المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (205)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (205)]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيَّةَ هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتْ فِي النَّوْمِ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ أَمْ لَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ إِذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا فَقُلْتُ أُفٍّ لَكِ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ يَا عَائِشَةُ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَذَلِكَ رَوَى عُقيْلٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَيُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَوَافَقَ الزُّهْرِيُّ مُسَافِعًا الْحَجَبِيَّ قَالَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَقَالَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ ) : قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة : يُقَال اِسْتَحْيَا بِيَاءٍ قَبْل الْأَلِف يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ , وَيُقَال أَيْضًا : يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَة فِي الْمُضَارِع. وَقَالَ الْحَافِظ فِي فَتْح الْبَارِي : وَالْمُرَاد بِالْحَيَاءِ هَاهُنَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيّ , إِذْ الْحَيَاء الشَّرْعِيّ خَيْر كُلّه , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَاء اللُّغَوِيّ تَغَيُّر وَانْكِسَار وَهُوَ مُسْتَحِيل فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى , فَيُحْمَل هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقّ أَوْ لَا يَمْنَع مِنْ ذِكْر الْحَقّ. اِنْتَهَى ( أَرَأَيْت ) : أَيْ أَخْبِرْنِي ( مَا يَرَى الرَّجُل ) : مِنْ الْمَنِيّ بَعْد الِاسْتِيقَاظ ( إِذَا وَجَدَتْ الْمَاء ) : أَيْ الْمَنِيّ بَعْد الِاسْتِيقَاظ ( فَقُلْت أُفّ لَك ) : قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ اِسْتِحْقَارًا لَهَا وَلِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ وَهِيَ كَلِمَة تُسْتَعْمَل فِي الِاحْتِقَار وَالِاسْتِقْذَار وَالْإِنْكَار. قَالَ الْبَاجِيّ : الْمُرَاد هَاهُنَا الْإِنْكَار. وَأَصْل الْأُفّ وَسَخ الْأَظْفَار. وَفِي أُفّ عَشْر لُغَات : أُفّ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالْحَرَكَات الثَّلَاث فِي الْفَاء بِغَيْرِ تَنْوِين وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ سِتَّة , وَالسَّابِعَة إِف بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَفَتْح الْفَاء وَالثَّامِنَة أُفْ عَلَى وَزْن قُلْ , وَالتَّاسِعَة أُفِي بِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِالْيَاءِ , وَالْعَاشِرَة أُفَّة بِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِالْهَاءِ وَهَذِهِ لُغَات مَشْهُورَات ذَكَرَهُنَّ كُلّهنَّ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَجَمَاعَات مِنْ الْعُلَمَاء وَدَلَائِلهَا مَشْهُورَة ( وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ ) : بِكَسْرِ الْكَاف ( الْمَرْأَة ) : قَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِنْكَار عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة عَلَى أُمّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَضِيَّة اِحْتِلَام النِّسَاء يَدُلّ عَلَى قِلَّة وُقُوعه مِنْ النِّسَاء. وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلّ النِّسَاء يَحْتَلِمْنَ وَإِلَّا لَمَا أَنْكَرَتْ عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة ذَلِكَ. قَالَ وَقَدْ يُوجَد عَدَم الِاحْتِلَام فِي بَعْض الرِّجَال إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاء أَوْجَد وَأَكْثَر ( فَقَالَ تَرِبَتْ يَمِينك ) : قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ خِلَاف كَثِير مُنْتَشِر جِدًّا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَف مِنْ الطَّوَائِف كُلّهَا وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلهَا اِفْتَقَرْت , وَلَكِنْ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ , فَيَذْكُرُونَ : تَرِبَتْ يَدَاك , وَقَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْجَعه , وَلَا أُمّ لَهُ , وَلَا أَبَ لَك , وَثَكِلَتْهُ أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء أَوْ الزَّجْر عَنْهُ أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ أَوْ اِسْتِعْظَامه أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ , أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ. أَيْ إِنَّ أُمّ سُلَيْمٍ فَعَلَتْ مَا يَجِب عَلَيْهَا مِنْ السُّؤَال عَنْ دِينهَا فَلَمْ تَسْتَحِقّ الْإِنْكَار , وَاسْتَحْقَقْت أَنْتِ الْإِنْكَار لِإِنْكَارِك فِيهِ ( وَمِنْ أَيْنَ يَكُون الشِّبْه ) : بِكَسْرِ الشِّين وَإِسْكَان الْبَاء وَالثَّانِيَة بِفَتْحِهِمَا , وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَد مُتَوَلِّد مِنْ مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة فَأَيّهمَا غَلَبَ كَانَ الشِّبْه لَهُ , وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيّ فَإِنْزَاله وَخُرُوجه مِنْهَا مُمْكِن ( وَكَذَا رَوَى ) : أَيْ مِنْ طَرِيق عُرْوَة عَنْ عَائِشَة ( وَوَافَقَ الزُّهْرِيّ ) : مَفْعُول لِوَافَقَ ( مُسَافِع الْحَجَبِيّ ) : فَاعِل وَمُسَافِع بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر الْفَاء وَالْحَجَبِيّ مَنْسُوب إِلَى الْحَجَبَة جَمْع حَاجِب , وَالْمُرَاد بِهِمْ حَجَبَة الْبَيْت الْحَرَام مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار بْن قُصَيّ بْن كِلَاب بْن مُرَّة مِنْ قُرَيْش ( قَالَ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة ) : هَذِهِ الْجُمْلَة بَيَان لِلْمُوَافَقَةِ ( وَأَمَّا هِشَام بْن عُرْوَة فَقَالَ عَنْ عُرْوَة عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ أُمّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَاجَعَة وَقَعَتْ بَيْن أُمّ سَلَمَة وَأُمّ سُلَيْمٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طُرُق عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَب بِنْت أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ أُمّ سُلَيْمٍ الْحَدِيث , فَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَاجَعَة وَقَعَتْ بَيْن أُمّ سَلَمَة وَأُمّ سُلَيْمٍ , وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة الْمَاضِيَة , وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسَافِع الْحَجَبِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ الْمُرَاجَعَة وَقَعَتْ بَيْن عَائِشَة وَأُمّ سُلَيْمٍ , فَبَعْضهمْ جَمَعُوا بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ , وَبَعْضهمْ رَجَّحُوا إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. أَمَّا الْمُؤَلِّف فَرَجَّحَ رِوَايَة الزُّهْرِيّ حَيْثُ أَكْثَرَ بِذِكْرِ أَسَامِي الرُّوَاة عَنْ الزُّهْرِيّ , وَبَيَّنَ مُتَابَعَة مُسَافِع الْحَجَبِيّ لِلزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة. وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاض فَنَقَلَ عَنْ أَهْل الْحَدِيث أَنَّ الصَّحِيح أَنَّ الْقِصَّة وَقَعَتْ لِأُمِّ سَلَمَة لَا لِعَائِشَة , وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيح رِوَايَة هِشَام بْن عُرْوَة وَهُوَ ظَاهِر صَنِيع الْإِمَام الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه. وَأَمَّا النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي شَرْح مُسْلِم يَحْتَمِل أَنْ تَكُون عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة جَمِيعًا أَنْكَرَتَا عَلَى أُمّ سُلَيْمٍ. قَالَ الْحَافِظ : وَهُوَ جَمْع حَسَن. قُلْت : بَلْ هُوَ مُتَعَيِّن لِصِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ , وَلَا يَمْتَنِع حُضُور أُمّ سَلَمَة وَعَائِشَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِس وَاحِد وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.



