المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (239)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (239)]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِي فَوْحِ حَيْضَتِنَا أَنْ نَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُنَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ
( يَأْمُرنَا فِي فَوْح حَيْضَتنَا ) فَوْح بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُون الْوَاو ثُمَّ الْحَاء الْمُهْمَلَة. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فَوْح الْحَيْض مُعْظَمه وَأَوَّله مِثْله فَوْعَة الدَّم , يُقَال فَاحَ وَفَاعَ بِمَعْنًى , وَجَاءَ فِي الْحَدِيث النَّهْي عَنْ السَّيْر فِي أَوَّل اللَّيْل حَتَّى تَذْهَب فَوْعَته يُرِيد إِقْبَال ظُلْمَته كَمَا جَاءَ النَّهْي عَنْ السَّيْر حَتَّى تَذْهَب فَحْمَة الْعِشَاء اِنْتَهَى كَلَامه. وَقَوْلهَا حَيْضَتنَا بِفَتْحِ الْحَاء أَيْ الْحَيْض ( يَمْلِك إِرْبه ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا الْإِرْب مَكْسُورَة الْأَلِف وَالْآخَر الْأَرَب مَفْتُوحَة الْأَلِف وَالرَّاء وَكِلَاهُمَا مَعْنَاهُ وَطَر النَّفْس وَحَاجَتهَا اِنْتَهَى. وَالْمُرَاد أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَمْلَك النَّاس لِأَمْرِهِ فَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ مَا يُخْشَى عَلَى غَيْره مِنْ أَنْ يَحُوم حَوْل الْحِمَى وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يُبَاشِر فَوْق الْإِزَار تَشْرِيعًا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَلِّف رَحِمَهُ اللَّه أَوْرَدَ فِي هَذَا الْبَاب سَبْعَة أَحَادِيث فَبَعْضهَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز الِاسْتِمْتَاع مِنْ الْحَائِض بِمَا فَوْق الْإِزَار وَعَدَم جَوَازه بِمَا عَدَاهُ , وَبَعْضهَا عَلَى جَوَاز الِاسْتِمْتَاع مِنْ غَيْر تَخْصِيص بِمَحَلٍّ دُون مَحَلّ مِنْ سَائِر الْبَدَن , وَبَعْضهَا يَدُلّ عَلَى جَوَازه أَيْضًا لَكِنْ مَعَ وَضْع شَيْء عَلَى الْفَرْج. قَالَ الْعُلَمَاء إِنَّ مُبَاشَرَة الْحَائِض أَقْسَام أَحَدهَا أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج وَهَذَا حَرَام بِالْإِجْمَاعِ بِنَصِّ الْقُرْآن وَالسُّنَّة الصَّحِيحَة. الثَّانِي أَنْ يُبَاشِرهَا بِمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالذَّكَرِ وَالْقُبْلَة وَاللَّمْس وَغَيْر ذَلِكَ وَهُوَ حَلَال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء. الثَّالِث الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر وَفِيهِ ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيّ الْأَشْهَر مِنْهَا التَّحْرِيم , وَذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء , وَالثَّانِي عَدَم التَّحْرِيم مَعَ الْكَرَاهَة. قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا الْوَجْه أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيل وَهُوَ الْمُخْتَار , وَالثَّالِث إِنْ كَانَ الْمُبَاشِر يَضْبِط نَفْسه عَنْ الْفَرْج وَيَثِق مِنْ نَفْسه بِاجْتِنَابِهِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَته أَوْ لِشِدَّةِ وَرَعه جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَاز عِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَالشَّعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ وَالْحَكَم وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن مِنْ الْحَنَفِيَّة وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ اِخْتِيَار أَصْبَغَ مِنْ الْمَالِكِيَّة وَغَيْرهمْ. قُلْت : مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْجَمَاعَة مِنْ جَوَاز الْمُبَاشَرَة بِالْحَائِضِ بِجَمِيعِ عُضْوهَا مَا خَلَا الْجِمَاع هُوَ قَوْل مُوَافِق لِلْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَة وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.



