المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (47)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (47)]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا يَتَّكِلُوا فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا
قَوْل مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه : ( حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن مَنْصُور أَخْبَرَنِي مُعَاذ بْن هِشَام حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه بَصْرِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاق فَإِنَّهُ نَيْسَابُورِيٌّ فَيَكُون الْإِسْنَاد بَيْنِي وَبَيْن مُعَاذ بْن هِشَام نَيْسَابُورِيَّيْنِ وَبَاقِيه بَصْرِيُّونَ. قَوْله : ( فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذ عِنْد مَوْته تَأَثُّمًا ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَضَمِّ الْمُثَلَّثَة الْمُشَدَّدَة. قَالَ أَهْل اللُّغَة : تَأَثَّمَ الرَّجُل إِذَا فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُج بِهِ مِنْ الْإِثْم. وَتَحَرَّجَ أَزَالَ عَنْهُ الْحَرَج. وَتَحَنَّثَ أَزَالَ عَنْهُ الْحِنْث. وَمَعْنَى تَأَثُّمِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ عِلْمًا يَخَاف فَوَاته وَذَهَابه بِمَوْتِهِ فَخَشِيَ أَنْ يَكُون مِمَّنْ كَتَمَ عِلْمًا وَمِمَّنْ لَمْ يَمْتَثِل أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغ سُنَّته فَيَكُون آثِمًا فَاحْتَاطَ وَأَخْبَرَ بِهَذِهِ السُّنَّة مَخَافَةً مِنْ الْإِثْم وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْإِخْبَار بِهَا نَهْي تَحْرِيم. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : لَعَلَّ مُعَاذًا لَمْ يَفْهَم مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْي لَكِنْ كَسَرَ عَزْمَهُ عَمَّا عَرَضَ لَهُ مِنْ بُشْرَاهُمْ بِدَلِيلِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ "" "" مَنْ لَقِيت يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُسْتَيْقِنًا قَلْبه فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ "" قَالَ : أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ بَلِّغْهُ بَعْد ذَلِكَ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هُرَيْرَة وَخَافَ أَنْ يَكْتُم عِلْمًا عَلِمَهُ فَيَأْثَم أَوْ يَكُون حَمَل النَّهْي عَلَى إِذَاعَته. وَهَذَا الْوَجْه ظَاهِر. وَقَدْ اِخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه فَقَالَ : مَنَعَهُ مِنْ التَّبْشِير الْعَامّ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْمَع ذَلِكَ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ وَلَا عِلْم فَيَغْتَرّ وَيَتَّكِل. وَأَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوص مَنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الِاغْتِرَار وَالِاتِّكَال مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة. فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذًا فَسَلَكَ مُعَاذ هَذَا الْمَسْلَك فَأَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْخَاصَّة مَنْ رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ. قَالَ : وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِالتَّبْشِيرِ فَهُوَ مِنْ تَغَيُّر الِاجْتِهَاد. وَقَدْ كَانَ الِاجْتِهَاد جَائِزًا لَهُ وَوَاقِعًا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ وَلَهُ مَزِيَّة عَلَى سَائِر الْمُجْتَهِدِينَ بِأَنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَى الْخَطَأ فِي اِجْتِهَاده. وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ وَقَالَ : لَا يَجُوز لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْل فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة إِلَّا عَنْ وَحْي فَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يَكُون قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مُخَاطَبَته عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَحْي - بِمَا أَجَابَهُ بِهِ - نَاسِخٌ لِوَحْيٍ سَبَقَ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كَلَام الشَّيْخ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهِيَ اِجْتِهَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا تَفْصِيل مَعْرُوف. فَأَمَّا أُمُور الدُّنْيَا فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى جَوَاز اِجْتِهَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِيهَا وَوُقُوعه مِنْهُ. وَأَمَّا أَحْكَام الدِّين فَقَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء بِجَوَازِ الِاجْتِهَاد لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لِغَيْرِهِ فَلَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى. وَقَالَ جَمَاعَة : لَا يَجُوز لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِين. وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ يَجُوز فِي الْحُرُوب دُون غَيْرهَا. وَتَوَقَّفَ فِي كُلّ ذَلِكَ آخَرُونَ : ثُمَّ الْجُمْهُور الَّذِينَ جَوَّزُوهُ اِخْتَلَفُوا فِي وُقُوعه فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ : وُجِدَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُوجَد. وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ. ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوع اِخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ الْخَطَأ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى جَوَازه وَلَكِنْ لَا يُقَرّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْره. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِع اِسْتِقْصَاء هَذَا. وَاَللَّه أَعْلَم.