المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (439)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (439)]
حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَكَانَ الْآخَرُ لَا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ
حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : ( مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير أَمَّا أَحَدهمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَر فَكَانَ لَا يَسْتَتِر مِنْ بَوْله قَالَ : فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ : ( لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّف عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( كَانَ لَا يَسْتَنْزِه عَنْ الْبَوْل أَوْ مِنْ الْبَوْل ) أَمَّا ( الْعَسِيب ) فَبِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ , وَهُوَ الْجَرِيد وَالْغُصْن مِنْ النَّخْل , وَيُقَال لَهُ : الْعُثْكَال , وَقَوْله : ( بِاثْنَيْنِ ) هَذِهِ الْبَاء زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ , وَاثْنَيْنِ مَنْصُوب عَلَى الْحَال , وَزِيَادَة الْبَاء فِي الْحَال صَحِيحَة مَعْرُوفَة , ( وَيَيْبَسَا ) مَفْتُوح الْبَاء الْمُوَحَّدَة قَبْل السِّين وَيَجُوز كَسْرهَا لُغَتَانِ. وَأَمَّا النَّمِيمَة فَحَقِيقَتهَا نَقْلُ كَلَام النَّاس بَعْضهمْ إِلَى بَعْض عَلَى جِهَة الْإِفْسَاد , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَاب غِلَظ تَحْرِيم النَّمِيمَة مِنْ كِتَاب الْإِيمَان بَيَانهَا وَاضِحًا مُسْتَقْصًى. وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَسْتَتِر مِنْ بَوْله ) فَرُوِيَ ثَلَاث رِوَايَات ( يَسْتَتِر ) بِتَائَيْن مُثَنَّاتَيْن , ( وَيَسْتَنْزِه ) بِالزَّايِ وَالْهَاء , ( وَيَسْتَبْرِئ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَالْهَمْزَة وَهَذِهِ الثَّالِثَة فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْره , وَكُلّهَا صَحِيحَة , وَمَعْنَاهَا : لَا يَتَجَنَّبهُ وَيَتَحَرَّز مِنْهُ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير ) فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ ( وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير وَإِنَّهُ لَكَبِير كَانَ أَحَدهمَا لَا يَسْتَتِر مِنْ الْبَوْل... الْحَدِيث ). ذَكَرَهُ فِي كِتَاب الْأَدَب فِي بَاب النَّمِيمَة مِنْ الْكَبَائِر , وَفِي كِتَاب الْوُضُوء مِنْ الْبُخَارِيّ أَيْضًا ( وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير بَلْ إِنَّهُ كَبِير , فَثَبَتَ بِهَاتَيْنِ الزِّيَادَتَيْنِ الصَّحِيحِيَّتَيْنِ أَنَّهُ كَبِير فَيَجِب تَأْوِيل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير ). وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاء فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدهمَا : أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي زَعْمِهِمَا. وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرٍ تَرْكُهُ عَلَيْهِمَا , وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - تَأْوِيلًا ثَالِثًا أَيْ لَيْسَ بِأَكْبَر الْكَبَائِر , قُلْت : فَعَلَى هَذَا يَكُون الْمُرَاد بِهَذَا الزَّجْر وَالتَّحْذِير لِغَيْرِهِمَا , أَيْ : لَا يُتَوَهَّم أَحَد أَنَّ التَّعْذِيب لَا يَكُون إِلَّا فِي أَكْبَر الْكَبَائِر الْمُوبِقَات فَإِنَّهُ يَكُون فِي غَيْرهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَسَبَب كَوْنهمَا كَبِيرَيْنِ : أَنَّ عَدَم التَّنَزُّه مِنْ الْبَوْل يَلْزَم مِنْهُ بُطْلَان الصَّلَاة فَتَرْكه كَبِيرَة بِلَا شَكّ , وَالْمَشْي بِالنَّمِيمَةِ وَالسَّعْي بِالْفَسَادِ مِنْ أَقْبَح الْقَبَائِح لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ يَمْشِي ) بِلَفْظِ ( كَانَ ) الَّتِي لِلْحَالَةِ الْمُسْتَمِرَّة غَالِبًا. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَأَمَّا وَضْعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْر ; فَقَالَ الْعُلَمَاء : مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الشَّفَاعَة لَهُمَا فَأُجِيبَتْ شَفَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا إِلَى أَنْ يَيْبَسَا. وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - فِي آخِر الْكِتَاب فِي الْحَدِيث الطَّوِيل حَدِيث جَابِر فِي صَاحِبَيْ الْقَبْرَيْنِ ( فَأُجِيبَتْ شَفَاعَتِي أَنْ يُرْفَع ذَلِكَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْقَضِيبَانِ رَطْبَيْنِ ) , وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو لَهُمَا تِلْكَ الْمُدَّة , وَقِيلَ : لِكَوْنِهِمَا يُسَبِّحَانِ مَا دَامَا رَطْبَيْنِ , وَلَيْسَ لِلْيَابِسِ تَسْبِيح , وَهَذَا مَذْهَب كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ } قَالُوا : مَعْنَاهُ وَإِنْ مِنْ شَيْء حَيّ , ثُمَّ قَالُوا : حَيَاة كُلّ شَيْء بِحَسَبِهِ فَحَيَاة الْخَشَب مَا لَمْ يَيْبَس , وَالْحَجَر مَا لَمْ يُقْطَع. وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّهُ عَلَى عُمُومه , ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ يُسَبِّح حَقِيقَة أَمْ فِيهِ دَلَالَة عَلَى الصَّانِع فَيَكُون مُسَبِّحًا مُنَزِّهًا بِصُورَةِ حَاله ؟ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُسَبِّح حَقِيقَة ; وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } وَإِذَا كَانَ الْعَقْل لَا يُحِيل جَعْلَ التَّمْيِيز فِيهَا وَجَاءَ النَّصّ بِهِ وَجَبَ الْمَصِير إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاء قِرَاءَة الْقُرْآن عِنْد الْقَبْر لِهَذَا الْحَدِيث ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يُرْجَى التَّخْفِيف بِتَسْبِيحِ الْجَرِيد فَتِلَاوَة الْقُرْآن أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَنَّ بُرَيْدَةَ بْن الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيّ الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَوْصَى أَنْ يُجْعَل فِي قَبْره جَرِيدَتَانِ , فَفِيهِ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تَبَرَّكَ بِفِعْلٍ مِثْل فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ مَا يَفْعَلهُ النَّاس عَلَى الْقُبُور مِنْ الْأَخْوَاص وَنَحْوهَا مُتَعَلِّقِينَ بِهَذَا الْحَدِيث وَقَالَ : لَا أَصْل لَهُ وَلَا وَجْه لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَأَمَّا فِقْه الْبَاب فَفِيهِ : إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر , وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَفِيهِ : نَجَاسَة الْأَبْوَال لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَة ( لَا يَسْتَنْزِه مِنْ الْبَوْل ) . وَفِيهِ غِلَظ تَحْرِيم النَّمِيمَة , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.



