المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (60)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (60)]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنْ الثَّقَفِيِّ قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَان مَنْ كَانَ اللَّهَ وَرَسُوله أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا , وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْء لَا يُحِبّهُ إِلَّا لِلَّهِ , وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُود فِي الْكُفْر بَعْد أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّه مِنْهُ كَمَا يَكْرَه أَنْ يُقْذَف فِي النَّار ) وَفِي رِوَايَة : ( مِنْ أَنْ يَرْجِع يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ) , هَذَا حَدِيث عَظِيمٌ أَصْل مِنْ أُصُول الْإِسْلَام. قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه : مَعْنَى حَلَاوَة الْإِيمَان اِسْتِلْذَاذ الطَّاعَات وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّات فِي رِضَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِيثَار ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا , وَمَحَبَّة الْعَبْد رَبّه - سُبْحَانه وَتَعَالَى - بِفِعْلِ طَاعَته , وَتَرْكِ مُخَالَفَته , وَكَذَلِكَ مَحَبَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه : هَذَا الْحَدِيث بِمَعْنَى الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم : ( ذَاقَ طَعْم الْإِيمَان مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا ) وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَحَبَّة لِلَّهِ وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَة وَحُبُّ الْآدَمِيِّ فِي اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَاهَة الرُّجُوع إِلَى الْكُفْر إِلَّا لِمَنْ قَوَّى بِالْإِيمَانِ يَقِينَهُ , وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسه , وَانْشَرَحَ لَهُ صَدْره , وَخَالَطَ لَحْمه وَدَمه. وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَجَدَ حَلَاوَته. قَالَ : وَالْحُبُّ فِي اللَّه مِنْ ثَمَرَات حُبّ اللَّه. قَالَ بَعْضهمْ : الْمَحَبَّة مُوَاطَأَة الْقَلْب عَلَى مَا يُرْضِي الرَّبّ سُبْحَانه ; فَيُحِبّ مَا أَحَبَّ , وَيَكْرَه مَا كَرِهَ. وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَاب بِمَا لَا يَئُول إِلَى اِخْتِلَاف إِلَّا فِي اللَّفْظ. وَبِالْجُمْلَةِ أَصْل الْمَحَبَّة الْمَيْل إِلَى مَا يُوَافِق الْمُحِبِّ , ثُمَّ الْمَيْل قَدْ يَكُون لِمَا يَسْتَلِذُّهُ الْإِنْسَان , وَيَسْتَحْسِنهُ كَحُسْنِ الصُّورَة وَالصَّوْت وَالطَّعَام وَنَحْوهَا وَقَدْ يَسْتَلِذُّهُ بِعَقْلِهِ لِلْمَعَانِي الْبَاطِنَة كَمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء وَأَهْل الْفَضْل مُطْلَقًا , وَقَدْ يَكُون لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ , وَدَفْعه الْمَضَارَّ وَالْمَكَارِهَ عَنْهُ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مَوْجُودَة فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا جَمَعَ مِنْ جَمَال الظَّاهِر وَالْبَاطِن , وَكَمَال خِلَال الْجَلَال , وَأَنْوَاع الْفَضَائِل , وَإِحْسَانه إِلَى جَمِيع الْمُسْلِمِينَ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم , وَدَوَام النِّعَم , وَالْإِبْعَاد مِنْ الْجَحِيم. وَقَدْ أَشَارَ بَعْضهمْ إِلَى أَنَّ هَذَا مُتَصَوَّر فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى , فَإِنَّ الْخَيْر كُلّه مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى. قَالَ مَالِك وَغَيْره : الْمَحَبَّة فِي اللَّه مِنْ وَاجِبَات الْإِسْلَام. هَذَا كَلَام الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَعُود أَوْ يَرْجِع ) فَمَعْنَاهُ يَصِير. وَقَدْ جَاءَ الْعَوْد وَالرُّجُوع بِمَعْنَى الصَّيْرُورَة. وَأَمَّا أَبُو قِلَابَةَ الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد فَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيف اللَّام وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَاسْمه عَبْد اللَّه بْن زَيْد.