موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6963)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6963)]

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏سُلَيْمَانُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ ‏ ‏مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ ‏ ‏أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ‏ ‏قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ ‏ ‏وَهُوَ نَائِمٌ فِي ‏ ‏الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ‏ ‏فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ فَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى ‏ ‏فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ ‏ ‏وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ ‏ ‏بِئْرِ زَمْزَمَ ‏ ‏فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏فَشَقَّ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى ‏ ‏لَبَّتِهِ ‏ ‏حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ ‏ ‏زَمْزَمَ ‏ ‏بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ ثُمَّ أُتِيَ ‏ ‏بِطَسْتٍ ‏ ‏مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ ‏ ‏تَوْرٌ ‏ ‏مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ ‏ ‏يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا فَقَالَ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏قَالُوا وَمَنْ مَعَكَ قَالَ ‏ ‏مَعِيَ ‏ ‏مُحَمَّدٌ ‏ ‏قَالَ وَقَدْ بُعِثَ قَالَ نَعَمْ قَالُوا فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ‏ ‏آدَمَ ‏ ‏فَقَالَ لَهُ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏هَذَا أَبُوكَ ‏ ‏آدَمُ ‏ ‏فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ ‏ ‏آدَمُ ‏ ‏وَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي نِعْمَ ‏ ‏الِابْنُ أَنْتَ فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ ‏ ‏يَطَّرِدَانِ ‏ ‏فَقَالَ مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏قَالَ هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ ‏ ‏وَزَبَرْجَدٍ ‏ ‏فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ قَالَ مَا هَذَا يَا ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الْأُولَى مَنْ هَذَا قَالَ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏قَالُوا وَمَنْ مَعَكَ قَالَ ‏ ‏مُحَمَّدٌ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالُوا مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ‏ ‏كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ ‏ ‏إِدْرِيسَ ‏ ‏فِي الثَّانِيَةِ ‏ ‏وَهَارُونَ ‏ ‏فِي الرَّابِعَةِ وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظْ اسْمَهُ ‏ ‏وَإِبْرَاهِيمَ ‏ ‏فِي السَّادِسَةِ ‏ ‏وَمُوسَى ‏ ‏فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللَّهِ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏فَاحْتَبَسَهُ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏فَقَالَ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِلَى ‏ ‏جِبْرِيلَ ‏ ‏كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏فَاحْتَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ثُمَّ احْتَبَسَهُ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏ ‏قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِلَى ‏ ‏جِبْرِيلَ ‏ ‏لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا فَقَالَ الْجَبَّارُ يَا ‏ ‏مُحَمَّدُ ‏ ‏قَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ كَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ قَالَ فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ فَرَجَعَ إِلَى ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏فَقَالَ كَيْفَ فَعَلْتَ فَقَالَ خَفَّفَ عَنَّا أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا قَالَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏ ‏عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَا ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ قَالَ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي ‏ ‏مَسْجِدِ الْحَرَامِ ‏


