المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (198)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (198)]
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا وَرَجُلَانِ رَجُلٌ مِنَّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَحْسَبُ فَبَعَثَهُمَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجْهًا وَقَالَ إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً فَتَمَسَّحَ بِهَا ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ أَوْ قَالَ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ
( دَخَلْت عَلَى عَلِيّ ) : بْن أَبِي طَالِب ( أَنَا وَرَجُلَانِ رَجُل مِنَّا ) : أَيْ مِنْ مُرَاد وَهُوَ أَبُو قَبِيلَة مِنْ الْيَمَن ( وَرَجُل مِنْ بَنِي أَسَد ) : وَأَسَد أَبُو قَبِيلَة مِنْ مُضَر ( أَحْسَب ) : أَيْ أَحْسَب كَوْن رَجُل مِنَّا وَالْآخَر مِنْ بَنِي أَسَد وَلَا أَتَيَقَّن بِهِ ( فَبَعَثَهُمَا عَلِيّ وَجْهًا ) : الْوَجْه وَالْجِهَة بِمَعْنًى كَذَا فِي الصِّحَاح. وَفِي الْمِصْبَاح الْوَجْه مَا يَتَوَجَّه إِلَيْهِ الْإِنْسَان مِنْ عَمَل وَغَيْره اِنْتَهَى. وَالْمَعْنَى بَعَثَهُمَا عَامِلًا أَوْ لِأَمْرٍ آخَر إِلَى جِهَة مِنْ الْمُدُن أَوْ الْقُرَى ( وَقَالَ إِنَّكُمَا عِلْجَانِ ) : تَثْنِيَة عِلْج بِفَتْحِ الْعَيْن وَسُكُون اللَّام وَكَسْر الْعَيْن وَسُكُون اللَّام وَفَتْح الْعَيْن وَكَسْر اللَّام مِثْل ثَلَاث لُغَات فِي كَتِف. قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيد الشِّدَّة وَالْقُوَّة عَلَى الْعَمَل , يُقَال رَجُل عِلْج إِذَا كَانَ قَوِيّ الْخِلْقَة. وَفِي النِّهَايَة الْعِلْج الْقَوِيّ الضَّخْم ( فَعَالِجَا عَنْ دِينكُمَا ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ جَاهِدَا أَوْ جَالِدَا اِنْتَهَى. وَقَالَ اِبْن الْأَثِير أَيْ مَارِسَا الْعَمَل الَّذِي نَدَبْتُكُمَا إِلَيْهِ وَاعْمَلَا بِهِ ( ثُمَّ قَامَ ) : هَذِهِ الْجُمْلَة فِي نُسْخَة وَاحِدَة وَسَائِر النُّسَخ خَالٍ عَنْهَا ( فَدَخَلَ الْمَخْرَج ) : هُوَ مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة ( فَتَمَسَّحَ بِهَا ) : أَيْ بِحَفْنَةٍ مِنْ الْمَاء أَيْ غَسَلَ بِهَا بَعْض أَعْضَائِهِ. وَيُشْبِه أَنْ يَكُون الْعُضْو الْمَغْسُول هُوَ الْيَدَانِ , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهَا فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ( ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأ الْقُرْآن ) : مِنْ غَيْر أَنْ يَتَوَضَّأ ( فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ ) : الْفِعْل عَلَيْهِ , فَأَجَابَ عَنْ اِسْتِعْجَالهمْ ( فَيُقْرِئنَا الْقُرْآن ) : مِنْ الْإِقْرَاء أَيْ يُعَلِّمنَا الْقُرْآن ( وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبهُ ) : أَيْ لَا يَمْنَعهُ ( أَوْ قَالَ يَحْجِزهُ ) : وَهَذَا شَكّ مِنْ أَحَد الرُّوَاة , وَمَعْنَاهُ أَيْضًا لَا يَمْنَع. وَلَعَلَّ ضَمّ أَكْل اللَّحْم مَعَ الْقِرَاءَة لِلْإشْعَارِ بِجَوَازِ الْجَمْع بَيْنهمَا مِنْ غَيْر وُضُوء أَوْ مَضْمَضَة ( عَنْ الْقُرْآن شَيْء ) : فَاعِل يَحْجِز ( لَيْسَ الْجَنَابَة ) : بِالنَّصْبِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ غَيْر الْجَنَابَة , وَحَرْف لَيْسَ لَهَا ثَلَاثَة مَعَانٍ أَحَدهَا أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْفِعْل وَهُوَ يَرْفَع الِاسْم وَيَنْصِب الْخَبَر كَقَوْلِك لَيْسَ عَبْد اللَّه غَافِلًا , وَيَكُون بِمَعْنَى لَا كَقَوْلِك رَأَيْت عَبْد اللَّه لَيْسَ زَيْدًا