المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (325)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (325)]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
( وَكُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا ) : بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَكَسْر الزَّاي هُوَ صِفَة لِلشَّابِّ. وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ أَنَّهُ كَانَ يَنَام وَهُوَ شَابّ أَعْزَب لَا أَهْل لَهُ فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : قَوْله أَعْزَب بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي أَيْ غَيْر مُتَزَوِّج , وَالْمَشْهُور فِيهِ عَزِب بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الزَّاي , وَالْأَوَّل لُغَة قَلِيلَة , مَعَ أَنَّ الْقَزَّاز أَنْكَرَهَا. وَقَوْله لَا أَهْل لَهُ هُوَ تَفْسِير لِقَوْلِهِ أَعْزَب. اِنْتَهَى ( وَكَانَتْ الْكِلَاب تَبُول ) : وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : "" كَانَتْ الْكِلَاب تُقْبِل وَتُدْبِر فِي الْمَسْجِد فِي زَمَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "" وَلَيْسَتْ لَفْظَة ( تَبُول ) فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ ( وَتُقْبِل ) : مِنْ الْإِقْبَال ( وَتُدْبِر ) : مِنْ الْإِدْبَار , وَهَذِهِ الْكَلِمَات جُمْلَة فِي مَحَلّ النَّصْب عَلَى الْخَبَرِيَّة إِنْ جُعِلَتْ كَانَتْ نَاقِصَة , وَإِنْ جُعِلَتْ تَامَّة بِمَعْنَى وُجِدَتْ كَانَ مَحَلّ الْجُمْلَة النَّصْب عَلَى الْحَال ( فِي الْمَسْجِد ) : حَال أَيْضًا وَالتَّقْدِير حَال كَوْن الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار فِي الْمَسْجِد وَالْأَلِف وَاللَّام فِيهِ لِلْعَهْدِ , أَيْ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ ) : مِنْ رَشَّ الْمَاء. وَفِي ذِكْر الْكَوْن مُبَالَغَة لَيْسَتْ فِي حَذْفه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ } حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَمَا يُعَذِّبهُمْ وَكَذَا فِي لَفْظ الرَّشّ حَيْثُ اِخْتَارَهُ عَلَى الْغَسْل لِأَنَّ الرَّشّ لَيْسَ جَرَيَان الْمَاء بِخِلَافِ الْغَسْل , فَإِنَّهُ يُشْتَرَط فِيهِ الْجَرَيَان , فَنَفْي الرَّشّ أَبْلَغ مِنْ نَفْي الْغَسْل. قَالَ اِبْن الْأَثِير : لَا يَنْضَحُونَهُ بِالْمَاءِ ( شَيْئًا ) : مِنْ الْمَاء , وَهَذَا اللَّفْظ أَيْضًا عَامّ لِأَنَّهُ نَكِرَة وَقَعَتْ فِي سِيَاق النَّفْي , وَهَذَا كُلّه لِلْمُبَالَغَةِ فِي عَدَم نَضْح الْمَاء ( مِنْ ذَلِكَ ) : الْبَوْل وَالْإِقْبَال وَالْإِدْبَار. وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْأَرْض إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَة فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاء فَذَهَبَ أَثَرهَا تَطْهُر إِذْ عَدَم الرَّشّ يَدُلّ عَلَى جَفَاف الْأَرْض , وَطَهَارَتهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِم السُّنَن : وَكَانَتْ الْكِلَاب تَبُول وَتُقْبِل وَتُدْبِر فِي الْمَسْجِد عَابِرَة إِذْ لَا يَجُوز أَنْ تَتْرُك الْكِلَاب اِنْتِيَاب الْمَسْجِد حَتَّى تَمْتَهِنهُ وَتَبُول فِيهِ , وَإِنَّمَا كَانَ إِقْبَالهَا وَإِدْبَارهَا فِي أَوْقَات نَادِرَة , وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَسْجِد أَبْوَاب تَمْنَع مِنْ عُبُورهَا فِيهِ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة , فَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ : جُفُوف الْأَرْض طُهُورهَا , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن : الشَّمْس تُزِيل النَّجَاسَة عَنْ الْأَرْض إِذَا ذَهَبَ الْأَثَر , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي الْأَرْض : إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَة لَا يُطَهِّرهَا إِلَّا الْمَاء. اِنْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَتْح : وَاسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْأَرْض تَطْهُر إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَة بِالْجَفَافِ , يَعْنِي أَنَّ قَوْله لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلّ عَلَى نَفْي صَبّ الْمَاء مِنْ بَاب الْأَوْلَى , فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَاف يُفِيد تَطْهِير الْأَرْض مَا تَرَكُوا ذَلِكَ , وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. اِنْتَهَى. قُلْتُ : لَيْسَ عِنْدِي فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال خَفَاء بَلْ هُوَ وَاضِح , فَالْأَرْض الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَة فِي طَهَارَتهَا وَجْهَانِ : الْأَوَّل صَبّ الْمَاء عَلَيْهَا كَمَا سَلَف فِي الْبَاب الْمُتَقَدِّم , وَالثَّانِي جَفَافهَا وَيُبْسهَا بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاء كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم وَعِلْمه أَتَمّ.