حَدِيث أَنَس فِي الْمِعْرَاج أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَة شَرِيك بْن عَبْد اللَّه أَيْ اِبْن أَبِي نَمِر بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْمِيم وَهُوَ مَدَنِيّ تَابِعِيّ يُكَنَّى أَبَا عَبْد اللَّه وَهُوَ أَكْبَر مِنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه النَّخَعِيِّ الْقَاضِي , وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْض هَذَا الْحَدِيث فِي التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة , وَأَوْرَدَ حَدِيث الْإِسْرَاء مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ فِي أَوَائِل "" كِتَاب الصَّلَاة "" وَأَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ أَنَس عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة فِي بَدْء الْخَلْق وَفِي أَوَائِل الْبَعْثَة قَبْل الْهِجْرَة وَشَرَحْته هُنَاكَ , وَأَخَّرْت مَا يَتَعَلَّق بِرِوَايَةِ شَرِيك هَذِهِ هُنَا لِمَا اِخْتَصَّتْ بِهِ مِنْ الْمُخَالَفَات. ‏ ‏قَوْله ( لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِد الْكَعْبَة , أَنَّهُ جَاءَ ثَلَاثَة نَفَر قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" إِذْ جَاءَ "" بَدَل أَنَّهُ جَاءَهُ , وَالْأَوَّل أَوْلَى , وَالنَّفَر الثَّلَاثَة لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَتهمْ صَرِيحًا لَكِنَّهُمْ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَأَخْلَق بِهِمْ أَنْ يَكُونُوا مَنْ ذُكِرَ فِي حَدِيث جَابِر الْمَاضِي فِي أَوَائِل الِاعْتِصَام بِلَفْظِ "" جَاءَتْ مَلَائِكَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِم , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّهُ نَائِم , وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ الْعَيْن نَائِمَة وَالْقَلْب يَقْظَان "" وَبَيَّنْت هُنَاكَ أَنَّ مِنْهُمْ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ثُمَّ وَجَدْت التَّصْرِيح بِتَسْمِيَتِهِمَا فِي رِوَايَة مَيْمُون بْن سِيَاهٍ عَنْ أَنَس عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَلَفْظه "" فَأَتَاهُ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَقَالَا أَيّهمْ - وَكَانَتْ قُرَيْش تَنَام حَوْل الْكَعْبَة - فَقَالَا أُمِرْنَا بِسَيِّدِهِمْ ثُمَّ ذَهَبَا ثُمَّ جَاءَا وَهُمْ ثَلَاثَة فَأَلْقُوهُ فَقَلَبُوهُ لِظَهْرِهِ "" وَقَوْله "" وَقَبْل "" قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ , أَنْكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ وَابْن حَزْم وَعَبْد الْحَقّ وَالْقَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ وَعِبَارَة النَّوَوِيّ : وَقَعَ فِي رِوَايَة شَرِيك - يَعْنِي هَذِهِ - أَوْهَام أَنْكَرَهَا الْعُلَمَاء ‏ ‏أَحَدهَا : قَوْله "" قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ "" وَهُوَ غَلَط لَمْ يُوَافَق عَلَيْهِ , وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَنَّ فَرْض الصَّلَاة كَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء فَكَيْف يَكُون قَبْل الْوَحْي اِنْتَهَى. وَصَرَّحَ الْمَذْكُورُونَ بِأَنَّ شَرِيكًا تَفَرَّدَ بِذَلِكَ , وَفِي دَعْوَى التَّفَرُّد نَظَر فَقَدْ وَافَقَهُ كَثِير بْن خُنَيْسٍ بِمُعْجَمَةٍ وَنُون مُصَغَّر عَنْ أَنَس كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيد بْن يَحْيَى بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ فِي "" كِتَاب الْمَغَازِي "" مِنْ طَرِيقه. ‏ ‏قَوْله ( وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ) ‏ ‏قَدْ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث "" فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام "" وَنَحْوه مَا وَقَعَ فِي حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة "" بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان "" وَقَدْ قَدَّمْت وَجْه الْجَمْع بَيْن مُخْتَلَف الرِّوَايَات فِي شَرْح الْحَدِيث. ‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ ) ‏ ‏فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ كَانَ نَائِمًا بَيْن جَمَاعَة أَقَلّهمْ اِثْنَانِ وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا مَعَهُ حِينَئِذٍ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب عَمّه وَجَعْفَر بْن أَبِي طَالِب اِبْن عَمّه. ‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ أَحَدهمْ خُذُوا خَيْرهمْ فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة ) ‏ ‏الضَّمِير الْمُسْتَتِر فِي كَانَتْ لِمَحْذُوفٍ وَكَذَا خَبَر كَانَ وَالتَّقْدِير : فَكَانَتْ الْقِصَّة الْوَاقِعَة تِلْكَ اللَّيْلَة مَا ذُكِرَ هُنَا. ‏ ‏قَوْله ( فَلَمْ يَرَهُمْ ) ‏ ‏أَيْ بَعْد ذَلِكَ ‏ ‏( حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى ) ‏ ‏وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّة الَّتِي بَيْن الْمَجِيئَيْنِ فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ الْمَجِيء الثَّانِي كَانَ بَعْد أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ وَقَعَ الْإِسْرَاء وَالْمِعْرَاج وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ عِنْد شَرْحه , وَإِذَا كَانَ بَيْن الْمَجِيئَيْنِ مُدَّة فَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن أَنْ تَكُون تِلْكَ الْمُدَّة لَيْلَة وَاحِدَة أَوْ لَيَالِي كَثِيرَة أَوْ عِدَّة سِنِينَ وَبِهَذَا يَرْتَفِع الْإِشْكَال عَنْ رِوَايَة شَرِيك وَيَحْصُل بِهِ الْوِفَاق أَنَّ الْإِسْرَاء كَانَ فِي الْيَقَظَة بَعْد الْبَعْثَة وَقَبْل الْهِجْرَة وَيَسْقُط تَشْنِيع الْخَطَّابِيّ وَابْن حَزْم وَغَيْرهمَا بِأَنَّ شَرِيكًا خَالَفَ الْإِجْمَاع فِي دَعْوَاهُ أَنَّ الْمِعْرَاج كَانَ قَبْل الْبَعْثَة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْض الشُّرَّاح أَنَّهُ كَانَ بَيْن اللَّيْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَتَاهُ فِيهِمَا الْمَلَائِكَة سَبْع وَقِيلَ ثَمَان وَقِيلَ تِسْع وَقِيلَ عَشْر وَقِيلَ ثَلَاثَة عَشَر فَيُحْمَل عَلَى إِرَادَة السِّنِينَ لَا كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِح الْمَذْكُور أَنَّهَا لَيَالٍ , وَبِذَلِكَ جَزَمَ اِبْن الْقَيِّم فِي هَذَا الْحَدِيث نَفْسه وَأَقْوَى مَا يُسْتَدَلّ بِهِ أَنَّ الْمِعْرَاج بَعْد الْبَعْثَة قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث نَفْسه أَنَّ جِبْرِيل قَالَ لِبَوَّابِ السَّمَاء إِذْ قَالَ لَهُ أَبُعِثَ ؟ قَالَ : نَعَمْ. فَإِنَّهُ ظَاهِر فِي أَنَّ الْمِعْرَاج كَانَ بَعْد الْبَعْثَة فَيَتَعَيَّن مَا ذَكَرْته مِنْ التَّأْوِيل وَأَقَلّه قَوْله فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام , فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِره جَازَ أَنْ يَكُون نَامَ بَعْد أَنْ هَبَطَ مِنْ السَّمَاء فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام , وَجَازَ أَنْ يُؤَوَّل قَوْله اِسْتَيْقَظَ أَيْ أَفَاقَ مِمَّا كَانَ فِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ يَسْتَغْرِق فَإِذَا اِنْتَهَى رَجَعَ إِلَى حَالَته الْأُولَى , فَكَنَّى عَنْهُ بِالِاسْتِيقَاظِ. ‏ ‏قَوْله ( فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَام عَيْنُهُ وَلَا يَنَام قَلْبه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء ) ‏ ‏تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة. ‏ ‏قَوْله ( فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى اِحْتَمَلُوهُ ) ‏ ‏تَقَدَّمَ وَجْه الْجَمْع بَيْن هَذَا وَبَيْن قَوْله فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ "" فُرِجَ سَقْف بَيْتِي "" وَقَوْله فِي حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَطِيم عِنْد شَرْحه بِنَاءً عَلَى اِتِّحَاد قِصَّة الْإِسْرَاء , أَمَّا إِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْإِسْرَاء كَانَ مُتَعَدِّدًا فَلَا إِشْكَال أَصْلًا. ‏ ‏قَوْله ( فَشَقَّ جِبْرِيل مَا بَيْن نَحْره إِلَى لَبَّته ) ‏ ‏بِفَتْحِ اللَّام وَتَشْدِيد الْمُوَحَّدَة وَهِيَ مَوْضِع الْقِلَادَة مِنْ الصَّدْر , وَمِنْ هُنَاكَ تُنْحَر الْإِبِل , وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْد شَرْحه الرَّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ شَقَّ الصَّدْر عِنْد الْإِسْرَاء وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ وَهُوَ صَغِير , وَبَيَّنْت أَنَّهُ ثَبَتَ كَذَلِكَ فِي غَيْر رِوَايَة شَرِيك فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ , وَأَنَّ شَقَّ الصَّدْر وَقَعَ أَيْضًا عِنْد الْبَعْثَة كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَده وَأَبُو نُعَيْم وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة , وَذَكَرَ أَبُو بِشْر الدُّولَابِيّ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّ بَطْنه أُخْرِجَ ثُمَّ أُعِيدَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِخَدِيجَة الْحَدِيث. وَتَقَدَّمَ بَيَان الْحِكْمَة فِي تَعَدُّد ذَلِكَ وَوَقَعَ شَقّ الصَّدْر الْكَرِيم أَيْضًا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة حِين كَانَ اِبْن عَشْر سِنِينَ وَهُوَ عِنْد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد , وَتَقَدَّمَ الْإِلْمَام بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة , وَوَقَعَ فِي الشِّفَاء أَنَّ جِبْرِيل قَالَ لَمَّا غَسَلَ قَلْبه : قَلْب سَدِيد فِيهِ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ. ‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ أَتَى بِطَسْتٍ مَحْشُوًّا ) ‏ ‏كَذَا وَقَعَ بِالنَّصْبِ وَأُعْرِبَ بِأَنَّهُ حَال مِنْ الضَّمِير الْجَارّ وَالْمَجْرُور , وَالتَّقْدِير بِطَسْت كَائِن مِنْ ذَهَب فَنُقِلَ الضَّمِير مِنْ اِسْم الْفَاعِل إِلَى الْجَارّ وَالْمَجْرُور , وَتَقَدَّمَ فِي "" كِتَاب الصَّلَاة "" بِلَفْظِ "" مَحْشُوٍّ "" بِالْجَرِّ عَلَى الصِّفَة لَا إِشْكَال فِيهِ , وَأَمَّا قَوْله "" إِيمَانًا "" فَمَنْصُوب عَلَى التَّمْيِيز , وَقَوْله "" وَحِكْمَة "" مَعْطُوف عَلَيْهِ. ‏ ‏قَوْله ( بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهِ تَوْر مِنْ ذَهَب ) التَّوْر بِمُثَنَّاةٍ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي "" كِتَاب الْوُضُوء "" وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْر الطَّسْت , وَأَنَّهُ كَانَ دَاخِل الطَّسْت , فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الصَّلَاة فِي شَرْح حَدِيث أَبِي ذَرّ فِي الْإِسْرَاء أَنَّهُمَا غَسَلُوهُ بِمَاءِ زَمْزَم , فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة مَحْفُوظَة اِحْتَمَلَ أَنْ يَكُون أَحَدهمَا فِيهِ مَاء زَمْزَم وَالْآخَر هُوَ الْمَحْشُوّ بِالْإِيمَانِ , وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُون التَّوْر ظَرْف الْمَاء وَغَيْره , وَالطَّسْت لِمَا يُصَبّ فِيهِ عِنْد الْغَسْل صِيَانَة لَهُ عَنْ التَّبَدُّد فِي الْأَرْض وَجَرْيًا عَلَى الْعَادَة فِي الطَّسْت وَمَا يُوضَع فِيهِ الْمَاء. ‏ ‏قَوْله ( فَحَشَا بِهِ صَدْره ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" فَحَشَا "" بِفَتْحِ الْحَاء وَالشِّين. "" وَصَدْره "" بِالنَّصْبِ وَلِغَيْرِهِ بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْر الشِّين وَصَدْره بِالرَّفْعِ. ‏ ‏قَوْله ( وَلَغَادِيدَهُ ) ‏ ‏بِغَيْنٍ مُعْجَمَة فَسَّرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بِأَنَّهَا عُرُوق حَلْقه , وَقَالَ أَهْل اللُّغَة هِيَ اللَّحْمَات الَّتِي بَيْن الْحَنَك وَصَفْحَة الْعُنُق , وَأَحَدهَا لُغْدُود وَلِغْدِيد , وَيُقَال لَهُ أَيْضًا لُغْد وَجَمْعه أَلْغَاد. ‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ) ‏ ‏إِنْ كَانَتْ الْقِصَّة مُتَعَدِّدَة فَلَا إِشْكَال وَإِنْ كَانَتْ مُتَّحِدَة فَفِي هَذَا السِّيَاق حَذْف تَقْدِيره ثُمَّ أَرْكَبَهُ الْبُرَاق إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ أَتَى بِالْمِعْرَاجِ كَمَا فِي حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة "" فَغُسِلَ بِهِ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيد ثُمَّ أُتِيت بِدَابَّةٍ فَحُمِلْت عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيل حَتَّى أَتَى السَّمَاء الدُّنْيَا "" وَفِي سِيَاقه أَيْضًا حَذْف تَقْدِيره "" حَتَّى أَتَى بِي بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ أَتَى بِالْمِعْرَاجِ "" كَمَا فِي رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس رَفَعَهُ : "" أُتِيت بِالْبُرَاقِ فَرَكِبْته حَتَّى أَتَى بِي بَيْت الْمَقْدِس فَرَبَطْته , ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاء "". ‏ ‏قَوْله ( فَاسْتَبْشَرَ بِهِ أَهْل السَّمَاء ) ‏ ‏كَأَنَّهُمْ كَانُوا أُعْلِمُوا أَنَّهُ سَيُعْرَجُ بِهِ فَكَانُوا مُتَرَقِّبِينَ لِذَلِكَ. ‏ ‏قَوْله ( لَا يَعْلَم أَهْل السَّمَاء بِمَا يُرِيد ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" مَا يُرِيد "" ( اللَّه بِهِ فِي الْأَرْض حَتَّى يُعْلِمهُمْ ) أَيْ عَلَى لِسَان مَنْ شَاءَ كَجِبْرِيل. ‏ ‏قَوْله ( فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ ) ‏ ‏أَيْ يَجْرِيَانِ , وَظَاهِر هَذَا يُخَالِف حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة , فَإِنَّ فِيهِ بَعْد ذِكْر سِدْرَة الْمُنْتَهَى "" فَإِذَا فِي أَصْلهَا أَرْبَعَة أَنْهَار "" وَيُجْمَع بِأَنَّ أَصْل نَبْعهمَا مِنْ تَحْت سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَمَقَرّهمَا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَمِنْهَا يَنْزِلَانِ إِلَى الْأَرْض , وَوَقَعَ هُنَا "" النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهَا "" وَالْعُنْصُر بِضَمِّ الْعَيْن وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنهمَا نُون سَاكِنَة هُوَ الْأَصْل. ‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَر عَلَيْهِ قَصْر مِنْ لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضَرَبَ يَده ) ‏ ‏أَيْ فِي النَّهَر ‏ ‏( فَإِذَا هُوَ ) ‏ ‏أَيْ طِينه ‏ ‏( مِسْك أَذْفَر قَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خَبَأَ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة مَهْمُوز أَيْ ادَّخَرَ ( لَك رَبّك ) وَهَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَل مِنْ رِوَايَة شَرِيك فَإِنَّ الْكَوْثَر فِي الْجَنَّة وَالْجَنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة , وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ حَدِيث حُمَيْدٍ الطَّوِيل عَنْ أَنَس رَفَعَهُ "" دَخَلْت الْجَنَّة فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ خِيَام اللُّؤْلُؤ فَضَرَبْت بِيَدَي فِي مَجْرَى مِائَة فَإِذَا مِسْك أَذْفَر فَقَالَ جِبْرِيل هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك اللَّه تَعَالَى "" وَأَصْل هَذَا الْحَدِيث عِنْد الْبُخَارِيّ بِنَحْوِهِ , وَقَدْ مَضَى فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ عَنْ أَنَس لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْر الْجَنَّة , وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ وَلَفْظه "" لَمَّا عُرِجَ بِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ لَهُ فِي الْجَنَّة نَهَر "" الْحَدِيث , وَيُمْكِن أَنْ يَكُون فِي هَذَا الْمَوْضِع شَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره : ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى السَّابِعَة فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ. ‏ ‏قَوْله ( كُلّ سَمَاء فِيهَا أَنْبِيَاء قَدْ سَمَّاهُمْ فَوَعَيْت مِنْهُمْ إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة , وَهَارُون فِي الرَّابِعَة , وَآخَر فِي الْخَامِسَة وَلَمْ أَحْفَظ اِسْمه , وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة , وَمُوسَى فِي السَّابِعَة ) ‏ ‏كَذَا فِي رِوَايَة شَرِيك , وَفِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ أَنَس فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَات آدَم وَإِدْرِيس وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيم , وَلَمْ يَثْبُت كَيْف مَنَازِلهمْ غَيْر أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَم فِي السَّمَاء الدُّنْيَا , وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّادِسَة اِنْتَهَى. وَهَذَا مُوَافِق لِرِوَايَةِ شَرِيك فِي إِبْرَاهِيم وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِرِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , وَقَدْ قَدَّمْت فِي شَرْحه أَنَّ الْأَكْثَر وَافَقُوا قَتَادَةَ وَسِيَاقه يَدُلّ عَلَى رُجْحَان رِوَايَته فَإِنَّهُ ضَبَطَ اِسْم كُلّ نَبِيّ وَالسَّمَاء الَّتِي هُوَ فِيهَا وَوَافَقَهُ ثَابِت عَنْ أَنَس وَجَمَاعَة ذَكَرْتهمْ هُنَاكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَد لَكِنْ إِنْ قُلْنَا إِنَّ الْقِصَّة