المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (481)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (481)]
و حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا قَالَ وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ
قَوْله ( عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَائِشَة أَنَا وَأَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَة فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجَنَابَة , فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرَ الصَّاعِ , فَاغْتَسَلَتْ وَبَيْننَا وَبَيْنهَا سِتْر , فَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسهَا ثَلَاثًا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلهَا فِي رَأْسهَا وَأَعَالِي جَسَدهَا مِمَّا يَحِلّ لِذِي الْمَحْرَم النَّظَر إِلَيْهِ مِنْ ذَات الْمَحْرَم , وَكَانَ أَحَدهمَا أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَة كَمَا ذُكِرَ , قِيلَ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , وَكَانَ أَبُو سَلَمَة اِبْن أُخْتهَا مِنْ الرَّضَاعَة , أَرْضَعَتْهُ أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر. قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاء وَطَهَارَتهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى ; إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلّه فِي سِتْر عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا وَرَجَعَ الْحَال إِلَى وَصْفِهَا لَهُ , وَإِنَّمَا فَعَلَتْ السِّتْر لِيَسْتَتِر أَسَافِل الْبَدَن , وَمَا لَا يَحِلّ لِلْمَحْرَمِ نَظَرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَالرَّضَاعَة وَالرَّضَاع بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرِهَا فِيهِمَا لُغَتَانِ الْفَتْح أَفْصَح. وَفِي هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا دَلَالَة عَلَى اِسْتِحْبَاب التَّعْلِيم بِالْوَصْفِ بِالْفِعْلِ ; فَإِنَّهُ أَوْقَع فِي النَّفْس مِنْ الْقَوْل , وَيَثْبُت فِي الْحِفْظ مَا لَا يَثْبُت بِالْقَوْلِ : وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله : ( وَكَانَ أَزْوَاج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسهنَّ حَتَّى تَكُون كَالْوَفْرَةِ ) الْوَفْرَة أَشْبَع وَأَكْثَر مِنْ ( اللُّمَّة ) , وَاللُّمَّة مَا يَلُمّ بِالْمَنْكِبَيْنِ مِنْ الشَّعْر , قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ , وَقَالَ غَيْره : الْوَفْرَة أَقَلّ مِنْ اللُّمَّة , وَهِيَ مَا لَا يُجَاوِز الْأُذُنَيْنِ , وَقَالَ أَبُو حَاتِم : الْوَفْرَة مَا عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنْ الشَّعْر. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : الْمَعْرُوف أَنَّ نِسَاء الْعَرَب إِنَّمَا كُنَّ يَتَّخِذْنَ الْقُرُون وَالذَّوَائِب , وَلَعَلَّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلْنَ هَذَا بَعْد وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَرْكِهِنَّ التَّزَيُّن , وَاسْتِغْنَائِهِنَّ عَنْ تَطْوِيل الشَّعْر , وَتَخْفِيفًا لِمُؤْنَةِ رُءُوسهنَّ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاض مِنْ كَوْنهنَّ فَعَلْنَهُ بَعْد وَفَاته لَا فِي حَيَاته , كَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْره وَهُوَ مُتَعَيِّن , وَلَا يُظَنّ بِهِنَّ فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَخْفِيف الشُّعُور لِلنِّسَاءِ : وَاللَّهُ أَعْلَم.



