المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (225)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (225)]
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ فَقَالَتْ الْيَهُودُ مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا فَظَنَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا
( وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا ) أَيْ لَمْ يَأْكُلُوا مَعَهَا وَلَمْ تَأْكُل مَعَهُمْ ( وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْت ) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهَا وَلَمْ يُسَاكِنُوهَا فِي بَيْت وَاحِد قَالَهُ النَّوَوِيّ ( عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ فِعْل الْيَهُود مَعَ نِسَائِهِمْ مِنْ تَرْك الْمُؤَاكَلَة وَالْمُشَارَبَة وَالْمُجَالَسَة مَعَهَا ( عَنْ الْمَحِيض ) أَيْ الْحَيْض أَوْ مَكَانه مَاذَا يُفْعَل بِالنِّسَاءِ فِيهِ ( قُلْ هُوَ أَذًى ) قَذَر أَوْ مَحَلّه أَيّ شَيْء يُتَأَذَّى بِهِ أَيْ بِرَائِحَتِهِ ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ) أَيْ اُتْرُكُوا وَطْأَهُنَّ ( فِي الْمَحِيضِ ) أَيْ وَقْته أَوْ مَكَانه , وَالْمُرَاد مِنْ هَذَا الِاعْتِزَال تَرْك الْمُجَامَعَة لَا تَرْك الْمُجَالَسَة وَالْمُلَابَسَة ( جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوت ) أَيْ خَالِطُوهُنَّ فِي الْبُيُوت بِالْمُجَالَسَةِ وَالْمُضَاجَعَة وَالْمُؤَاكَلَة وَالْمُشَارَبَة ( وَاصْنَعُوا كُلّ شَيْء ) مِنْ أَنْوَاع الِاسْتِمْتَاع كَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالذَّكَرِ أَوْ الْقُبْلَة أَوْ الْمُعَانَقَة أَوْ اللَّمْس أَوْ غَيْر ذَلِكَ ( غَيْر النِّكَاح ) قَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّ الْمُرَاد بِالنِّكَاحِ الْجِمَاع إِطْلَاق لِاسْمِ السَّبَب بِاسْمِ الْمُسَبَّب , لِأَنَّ عَقْد النِّكَاح سَبَب لِلْجِمَاعِ اِنْتَهَى. وَقَوْله : اِصْنَعُوا كُلّ شَيْء هُوَ تَفْسِير لِلْآيَةِ وَبَيَان لِاعْتَزِلُوا. فَإِنَّ الِاعْتِزَال شَامِل لِلْمُجَانَبَةِ عَنْ الْمُؤَاكَلَة وَالْمُصَاحَبَة وَالْمُجَامَعَة , فَبَيَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَاد بِالِاعْتِزَالِ تَرْك الْجِمَاع فَقَطْ لَا غَيْر ذَلِكَ ( فَقَالَتْ الْيَهُود مَا يُرِيد هَذَا الرَّجُل ) يَعْنُونَ بِهِ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنْ يَدَع ) مِنْ وَدَعَ أَيْ يَتْرُك ( إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْأَمْر الَّذِي نَفْعَلهُ ( فَجَاءَ أُسَيْد بْن حُضَيْر ) بِلَفْظِ التَّصْغِير ( وَعَبَّاد بْن بِشْر ) بِكَسْرِ الْبَاء وَسُكُون الشِّين وَهُمَا صَحَابِيَّانِ مَشْهُورَانِ ( تَقُول كَذَا وَكَذَا ) فِي ذِكْر مُخَالَفَتك إِيَّاهُمْ فِي مُؤَاكَلَة الْحَائِض وَمُشَارَبَتهَا وَمُصَاحَبَتهَا ( أَفَلَا نَنْكِحهُنَّ فِي الْمَحِيض ) أَيْ أَفَلَا نُبَاشِرهُنَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْج أَيْضًا , لِكَيْ تَحْصُل الْمُخَالَفَة التَّامَّة مَعَهُمْ , وَالِاسْتِفْهَام إِنْكَارِيّ ( فَتَمَعَّرَ ) كَتَغَيَّرَ وَزْنًا وَمَعْنًى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ تَغَيَّرَ , وَالْأَصْل فِي التَّمَعُّر : قِلَّة النَّضَارَة وَعَدَم إِشْرَاق اللَّوْن وَمِنْهُ مَكَان مَعِر وَهُوَ الْجَدْب الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خِصْب ( حَتَّى ظَنَنَّا ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد عَلِمْنَا , فَالظَّنّ الْأَوَّل حُسْبَان , وَالْآخِر عِلْم وَيَقِين وَالْعَرَب تَحْمِل الظَّنّ مَرَّة حُسْبَانًا وَمَرَّة عِلْمًا وَيَقِينًا , وَذَلِكَ لِاتِّصَالِ طَرَفَيْهِمَا , فَمَبْدَأ الْعِلْم ظَنّ وَآخِره عِلْم وَيَقِين. قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } مَعْنَاهُ يُوقِنُونَ ( أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا ) يُقَال : وَجَدَ عَلَيْهِ يَجِد وَجْدًا وَمَوْجِدَة بِمَعْنَى غَضِبَ ( فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّة مِنْ لَبَن ) أَيْ جَاءَتْ مُقَابِلَة لَهُمَا فِي حَال خُرُوجهمَا مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفَ خُرُوجهمَا مَجِيء الْهَدِيَّة مُقَابِلَة لَهُمَا ( فَبَعَثَ ) النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي آثَارهمَا ) أَيْ وَرَاء خُطَاهُمَا لِطَلَبِهِمَا فَرَجَعَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَسَقَاهُمَا ) مِنْ ذَلِكَ اللَّبَن الْمُهْدَى إِلَيْهِ ( فَظَنَنَّا أَنَّهُ ) صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَمْ يَجِد عَلَيْهِمَا ) أَيْ لَمْ يَغْضَب غَضَبًا شَدِيدًا بَاقِيًا , بَلْ زَالَ غَضَبه سَرِيعًا. وَالْحَدِيث فِيهِ مَسَائِل : الْأُولَى جَوَاز الِاسْتِمْتَاع مِنْ الْحَائِض غَيْر الْوَطْء وَالْمُؤَاكَلَة وَالْمُجَالَسَة مَعَهَا. وَالثَّانِيَة الْغَضَب عَنْ اِنْتَهَاك مَحَارِم اللَّه تَعَالَى. الثَّالِثَة سُكُوت التَّابِع عِنْد غَضَب الْمَتْبُوع وَعَدَم مُرَاجَعَته لَهُ بِالْجَوَابِ إِنْ كَانَ الْغَضَب لِلْحَقِّ. الرَّابِعَة الْمُؤَانَسَة وَالْمُلَاطَفَة بَعْد الْغَضَب عَلَى مَنْ غُضِبَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ.