تَعَدَّدَتْ فَلَا تَرْجِيح وَلَا إِشْكَال. ‏ ‏قَوْله ( وَمُوسَى فِي السَّابِعَة بِفَضْلِ كَلَامه لِلَّهِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيِّ "" بِتَفْضِيلِ كَلَام اللَّه "" وَهِيَ رِوَايَة الْأَكْثَر , وَهِيَ مُرَاد التَّرْجَمَة وَالْمُطَابِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ) وَهَذَا التَّعْلِيق يَدُلّ عَلَى أَنَّ شَرِيكًا ضَبَطَ كَوْن مُوسَى فِي السَّمَاء السَّابِعَة , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ حَدِيث أَبِي ذَرّ يُوَافِقهُ ; لَكِنَّ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات أَنَّ الَّذِي فِي السَّابِعَة هُوَ إِبْرَاهِيم , وَأَكَّدَ ذَلِكَ فِي حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة بِأَنَّهُ كَانَ مُسْنِدًا ظَهْره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور فَمَعَ التَّعَدُّد لَا إِشْكَال وَمَعَ الِاتِّحَاد فَقَدْ جُمِعَ بِأَنَّ مُوسَى كَانَ فِي حَالَة الْعُرُوج فِي السَّادِسَة وَإِبْرَاهِيم فِي السَّابِعَة عَلَى ظَاهِر حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة وَعِنْد الْهُبُوط كَانَ مُوسَى فِي السَّابِعَة ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر فِي الْقِصَّة أَنَّ إِبْرَاهِيم كَلَّمَهُ فِي شَيْء مِمَّا يَتَعَلَّق بِمَا فَرَضَ اللَّه عَلَى أُمَّته مِنْ الصَّلَاة كَمَا كَلَّمَهُ مُوسَى , وَالسَّمَاء السَّابِعَة هِيَ أَوَّل شَيْء اِنْتَهَى إِلَيْهِ حَالَة الْهُبُوط فَنَاسَبَ أَنْ يَكُون مُوسَى بِهَا ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَبَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي جَمِيع الرِّوَايَات , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لَقِيَ مُوسَى فِي السَّادِسَة فَأُصْعِدَ مَعَهُ إِلَى السَّابِعَة تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى غَيْره مِنْ أَجْل كَلَام اللَّه تَعَالَى , وَظَهَرَتْ فَائِدَة ذَلِكَ فِي كَلَامه مَعَ الْمُصْطَفَى فِيمَا يَتَعَلَّق بِأَمْرِ أُمَّته فِي الصَّلَاة , وَقَدْ أَشَارَ النَّوَوِيّ إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى. ‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ مُوسَى رَبّ لَمْ أَظُنّ أَنْ تَرْفَع عَلَيَّ أَحَدًا ) ‏ ‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة فِي تَرْفَع وَأَحَدًا بِالنَّصْبِ , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" أَنْ يُرْفَع "" بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّة أَوَّله وَاحِد بِالرَّفْعِ , قَالَ اِبْن بَطَّال : فَهِمَ مُوسَى مِنْ اِخْتِصَاصه بِكَلَامِ اللَّه تَعَالَى لَهُ فِي الدُّنْيَا دُون غَيْره مِنْ الْبَشَر لِقَوْلِهِ ( إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ) أَنَّ الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا الْبَشَر كُلّهمْ وَأَنَّهُ اِسْتَحَقَّ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُرْفَع أَحَد عَلَيْهِ , فَلَمَّا فَضَّلَ اللَّه مُحَمَّدًا عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الْمَقَام الْمَحْمُود وَغَيْره اِرْتَفَعَ عَلَى مُوسَى وَغَيْره بِذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الِاخْتِلَاف فِي أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء كَلَّمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاسِطَة أَوْ بِوَاسِطَةٍ , وَالْخِلَاف فِي وُقُوع الرُّؤْيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ رَأْسه أَوْ بِعَيْنِ قَلْبه فِي الْيَقَظَة أَوْ فِي الْمَنَام , وَقَدْ مَضَى بَيَان الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِير سُورَة النَّجْم بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَته. ‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْق ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى ) ‏ ‏كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة شَرِيك وَهُوَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ غَيْره , فَإِنَّ الْجُمْهُور عَلَى أَنَّ سِدْرَة الْمُنْتَهَى فِي السَّابِعَة , وَعِنْد بَعْضهمْ فِي السَّادِسَة , وَقَدْ قَدَّمْت وَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا