المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (19)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (19)]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا وَقَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا قَالَ هَنَّادٌ يَسْتَتِرُ مَكَانَ يَسْتَنْزِهُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ يَسْتَنْزِهُ
( وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير ) : وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ ثُمَّ قَالَ بَلَى , أَيْ وَإِنَّهُ لَكَبِير , وَهَكَذَا فِي الْأَدَب الْمُفْرَد مِنْ طَرِيق عَبْد بْن حُمَيْدٍ عَنْ مَنْصُور فَقَالَ : وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير وَإِنَّهُ لَكَبِير , وَهَذَا مِنْ زِيَادَات رِوَايَة مَنْصُور عَلَى الْأَعْمَش وَلَمْ يُخَرِّجهُمَا مُسْلِم. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَمْ يُعَذَّبَا فِي أَمْر كَانَ يَكْبُر عَلَيْهِمَا أَوْ شَقَّ فِعْله لَوْ أَرَادَا أَنْ يَفْعَلَاهُ وَهُوَ التَّنَزُّه مِنْ الْبَوْل وَتَرْك النَّمِيمَة وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْمَعْصِيَة فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ لَيْسَتْ بِكَبِيرٍ , وَأَنَّ الذَّنْب فِيهِمَا هَيِّن سَهْل ( أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِه مِنْ الْبَوْل ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْأَبْوَال كُلّهَا نَجِسَة مُنَجَّسَة مِنْ مَأْكُول اللَّحْم وَغَيْر مَأْكُوله , لِوُرُودِ اللَّفْظ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى سَبِيل الْعُمُوم وَالشُّمُول. اِنْتَهَى : قُلْت : حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُوم فِي بَوْل جَمِيع الْحَيَوَان فِيهِ نَظَرٌ , لِأَنَّ اِبْن بَطَّال قَالَ فِي شَرْح الْبُخَارِيّ : أَرَادَ الْبُخَارِيّ أَنَّ الْمُرَاد - بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة الْبَاب كَانَ لَا يَسْتَنْزِه مِنْ الْبَوْل - بَوْل الْإِنْسَان لَا بَوْل سَائِر الْحَيَوَان , فَلَا يَكُون فِيهِ حُجَّة لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُوم فِي بَوْل جَمِيع الْحَيَوَان. قَالَ الْحَافِظ ابْن حَجَر : وَكَأَنَّهُ أَرَادَ اِبْن بَطَّال رَدًّا عَلَى الْخَطَّابِيّ. وَمُحَصَّل الرَّدّ أَنَّ الْعُمُوم فِي رِوَايَة مِنْ الْبَوْل أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوص لِقَوْلِهِ مِنْ بَوْله وَالْأَلِف وَاللَّام بَدَل مِنْ الضَّمِير , لَكِنْ يُلْتَحَق بِبَوْلِهِ بَوْلُ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ النَّاس لِعَدَمِ الْفَارِق. قَالَ : وَكَذَا غَيْر الْمَأْكُول , وَأَمَّا الْمَأْكُول فَلَا حُجَّة فِي هَذَا الْحَدِيث لِمَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ بَوْله وَلِمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ حُجَج أُخْرَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَوْله مِنْ الْبَوْل اِسْم مُفْرَد لَا يَقْضِي الْعُمُوم وَلَوْ سُلِّمَ , فَهُوَ مَخْصُوص بِالْأَدِلَّةِ الْمَقْضِيَّة بِطَهَارَةِ بَوْل مَا يُؤْكَل. اِنْتَهَى. ( يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ) : هِيَ نَقْل الْكَلَام عَلَى جِهَة الْفَسَاد وَالشَّرّ ( بِعَسِيبٍ رَطْبٍ ) : بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ , وَهُوَ الْجَرِيد وَالْغُصْن مِنْ النَّخْل , يُقَال لَهُ الْعُثْكَال ( فَشَقَّهُ ) : أَيْ الْعَسِيب ( بِاثْنَيْنِ ) : هَذِهِ الْبَاء زَائِدَةٌ , وَاثْنَيْنِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَال ( لَعَلَّهُ ) : الْهَاء ضَمِير الشَّأْن ( يُخَفَّف ) : الْعَذَاب ( عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ) : الْعُودَانِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة لَا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ وَلَا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِس. اِنْتَهَى. قُلْت : وَيُؤَيِّدهُ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب فِي الْحَدِيث الطَّوِيل حَدِيث جَابِر فِي صَاحِبَيْ الْقَبْرَيْنِ فَأُجِيبَتْ شَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَع ذَلِكَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْعُودَانِ رَطْبَيْنِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ( يَسْتَتِر مَكَان يَسْتَنْزِه ) : كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَات بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْق , الْأُولَى مَفْتُوحَة وَالثَّانِيَة مَكْسُورَة , وَفِي رِوَايَة اِبْن عَسَاكِر يَسْتَبْرِئ بِمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَة مِنْ الِاسْتِبْرَاء فَعَلَى رِوَايَة الْأَكْثَر مَعْنَى الِاسْتِتَار أَنَّهُ لَا يَجْعَل بَيْنه وَبَيْن بَوْله سُتْرَة , يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظ مِنْهُ فَتُوَافِق رِوَايَة لَا يَسْتَنْزِه لِأَنَّهَا مِنْ التَّنَزُّه وَهُوَ الْإِبْعَاد. وَوَقَعَ عِنْد أَبِي نُعَيْم عَنْ الْأَعْمَش كَانَ لَا يَتَوَقَّى وَهِيَ مُفَسِّرَة لِلْمُرَادِ , وَأَجْرَاهُ بَعْضهمْ عَلَى ظَاهِره فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَتِر عَوْرَته. قُلْت : لَوْ حُمِلَ الِاسْتِتَار عَلَى حَقِيقَته لَلَزِمَ أَنَّ مُجَرَّد كَشْفِ الْعَوْرَة كَانَ سَبَب الْعَذَاب الْمَذْكُور. وَسِيَاق الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَاب الْقَبْر خُصُوصِيَّة , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا "" أَكْثَرُ عَذَاب الْقَبْر مِنْ الْبَوْل "" أَيْ بِسَبَبِ تَرْك التَّحَرُّز مِنْهُ وَعِنْد أَحْمَدَ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة "" أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُعَذَّب فِي الْبَوْل "" وَمِثْلُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَس.