المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (103)]
(سنن أبي داود) - [الحديث رقم: (103)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
( عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ ) : أَيْ يَحْيَى بْن عُمَارَة ( وَهُوَ جَدّ عَمْرو بْن يَحْيَى ) : الظَّاهِر أَنَّ الضَّمِير هُوَ يَرْجِع إِلَى عَبْد اللَّه بْن زَيْد , أَيْ عَبْد اللَّه بْن زَيْد هُوَ جَدّ عَمْرو بْن يَحْيَى , وَعَلَيْهِ اِعْتَمَدَ صَاحِب الْكَمَال وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالَ فِي تَرْجَمَة عَمْرو بْن يَحْيَى : إِنَّهُ اِبْن بِنْت عَبْد اللَّه بْن زَيْد , لَكِنْ قَالَ الْحَافِظ الْإِمَام اِبْن حَجَر : هُوَ غَلَط لِأَنَّهُ ذَكَرَ اِبْن سَعْد أَنَّ أُمّ عَمْرو بْن يَحْيَى هِيَ حُمَيْدَة بِنْت مُحَمَّد بْن إِيَاس بْن الْبُكَيْر , وَقَالَ غَيْره : هِيَ أُمّ النُّعْمَان بِنْت أَبِي حَيَّة. اِنْتَهَى. فَالضَّمِير رَاجِع لِلرَّجُلِ الْقَائِل الثَّابِت فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَات , فَإِنْ كَانَ يَرْجِع إِلَى عَمْرو بْن حَسَن كَمَا فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ وَمَعْن بْن عِيسَى وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن , فَقَوْله هَاهُنَا هُوَ جَدّ عَمْرو بْن يَحْيَى فِيهِ تَجَوُّز لِأَنَّهُ عَمّ أَبِيهِ وَسَمَّاهُ جَدًّا لِكَوْنِهِ فِي مَنْزِلَته وَإِنْ كَانَ يَرْجِع إِلَى أَبِي حَسَن , فَهُوَ جَدّ عَمْرو حَقِيقَة. قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : كَذَا لِجَمِيعِ رُوَاة الْمُوَطَّأ , وَانْفَرَدَ بِهِ مَالِك وَلَمْ يُتَابِعهُ عَلَيْهِ أَحَد , فَلَمْ يَقُلْ أَحَد إِنَّ عَبْد اللَّه بْن زَيْد جَدّ عَمْرو قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : هَذَا وَهْم قَبِيح مِنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى أَوْ غَيْره , وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ اِبْن وَضَّاح سُئِلَ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ الْأَئِمَّة فِي الْحَدِيث وَالْفِقْه فَقَالَ : هُوَ جَدّه لِأُمِّهِ , وَرَحِمَ اللَّهُ مِنْ اِنْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ وَوَقَفَ دُون مَا لَمْ يَعْلَم , وَكَيْف جَازَ هَذَا عَلَى اِبْن وَضَّاح. قَالَهُ الزُّرْقَانِيّ ( مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ) : كَذَا بِتَكْرَارِ مَرَّتَيْنِ , لِئَلَّا يُتَوَهَّم أَنَّ الْمَرَّتَيْنِ لِكِلْتَا الْيَدَيْنِ , وَلَمْ تَخْتَلِف الرِّوَايَات عَنْ عَمْرو بْن يَحْيَى فِي غَسْل الْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ , لَكِنْ فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق حِبَّان بْن وَاسِع عَنْ عَبْد اللَّه بْن زَيْد أَنَّهُ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , وَفِيهِ : وَيَده الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُ وُضُوء آخَر لِكَوْنِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَ وَاحِد. قَالَ الْحَافِظ وَلِيّ الدِّين الْعِرَاقِيّ : الْمَنْقُول فِي عِلْم الْعَرَبِيَّة أَنَّ أَسْمَاء الْأَعْدَاد وَالْمَصَادِر وَالْأَجْنَاس إِذَا كُرِّرَتْ كَانَ الْمُرَاد حُصُولهَا مُكَرَّرَة لَا التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ فَإِنَّهُ قَلِيل الْفَائِدَة لَا يَحْسُن حَيْثُ يَكُون لِلْكَلَامِ مَحْمَل غَيْره , مِثَال ذَلِكَ : جَاءَ الْقَوْم اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ , أَوْ رَجُلًا رَجُلًا , أَيْ اِثْنَيْنِ بَعْد اِثْنَيْنِ وَرَجُلًا بَعْد رَجُل , وَهَذَا مِنْهُ , أَيْ غَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ بَعْد مَرَّتَيْنِ , أَيْ أَفْرَدَ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ ( إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ ) : ذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى دُخُولهمَا فِي غَسْل الْيَدَيْنِ , لِأَنَّ إِلَى فِي الْآيَة بِمَعْنَى مَعَ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهمْ إِلَى أَمْوَالكُمْ } وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : لَفْظ إِلَى يُفِيد مَعْنَى الْغَايَة مُطْلَقًا , فَأَمَّا دُخُولهَا فِي الْحُكْم وَخُرُوجهَا فَأَمْر يَدُور مَعَ الدَّلِيل , فَقَوْله تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إِلَى اللَّيْل } دَلِيل عَدَم دُخُوله , وَقَوْل الْقَائِل : حَفِظْتُ الْقُرْآن مِنْ أَوَّله إِلَى آخِره دَلِيل الدُّخُول , وَقَوْله تَعَالَى { إِلَى الْمَرَافِق } لَا دَلِيل فِيهِ عَلَى أَحَد الْأَمْرَيْنِ. قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر : وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لِدُخُولِهِمَا بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ حَدِيث عُثْمَان فِي صِفَة الْوُضُوء "" فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَاف الْعَضُدَيْنِ "". وَفِيهِ عَنْ جَابِر قَالَ "" كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاء عَلَى مَرْفِقَيْهِ "" لَكِنَّ إِسْنَاده ضَعِيف. وَفِي الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث وَائِل بْن حَجَر فِي صِفَة الْوُضُوء : "" وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَرْفِق "". وَفِي الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث ثَعْلَبَة بْن عَبَّاد عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا "" ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَسِيل الْمَاء عَلَى مَرْفِقَيْهِ "" فَهَذِهِ الْأَحَادِيث يُقَوِّي بَعْضهَا بَعْضًا. قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ : إِلَى فِي الْآيَة يَحْتَمِل أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الْغَايَة وَأَنْ تَكُون بِمَعْنَى مَعَ , فَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّهَا بِمَعْنَى مَعَ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْأُمّ : لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إِيجَاب دُخُول الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْوُضُوء. اِنْتَهَى كَلَامه ( فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ) : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّة الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث وَوُجِدَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : أَنْ يَبْدَأ بِمُقَدَّمِ رَأْسه الَّذِي يَلِي الْوَجْه فَيَذْهَب إِلَى الْقَفَا ثُمَّ يَرُدّهُمَا إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَهُوَ مُبْتَدَأ الشَّعْر مِنْ حَدّ الْوَجْه , وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْطِيه ظَاهِرُ قَوْلِهِ : بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسه حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ , إِلَّا أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَة أَنَّهُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ , لِأَنَّ ذَهَابه إِلَى جِهَة الْقَفَا إِدْبَار وَرُجُوعه إِلَى جِهَة الْوَجْه إِقْبَال. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاو لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب , فَالتَّقْدِير أَدْبَرَ وَأَقْبَلَ. وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَبْدَأ بِمُؤَخَّرِ رَأْسه وَيَمُرّ إِلَى جِهَة الْوَجْه ثُمَّ يَرْجِع إِلَى الْمُؤَخَّر مُحَافَظَة عَلَى ظَاهِر لَفْظ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ , فَالْإِقْبَال إِلَى مُقَدَّم الْوَجْه وَالْإِدْبَار إِلَى نَاحِيَة الْمُؤَخَّر , وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الصِّفَة فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسه , وَيُحْمَل الِاخْتِلَاف فِي لَفْظ الْأَحَادِيث عَلَى تَعَدُّد الْحَالَات. وَالثَّالِث : أَنْ يَبْدَأ بِالنَّاصِيَةِ وَيَذْهَب إِلَى نَاحِيَة الْوَجْه ثُمَّ يَذْهَب إِلَى جِهَة مُؤَخَّر الرَّأْس ثُمَّ يَعُود إِلَى مَا بَدَأَ مِنْهُ وَهُوَ النَّاصِيَة , وَلَعَلَّ قَائِل هَذَا قَصَدَ الْمُحَافَظَة عَلَى قَوْله : بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسه مَعَ الْمُحَافَظَة عَلَى ظَاهِر لَفْظ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ , لِأَنَّهُ إِذَا بَدَأَ بِالنَّاصِيَةِ صَدَقَ أَنَّهُ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسه وَصَدَقَ أَنَّهُ أَقْبَلَ أَيْضًا , فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى نَاحِيَة الْوَجْه وَهُوَ الْقُبُل. قَالَ الْعَلَّامَة الْأَمِير الْيَمَانِيُّ فِي سُبُل السَّلَام : وَالظَّاهِر أَنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَل الْمُخَيَّر فِيهِ وَأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ ذَلِكَ تَعْمِيم الرَّأْس بِالْمَسْحِ اِنْتَهَى ( بَدَأَ ) : أَيْ اِبْتَدَأَ ( بِمُقَدَّمِ رَأْسه ) : بِفَتْحِ الدَّال مُشَدَّدَة وَيَجُوز كَسْرهَا وَالتَّخْفِيف وَكَذَا مُؤَخَّر. قَالَهُ الزُّرْقَانِيّ ( ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ) : بِالْقَصْرِ وَحُكِيَ مَدّه وَهُوَ قَلِيل مُؤَخَّر الْعُنُق , وَفِي الْمُحْكَم وَرَاء الْعُنُقِ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث ( ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ) : لِيَسْتَوْعِب جِهَتَيْ الشَّعْر بِالْمَسْحِ , وَالْمَشْهُور عِنْد مَنْ أَوْجَبَ التَّعْمِيم أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَة وَالثَّانِيَة سُنَّة. وَجُمْلَة قَوْله بَدَأَ إِلَى آخِره عَطْف بَيَان لِقَوْلِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَدْخُل الْوَاو عَلَى بَدَأَ. قَالَهُ الزُّرْقَانِيّ. وَفِي فَتْح الْبَارِي أَنَّهُ مِنْ الْحَدِيث وَلَيْسَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَام مَالِك , فَفِيهِ حُجَّة عَلَى مَنْ قَالَ السُّنَّة أَنْ يَبْدَأ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي إِلَى مُقَدَّمه لِظَاهِرِ قَوْله أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ , وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاو لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب. وَعِنْد الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ , فَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِره حُجَّة لِأَنَّ الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار مِنْ الْأُمُور الْإِضَافِيَّة وَلَمْ يُعَيِّن مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَمَا أَدْبَرَ عَنْهُ , وَمَخْرَج الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِد فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد. وَعَيَّنَتْ رِوَايَة مَالِك الْبُدَاءَة بِالْمُقَدَّمِ فَيُحْمَل قَوْله أَقْبَلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَة الْفِعْل بِابْتِدَائِهِ , أَيْ بَدَأَ بِقُبُلِ الرَّأْس , وَقِيلَ فِي تَوْجِيهه غَيْر ذَلِكَ , اِنْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا. ( مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ ) : كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخ وَفِي بَعْضهَا وَاحِد. وَالْكَفّ يُذَكَّر وَيُؤَنَّث. حَكَاهَا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيّ. وَالْمَشْهُور أَنَّهَا مُؤَنَّثَة. قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَهُوَ صَرِيح فِي الْجَمْع بَيْن الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مِنْ كُلّ غَرْفَة فِي كُلّ مَرَّة , وَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْض الْأَئِمَّة ( يَفْعَل ذَلِكَ ثَلَاثًا ) : أَيْ الْجَمْع بَيْن الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق ثَلَاث مَرَّات ( ثُمَّ ذَكَرَ ) : أَيْ خَالِد ( نَحْوه ) : أَيْ نَحْو حَدِيث مَالِك. وَهَذَا الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ سَنَدًا وَمَتْنًا وَلَفْظه عَنْ عَبْد اللَّه بْن زَيْد أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاء عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَة فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَغَسَلَ وَجْهه ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وُضُوء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالدَّارِمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن زَيْد حَدِيث حَسَن غَرِيب , وَقَدْ رَوَى مَالِك وَابْن عُيَيْنَةَ وَغَيْر وَاحِد هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمْرو بْن يَحْيَى وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْحَرْف أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفّ وَاحِد وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ خَالِد بْن عَبْد اللَّه وَخَالِد ثِقَة حَافِظ عِنْد أَهْل الْحَدِيث. وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مِنْ كَفّ وَاحِد يُجْزِي. وَقَالَ بَعْضهمْ يُفَرِّقهُمَا أَحَبُّ إِلَيْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ جَمَعَهُمَا فِي كَفّ وَاحِد فَهُوَ جَائِز وَإِنْ فَرَّقَهُمَا فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا. اِنْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة وَجَمَعَ بَيْن الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق , وَأَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الصَّرَاحَة رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ عَلِيّ وَلَفْظه ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنْ الْكَفّ الَّذِي يَأْخُذ فِيهِ. وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مَعَ الِاسْتِنْشَاق بِمَاءٍ وَاحِد. قَالَ النَّوَوِيّ : فِي كَيْفِيَّة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق خَمْسَة أَوْجُه الْأَصَحّ يَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق بِثَلَاثِ غَرَفَات يَتَمَضْمَض مِنْ كُلّ وَاحِدَة ثُمَّ يَسْتَنْشِق كَمَا فِي رِوَايَة خَالِد الْمَذْكُورَة بِلَفْظِ مِنْ كَفّ وَاحِدَة فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَإِنَّهَا صَرِيحَة فِي الْجَمْع فِي كُلّ غَرْفَة وَالثَّانِي : يَجْمَع بَيْنهمَا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَة يَتَمَضْمَض مِنْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِق مِنْهَا ثَلَاثًا عَلَى مَا فِي حَدِيث اِبْن مَاجَهْ. وَالثَّالِث : يَجْمَع أَيْضًا بِغَرْفَةٍ وَلَكِنْ يَتَمَضْمَض مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِق ثُمَّ يَتَمَضْمَض مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِق ثُمَّ يَتَمَضْمَض مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِق عَلَى مَا فِي بَعْض الرِّوَايَات. وَالرَّابِع : يَفْصِل بَيْنهمَا بِغَرْفَتَيْنِ فَيَتَمَضْمَض مِنْ إِحْدَاهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِق مِنْ الْأُخْرَى ثَلَاثًا. وَالْخَامِس : يَفْصِل بِسِتِّ غَرَفَات بِأَنْ يَتَمَضْمَض بِثَلَاثٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِق بِثَلَاثِ غَرَفَات. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة : إِنَّهُ الْأَفْضَلُ. وَقَالَ النَّوَوِيّ : وَالصَّحِيح الْأَوَّل وَبِهِ جَاءَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة , وَهُوَ أَيْضًا الْأَصَحّ عِنْد الْمَالِكِيَّة بِحَيْثُ حَكَى اِبْن رُشْد الِاتِّفَاق عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَل. قَالَهُ الزُّرْقَانِيّ فِي شَرْح الْمَوَاهِب.



