّوْت الَّذِي يُخْرِجهُ عَنْ سَمَاع الْمُؤَذِّن أَوْ يَصْنَع ذَلِكَ اِسْتِخْفَافًا كَمَا يَفْعَلهُ السُّفَهَاء , وَيَحْتَمِل أَنْ لَا يَتَعَمَّد ذَلِكَ بَلْ يَحْصُل لَهُ عِنْد سَمَاع الْأَذَان شِدَّة خَوْف يَحْدُث لَهُ ذَلِكَ الصَّوْت بِسَبَبِهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَتَعَمَّد ذَلِكَ لِيُقَابِل مَا يُنَاسِب الصَّلَاة مِنْ الطَّهَارَة بِالْحَدَثِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب رَفْع الصَّوْت بِالْأَذَانِ لِأَنَّ قَوْله حَتَّى لَا يَسْمَع ظَاهِر فِي أَنَّهُ يَبْعُد إِلَى غَايَة يَنْتَفِي فِيهَا سَمَاعه لِلصَّوْتِ  ( فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاء )  : بِضَمِّ أَوَّله عَلَى صِيغَة الْمَجْهُول , وَالْمُرَاد بِالْقَضَاءِ الْفَرَاغ أَوْ الِانْتِهَاء , وَيُرْوَى بِفَتْحِ أَوَّله عَلَى صِيغَة الْمَعْرُوف عَلَى حَذْف الْفَاعِل وَالْمُرَاد الْمُنَادَى  ( أَقْبَلَ )  : الشَّيْطَان. زَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة "" فَوَسْوَسَ ""  ( حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ )  : بِضَمِّ الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْدِيد الْوَاو الْمَكْسُورَة أَيْ حَتَّى إِذَا أُقِيمَ لِلصَّلَاةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : التَّثْوِيب هَاهُنَا الْإِقَامَة وَالْعَامَّة لَا تَعْرِف التَّثْوِيب إِلَّا قَوْل الْمُؤَذِّن فِي صَلَاة الْفَجْر الصَّلَاة خَيْر مِنْ النَّوْم حَسْب , وَمَعْنَى التَّثْوِيب الْإِعْلَام بِالشَّيْءِ وَالْإِنْذَار بِوُقُوعِهِ وَأَصْله أَنْ يُلَوِّح الرَّجُل لِصَاحِبِهِ بِثَوْبِهِ فَيُنْذِرهُ عَنْ الْأَمْر يُرْهِقهُ مِنْ خَوْف أَوْ عَدُوّ ثُمَّ كَثُرَ اِسْتِعْمَاله فِي كُلّ إِعْلَام يَجْهَر بِهِ صَوْته , وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْإِقَامَة تَثْوِيبًا , لِأَنَّهُ إِعْلَام بِإِقَامَةِ الصَّلَاة. وَيُقَال : ثَابَ الشَّيْء إِذَا رَجَعَ وَالْأَذَان إِعْلَام بِوَقْتِ الصَّلَاة اِنْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : قِيلَ هُوَ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ وَقِيلَ مِنْ ثَوَّبَ إِذَا أَشَارَ بِثَوْبِهِ عِنْد الْفَرَاغ لِإِعْلَامِ غَيْره. قَالَ الْجُمْهُور : الْمُرَاد بِالتَّثْوِيبِ هُنَا الْإِقَامَة وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرهمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيّ : ثَوَّبَ بِالصَّلَاةِ إِذَا أُقِيمَتْ , وَأَصْله أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَا يُشْبِه الْأَذَان , وَكُلّ مَنْ رَدَّدَ صَوْتًا فَهُوَ مُثَوِّب , وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة مُسْلِم فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَة ذَهَبَ  ( حَتَّى يَخْطُر )  : بِضَمِّ الطَّاء. قَالَ عِيَاض : كَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَر الرُّوَاة وَضَبَطْنَاهُ عَنْ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْوَجْه , وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِس وَأَصْله مِنْ خَطَرَ الْبَعِير بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ , وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَمِنْ الْمُرُور أَيْ يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرّ بَيْنه وَبَيْن قَلْبه فَيَشْغَلهُ , وَصَفَ الْهَجَرِيّ فِي نَوَادِره : الضَّمّ مُطْلَقًا وَقَالَ : وَهُوَ يَخْطِر بِالْكَسْرِ فِي كُلّ شَيْء. قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح  ( بَيْن الْمَرْء وَنَفْسه )  : أَيْ قَلْبه. قَالَ الْعَيْنِيّ : وَبِهَذَا التَّفْسِير يَحْصُل الْجَوَاب عَمَّا قِيلَ كَيْف يُتَصَوَّر خُطُوره بَيْن الْمَرْء وَنَفْسه وَهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ شَيْء وَاحِد , وَقَدْ يُجَاب بِأَنْ يَكُون تَمْثِيلًا لِغَايَةِ الْقُرْب مِنْهُ. اِنْتَهَى. قَالَ الْبَاجِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُول بَيْن الْمَرْء وَبَيْن مَا يُرِيدهُ مِنْ إِقْبَاله عَلَى صَلَاته وَإِخْلَاصه فِيهَا  ( لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُر )  : أَيْ لِشَيْءِ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذِكْره قَبْل دُخُوله فِي الصَّلَاة. وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ "" لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُر مِنْ قَبْل "" قِيلَ : خَصَّهُ بِمَا يَعْلَم دُون مَا لَمْ يَعْلَم لِأَنَّهُ يَمِيل لِمَا يَعْلَم أَكْثَر لِتَحَقُّقِ وُجُوده , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ لِأَعَمّ مِنْ ذَلِكَ , فَيَذْكُرهُ بِمَا سَبَقَ لَهُ بِهِ عِلْم لِيَشْغَل بَاله بِهِ , وَبِمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ لِيُوقِعهُ فِي الْفِكْرَة فِيهِ  ( حَتَّى يَظَلّ الرَّجُل )  : قَالَ الطِّيبِيُّ : كَرَّرَ حَتَّى فِي الْحَدِيث خَمْس مَرَّات الْأُولَى وَالْأَخِيرَتَانِ بِمَعْنَى كَي وَالثَّانِيَة وَالثَّالِثَة دَخَلَتَا عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ الشَّرْطِيَّتَيْنِ وَلَيْسَتَا لِلتَّعْلِيلِ. اِنْتَهَى. قَالَ فِي الْفَتْح : كَذَا لِلْجُمْهُورِ بِالظَّاءِ الْمُشَالَة الْمَفْتُوحَة. وَمَعْنَى يَظَلّ فِي الْأَصْل اِتِّصَاف لِمُخْبِر عَنْهُ بِالْخَبَرِ نَهَارًا لَكِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى يَصِير أَوْ يَبْقَى , وَوَقَعَ عِنْد الْأَصِيلِيِّ : يَضِلّ بِكَسْرِ الضَّاد السَّاقِطَة أَيْ يَنْسَى وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } أَوْ بِفَتْحِهَا أَيْ يُخْطِئ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } وَالْمَشْهُور الْأَوَّل. اِنْتَهَى.  ( أَنْ يَدْرِي )  : وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ "" لَا يَدْرِي "" قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : إِنْ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَهِيَ نَافِيَة بِمَعْنَى لَا , وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ الْأَكْثَر فِي الْمُوَطَّأ فَتْح الْهَمْزَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَيْسَتْ رِوَايَة الْفَتْح بِشَيْءٍ , إِلَّا مَعَ رِوَايَة الضَّاد السَّاقِطَة فَتَكُون أَنْ مَعَ الْفِعْل بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَر وَمَفْعُول ضَلَّ إِنْ بِإِسْقَاطِ حَرْف الْجَرّ أَيْ يَضِلّ عَنْ دِرَايَته  ( كَمْ صَلَّى )  : وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ فِي بَدْء الْخَلْق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة "" حَتَّى لَا يَدْرِي أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا "". وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحِكْمَة فِي هُرُوب الشَّيْطَان عِنْد سَمَاع الْأَذَان وَالْإِقَامَة دُون سَمَاع الْقُرْآن وَالذِّكْر فِي الصَّلَاة , فَقِيلَ : يَهْرَب حَتَّى لَا يَشْهَد لِلْمُؤَذِّنِ يَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّهُ لَا يَسْمَع مَدَى صَوْت الْمُؤَذِّن جِنّ وَلَا إِنْس إِلَّا شَهِدَ لَهُ , وَقِيلَ : لِأَنَّ الْأَذَان دُعَاء إِلَى الصَّلَاة الْمُشْتَمِلَة عَلَى السُّجُود الَّذِي أَبَاهُ وَعَصَى بِسَبَبِهِ وَغَيْر ذَلِكَ. قَالَ اِبْن بَطَّال : يُشْبِه أَنْ يَكُون الزَّجْر عَنْ خُرُوج الْمَرْء مِنْ الْمَسْجِد بَعْد أَنْ يُؤَذِّن الْمُؤَذِّن مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لِئَلَّا يَكُون مُتَشَبِّهًا بِالشَّيْطَانِ الَّذِي يَفِرّ عِنْد سَمَاع الْأَذَان. وَاَللَّه أَعْلَم. قَالَ فِي الْفَتْح : قَالَ الْمُنْذَرِي : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ , وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ. 