بِنَصْبِ زَيْد كَمَا يَنْصِب بِلَا , وَيَكُون بِمَعْنَى غَيْر كَقَوْلِك مَا رَأَيْت أَكْرَم مِنْ عَمْرو لَيْسَ زَيْد وَهُوَ يَجُرّ مَا بَعْده اِنْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا , وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن صَحِيح. وَذَكَرَ أَبُو بَكْر الْبَزَّار أَنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْ عَلِيّ إِلَّا مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة. وَحَكَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة كَانَ عَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن سَلَمَة يُحَدِّثنَا فَنَعْرِف وَنُنْكِر وَكَانَ قَدْ كَبِرَ لَا يُتَابَع فِي حَدِيثه. وَذَكَرَ الْإِمَام الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ لَمْ يَكُنْ أَهْل الْحَدِيث يُثْبِتُونَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيّ فِي ثُبُوت هَذَا الْحَدِيث لِأَنَّ مَدَاره عَلَى عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة الْكُوفِيّ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ وَأُنْكِرَ مِنْ حَدِيثه وَعَقْلِهِ بَعْضُ النَّكَرَة , وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيث بَعْدَمَا كَبِرَ. قَالَهُ شُعْبَة هَذَا آخِر كَلَامه. وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يُوَهِّن حَدِيث عَلِيّ هَذَا وَيُضَعِّف أَمْر عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة. اِنْتَهَى كَلَام الْمُنْذِرِيُّ. وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى جَوَاز الْقِرَاءَة لِلْمُحْدِثِ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ لَمْ نَرَ فِيهِ خِلَافًا , وَعَلَى عَدَم الْجَوَاز لِلْجُنُبِ , وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث فِي تَحْرِيم قِرَاءَة الْقُرْآن لِلْجُنُبِ وَفِي كُلّهَا مَقَال , لَكِنْ تَحْصُل الْقُوَّة بِانْضِمَامِ بَعْضهَا إِلَى بَعْض لِأَنَّ بَعْض الطُّرُق لَيْسَ فِيهِ شَدِيد الضَّعْف وَهُوَ يَصْلُح أَنْ يُتَمَسَّك بِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي الْحَدِيث مِنْ الْفِقْه أَنَّ الْجُنُب لَا يَقْرَأ الْقُرْآن وَكَذَلِكَ الْحَائِض لَا تَقْرَأ لِأَنَّ حَدَثهَا أَغْلَظ مِنْ حَدَث الْجَنَابَة. وَقَالَ مَالِك فِي الْجُنُب إِنَّهُ لَا يَقْرَأ الْآيَة وَنَحْوهَا , وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ قَالَ تَقْرَأ الْحَائِض وَلَا يَقْرَأ الْجُنُب لِأَنَّ الْحَائِض إِنْ لَمْ تَقْرَأ نَسِيَتْ الْقُرْآن لِأَنَّ أَيَّام الْحَيْض تَتَطَاوَل وَمُدَّة الْجَنَابَة لَا تَطُول. وَرُوِيَ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب وَعِكْرِمَة أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِقِرَاءَةِ الْجُنُب الْقُرْآن وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيمه اِنْتَهَى. وَأَمَّا قِرَاءَة الْمُحْدِث فِي الْمُصْحَف وَمَسّه فَلَا يَجُوز إِلَّا بِطَهَارَةٍ لِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْأَثْرَم وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه "" أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى أَهْل الْيَمَن كِتَابًا وَكَانَ فِيهِ لَا يَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر , وَأَخْرَجَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّإ مُرْسَلًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم أَنَّ فِي الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْن حَزْم "" أَنْ لَا يَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر "" وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّات وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث حَكِيم بْن حِزَام قَالَ : "" لَمَّا بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَن قَالَ : لَا تَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا وَأَنْتَ طَاهِر "" وَفِي إِسْنَاده سُوَيْد أَبُو حَاتِم وَهُوَ ضَعِيف. وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ , وَحَسَّنَ الْحَازِمِيّ إِسْنَاده. وَقَدْ ضَعَّفَ النَّوَوِيّ وَابْن كَثِير فِي إِرْشَاده وَابْن حَزْم حَدِيث حَكِيم بْن حِزَام وَحَدِيث عَمْرو بْن حَزْم جَمِيعًا. وَفِي الْبَاب عَنْ اِبْن عُمَر عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ قَالَ الْحَافِظ إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ لَكِنْ فِيهِ سُلَيْمَان الْأَشْدَق وَهُوَ مُخْتَلَف فِيهِ رَوَاهُ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر. قَالَ صَاحِب الْمُنْتَقَى وَابْن حَجَر : ذَكَرَ الْأَثْرَم أَنَّ أَحْمَد بْن حَنْبَل اِحْتَجَّ بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر وَأَخْرَجَ نَحْوه الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُثْمَان بْن الْعَاصِ وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَف. وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِف , وَفِي سَنَده اِنْقِطَاع. وَفِي الْبَاب عَنْ ثَوْبَانَ أَوْرَدَهُ عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز فِي مُنْتَخَب مُسْنَده , وَفِي سَنَده حُصَيْب بْن جَحْدَر وَهُوَ مَتْرُوك , وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي قِصَّة إِسْلَام عُمَر أَنَّ أُخْته قَالَتْ لَهُ قَبْل أَنْ يُسْلِم : إِنَّهُ رِجْس وَلَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ , وَفِي إِسْنَاده مَقَال. وَفِيهِ عَنْ سَلْمَان مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم , وَكِتَاب عَمْرو بْن حَزْم تَلَقَّاهُ النَّاس بِالْقَبُولِ. قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : إِنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِر لِتَلَقِّي النَّاس لَهُ بِالْقَبُولِ. وَقَالَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان : لَا أَعْلَم كِتَابًا أَصَحّ مِنْ هَذَا الْكِتَاب فَإِنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَدَعُونَ رَأْيهمْ. وَقَالَ الْحَاكِم : قَدْ شَهِدَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالزُّهْرِيّ لِهَذَا الْكِتَاب بِالصِّحَّةِ. كَذَا فِي التَّلْخِيص وَالنَّيْل , وَهَذِهِ كُلّهَا تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز مَسّ الْمُصْحَف إِلَّا لِمَنْ كَانَ طَاهِرًا , وَالْمُحْدِث بِحَدَثٍ أَصْغَر أَيْضًا غَيْر طَاهِر مِنْ وَجْه كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" فَإِنِّي أَدْخَلْتهمَا طَاهِرَتَيْنِ "" فَعَلَى الْمُحْدِث بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر أَنْ لَا يَمَسّ الْقُرْآن إِلَّا بِالْوُضُوءِ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَأَمَّا الْمُحْدِث حَدَثًا أَصْغَر فَذَهَبَ اِبْن عَبَّاس وَالشَّعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَزَيْد بْن عَلِيّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ إِلَى أَنَّهُ يَجُوز لَهُ مَسّ الْمُصْحَف , وَقَالَ أَكْثَر الْفُقَهَاء : لَا يَجُوز. اِنْتَهَى. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.


