موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (402)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (402)]

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏أَبُو خَيْثَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْمَشِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏شَقِيقٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏حُذَيْفَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ‏ ‏ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ ‏ ‏فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ‏


‏ ‏قَوْله : ( كُنْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَة قَوْم فَبَال قَائِمًا فَتَنَحَّيْت فَقَالَ : اُدْنُهْ فَدَنَوْت حَتَّى قُمْت عِنْد عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ) ‏ ‏أَمَّا ( السُّبَاطَة ) فَبِضَمِّ السِّين الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحَّدَة , وَهِيَ مَلْقَى الْقُمَامَة وَالتُّرَاب وَنَحْوهمَا تَكُون بِفِنَاءِ الدُّور مُرْفَقًا لِأَهْلِهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَيَكُون ذَلِكَ فِي الْغَالِب سَهْلًا مَنْثًا لَا يَحُدّ فِيهِ الْبَوْل وَلَا يَرْتَدّ عَلَى الْبَائِل , وَأَمَّا سَبَب بَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَذَكَرَ الْعُلَمَاء فِيهِ أَوْجُهًا حَكَاهَا الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَئِمَّة أَحَدهَا : قَالَا : وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَسْتَشِفِي لِوَجَعِ الصُّلْب بِالْبَوْلِ قَائِمًا , قَالَ فَتَرَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَع الصُّلْب إِذْ ذَاكَ ؟ وَالثَّانِي : أَنَّ سَبَبه مَا رُوِيَ فِي رِوَايَة ضَعِيفَة رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا لِعِلَّةٍ بِمَأْبِضِهِ وَ ( الْمَأْبِض ) بِهَمْزَةِ سَاكِنَة بَعْد الْمِيم ثُمَّ مُوَحَّدَة وَهُوَ بَاطِن الرُّكْبَة , وَالثَّالِث : أَنَّهُ لَمْ يَجِد مَكَانًا لِلْقُعُودِ فَاضْطُرَّ إِلَى الْقِيَام لِكَوْنِ الطَّرَف الَّذِي مِنْ السُّبَاطَة كَانَ عَالِيًا مُرْتَفِعًا , وَذَكَرَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى - وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ : أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا لِكَوْنِهَا حَالَة يُؤْمَن فِيهَا خُرُوج الْحَدَث مِنْ السَّبِيل الْآخَر فِي الْغَالِب بِخِلَافِ حَالَة الْقُعُود , وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَر : الْبَوْل قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ , وَيَجُوز وَجْه خَامِس : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِلْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَرَّة , وَكَانَتْ عَادَته الْمُسْتَمِرَّة يَبُول قَاعِدًا , يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : ( مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُول قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُول إِلَّا قَاعِدًا ). رَوَاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ , وَإِسْنَاده جَيِّد. وَاللَّهُ أَعْلَم. ‏ ‏وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْي عَنْ الْبَوْل قَائِمًا أَحَادِيث لَا تَثْبُت , وَلَكِنَّ حَدِيث عَائِشَة هَذَا ثَابِت فَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : يُكْرَه الْبَوْل قَائِمًا إِلَّا لِعُذْرٍ , وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تَحْرِيم. قَالَ اِبْن الْمُنْذِر فِي الْإِشْرَاق : اِخْتَلَفُوا فِي الْبَوْل قَائِمًا فَثَبَتَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَزَيْد بْن ثَابِت وَابْن عُمَر وَسَهْل بْن سَعْد أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا , قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَس وَعَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. وَفَعَلَ ذَلِكَ اِبْن سِيرِينَ وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَكَرِهَهُ اِبْن مَسْعُود وَالشَّعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم بْن سَعْد , وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد لَا يُجِيز شَهَادَة مَنْ بَالَ قَائِمًا , وَفِيهِ قَوْل ثَالِث : أَنَّهُ كَانَ فِي مَكَان يَتَطَايَر إِلَيْهِ مِنْ الْبَوْل شَيْء فَهُوَ مَكْرُوه , فَإِنْ كَانَ لَا يَتَطَايَر فَلَا بَأْس بِهِ. وَهَذَا قَوْل مَالِك قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : الْبَوْل جَالِسًا أَحَبّ إِلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاح , وَكُلّ ذَلِكَ ثَابِت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا كَلَام اِبْن الْمُنْذِر. وَاللَّهُ أَعْلَم. ‏ ‏وَأَمَّا بَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُبَاطَة قَوْم فَيَحْتَمِل أَوْجُهًا : أَظْهَرهَا : أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ بَلْ يَفْرَحُونَ بِهِ , وَمَنْ كَانَ هَذَا حَاله جَازَ الْبَوْل فِي أَرْضه , وَالْأَكْل مِنْ طَعَامه , وَنَظَائِر هَذَا فِي السُّنَّة أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : ( اِحْتَفَزْت كَمَا يَحْتَفِز الثَّعْلَب ). وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّة بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورهمْ لِلنَّاسِ كُلّهمْ فَأُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لَقُرْبهَا مِنْهُمْ. وَالثَّالِث : أَنْ يَكُونُوا أَدْنَوْا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاء الْحَاجَة إِمَّا بِصَرِيحِ الْإِذْن وَإِمَّا بِمَا فِي مَعْنَاهُ. وَاَللَّه أَعْلَم. ‏ ‏وَأَمَّا بَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّبَاطَة الَّتِي بِقُرْبِ الدُّور مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّبَاعُد فِي الْمَذْهَب , فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ سَبَبه : أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ الشُّغْل بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَر فِي مَصَالِحهمْ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوف , فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ مَجْلِس حَتَّى حَفَزَهُ الْبَوْل فَلَمْ يُمْكِنهُ التَّبَاعُد , وَلَوْ أَبْعَد لَتَضَرَّرَ , وَارْتَادَ السُّبَاطَة لِدَمَثِهَا , وَأَقَامَ حُذَيْفَة بِقُرْبِهِ لِيَسْتُرهُ عَنْ النَّاس. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حَسَن ظَاهِر. وَاللَّهُ أَعْلَم. ‏ ‏وَأَمَّا قَوْله : ( فَتَنَحَّيْت فَقَالَ إِذْنه فَدَنَوْت حَتَّى قُمْت عِنْد عَقِبَيْهِ ) قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا اِسْتَدْنَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَتِر بِهِ عَنْ أَعْيُن النَّاس وَغَيْرهمْ مِنْ النَّاظِرِينَ لِكَوْنِهَا حَالَة يُسْتَخْفَى بِهَا وَيُسْتَحْيَ مِنْهَا فِي الْعَادَة , وَكَانَتْ الْحَاجَة الَّتِي يَقْضِيهَا بَوْلًا مِنْ قِيَام يُؤْمَنُ مَعَهَا خُرُوج الْحَدَث الْآخَر وَالرَّائِحَة الْكَرِيهَة , فَلِهَذَا اِسْتَدْنَاهُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر لَمَّا أَرَادَ قَضَاء الْحَاجَة قَالَ : ( تَنَحَّ ) لِكَوْنِهِ كَانَ يَقْضِيهَا قَاعِدًا , وَيَحْتَاج إِلَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا فَتَحْصُل الرَّائِحَة الْكَرِيهَة وَمَا يَتْبَعهَا. وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَدِيث : مِنْ السُّنَّة الْقُرْب مِنْ الْبَائِل إِذَا كَانَ قَائِمًا , فَإِذَا كَانَ قَاعِدًا فَالسُّنَّة الْإِبْعَاد عَنْهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم. ‏ ‏وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى أَنْوَاع مِنْ الْفَوَائِد تَقَدَّمَ بَسْط أَكْثَرهَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ , وَنُشِير إِلَيْهَا هَا هُنَا مُخْتَصَرَة , فَفِيهِ : إِثْبَات الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَفِيهِ : جَوَاز الْمَسْح فِي الْحَضَر. وَفِيهِ جَوَاز الْبَوْل قَائِمًا. وَجَوَاز قُرْب الْإِنْسَان مِنْ الْبَائِل. وَفِيهِ : جَوَاز طَلَب الْبَائِل مِنْ صَاحِبه الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ الْقُرْب مِنْهُ لِيَسْتُرهُ. وَفِيهِ : اِسْتِحْبَاب السِّتْر. وَفِيهِ : جَوَاز الْبَوْل بِقُرْبِ الدِّيَار. وَفِيهِ غَيْر ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَم. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!