عِنْد شَرْحه , وَلَعَلَّ فِي السِّيَاق تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا , وَكَانَ ذِكْر سِدْرَة الْمُنْتَهَى قَبْل ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْق ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ "" ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْت بِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيف الْأَقْلَام "" وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِير الْمُسْتَوَى وَالصَّرِيف عِنْد شَرْحه فِي أَوَّل "" كِتَاب الصَّلَاة "" وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَيْمُون بْن سِيَاهٍ عَنْ أَنَس عِنْد الطَّبَرِيِّ بَعْد ذِكْر إِبْرَاهِيم فِي السَّابِعَة "" فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ "" فَذَكَرَ أَمْر الْكَوْثَر قَالَ "" ثُمَّ خَرَجَ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى "" وَهَذَا مُوَافِق لِلْجُمْهُورِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الرِّوَايَة مِنْ الْعُلُوّ الْبَالِغ لِسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى صِفَة أَعْلَاهَا وَمَا تَقَدَّمَ صِفَة أَصْلهَا. ‏ ‏قَوْله ( وَدَنَا الْجَبَّار رَبّ الْعِزَّة فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مَيْمُون الْمَذْكُورَة "" فَدَنَا رَبّك عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى "" قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَاب - يَعْنِي صَحِيح الْبُخَارِيّ - حَدِيث أَشْنَع ظَاهِرًا وَلَا أَشْنَع مَذَاقًا مِنْ هَذَا الْفَصْل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَحْدِيد الْمَسَافَة بَيْن أَحَد الْمَذْكُورَيْنِ وَبَيْن الْآخَر وَتَمْيِيز مَكَان كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا , هَذَا إِلَى مَا فِي التَّدَلِّي مِنْ التَّشْبِيه وَالتَّمْثِيل لَهُ بِالشَّيْءِ الَّذِي تَعَلَّقَ مِنْ فَوْق إِلَى أَسْفَل , قَالَ : فَمَنْ لَمْ يَبْلُغهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيث إِلَّا هَذَا الْقَدْر مَقْطُوعًا عَنْ غَيْره وَلَمْ يَعْتَبِرهُ بِأَوَّلِ الْقِصَّة وَآخِرهَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَجْهه وَمَعْنَاهُ وَكَانَ قُصَارَاهُ مَا رَدَّ الْحَدِيث مِنْ أَصْله , وَأَمَّا الْوُقُوع فِي التَّشْبِيه وَهُمَا خُطَّتَانِ مَرْغُوب عَنْهُمَا , وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَ أَوَّل الْحَدِيث بِآخِرِهِ فَإِنَّهُ يَزُول عَنْهُ الْإِشْكَال فَإِنَّهُ مُصَرَّح فِيهِمَا بِأَنَّهُ كَانَ رُؤْيَا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّله "" وَهُوَ نَائِم "" وَفِي آخِره "" اِسْتَيْقَظَ "" وَبَعْض الرُّؤْيَا مَثَل يُضْرَب لِيُتَأَوَّل عَلَى الْوَجْه الَّذِي يَجِب أَنْ يُصْرَف إِلَيْهِ مَعْنَى التَّعْبِير فِي مِثْله , وَبَعْض الرُّؤْيَا لَا يَحْتَاج إِلَى ذَلِكَ بَلْ يَأْتِي كَالْمُشَاهَدَةِ. قُلْت : وَهُوَ كَمَا قَالَ , وَلَا اِلْتِفَات إِلَى مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامه بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : إِنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاء وَحْي فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير ; لِأَنَّهُ كَلَام مَنْ لَمْ يُمْعِن النَّظَر فِي هَذَا الْمَحَلّ , فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "" كِتَاب التَّعْبِير "" أَنَّ بَعْض مَرْأَى الْأَنْبِيَاء يَقْبَل التَّعْبِير , وَتَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَة ذَلِكَ قَوْل الصَّحَابَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُؤْيَة الْقَمِيص فَمَا أَوَّلْته يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : الدِّين , وَفِي رُؤْيَة اللَّبَن ؟ قَالَ : الْعِلْم , إِلَى غَيْر ذَلِكَ لَكِنْ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَنَام مُتَعَقَّب بِمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره قَبْل , ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُشِيرًا إِلَى رَفْع الْحَدِيث مِنْ أَصْله بِأَنَّ الْقِصَّة بِطُولِهَا إِنَّمَا هِيَ حِكَايَة يَحْكِيهَا أَنَس مِنْ تِلْقَاء نَفْسه لَمْ يَعْزُهَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَقَلَهَا عَنْهُ وَلَا أَضَافَهَا إِلَى قَوْله , فَحَاصِل الْأَمْر فِي النَّقْل أَنَّهَا مِنْ جِهَة الرَّاوِي إِمَّا مِنْ أَنَس وَإِمَّا مِنْ شَرِيك فَإِنَّهُ كَثِير التَّفَرُّد بِمَنَاكِير الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا يُتَابِعهُ عَلَيْهَا سَائِر الرُّوَاة اِنْتَهَى , وَمَا نَفَاهُ مِنْ أَنَّ أَنَسًا لَمْ يُسْنِد هَذِهِ الْقِصَّة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَأْثِير لَهُ , فَأَدْنَى أَمْره فِيهَا أَنْ يَكُون مُرْسَل صَحَابِيّ فَإِمَّا أَنْ يَكُون تَلَقَّاهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ صَحَابِيّ تَلَقَّاهَا عَنْهُ , وَمِثْل مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ لَا يُقَال بِالرَّأْيِ فَيَكُون لَهَا حُكْم الرَّفْع , وَلَوْ كَانَ لِمَا ذَكَرَهُ تَأْثِير لَمْ يُحْمَل حَدِيث أَحَد رَوَى مِثْل ذَلِكَ عَلَى الرَّفْع أَصْلًا وَهُوَ خِلَاف عَمَل الْمُحَدِّثِينَ قَاطِبَة , فَالتَّعْلِيل بِذَلِكَ مَرْدُود , ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مِنْ نِسْبَة التَّدَلِّي لِلْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ مُخَالِف لِعَامَّةِ السَّلَف وَالْعُلَمَاء وَأَهْل التَّفْسِير مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ وَمَنْ تَأَخَّرَ , قَالَ : وَاَلَّذِي قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال. ‏ ‏أَحَدهَا : أَنَّهُ دَنَا جِبْرِيل مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى أَيْ تَقَرَّبَ مِنْهُ , وَقِيلَ هُوَ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير : أَيْ تَدَلَّى فُلَانًا ; لِأَنَّ التَّدَلِّي بِسَبَبِ الدُّنُوّ , الثَّانِي تَدَلَّى لَهُ جِبْرِيل بَعْد الِانْتِصَاب وَالِارْتِفَاع حَتَّى رَآهُ مُتَدَلِّيًا كَمَا رَآهُ مُرْتَفِعًا , وَذَلِكَ مِنْ آيَات اللَّه حَيْثُ أَقْدَرَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَلَّى فِي الْهَوَاء مِنْ غَيْر اِعْتِمَاد عَلَى شَيْء وَلَا تَمَسُّك بِشَيْءٍ , الثَّالِث : دَنَا جِبْرِيل فَتَدَلَّى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا لِرَبِّهِ تَعَالَى شُكْرًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ , قَالَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَنَس مِنْ غَيْر طَرِيق شَرِيك فَلَمْ يَذْكُر فِيهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظ الشَّنِيعَة , وَذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي الظَّنّ أَنَّهَا صَادِرَة مِنْ جِهَة شَرِيك اِنْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ الْأُمَوِيّ فِي مَغَازِيه وَمِنْ طَرِيقه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَة أُخْرَى ) قَالَ دَنَا مِنْهُ رَبّه , وَهَذَا سَنَد حَسَن وَهُوَ شَاهِد قَوِيّ لِرِوَايَةِ شَرِيك , ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيّ : وَفِي هَذَا الْحَدِيث لَفْظَة أُخْرَى تَفَرَّدَ بِهَا شَرِيك أَيْضًا لَمْ يَذْكُرهَا غَيْره وَهِيَ قَوْله : "" فَعَلَا بِهِ - يَعْنِي جِبْرِيل - إِلَى الْجَبَّار تَعَالَى فَقَالَ وَهُوَ مَكَانه : يَا رَبّ خَفِّفْ عَنَّا "" قَالَ وَالْمَكَان لَا يُضَاف إِلَى اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ مَكَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامه الْأَوَّل الَّذِي قَامَ فِيهِ قَبْل هُبُوطه اِنْتَهَى , وَهَذَا الْأَخِير مُتَعَيَّن وَلَيْسَ فِي السِّيَاق تَصْرِيح بِإِضَافَةِ الْمَكَان إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَأَمَّا مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ مُخَالَفَة السَّلَف وَالْخَلَف لِرِوَايَةِ شَرِيك عَنْ أَنَس فِي التَّدَلِّي فَفِيهِ نَظَر , فَقَدْ ذَكَرْت مَنْ وَافَقَهُ , وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ "" دَنَا اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى "" قَالَ وَالْمَعْنَى دَنَا أَمْره وَحُكْمه , وَأَصْلُ التَّدَلِّي النُّزُول إِلَى الشَّيْء حَتَّى يَقْرُب مِنْهُ , قَالَ : وَقِيلَ تَدَلَّى الرَّفْرَف لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَيْهِ , ثُمَّ دَنَا مُحَمَّد مِنْ رَبّه اِنْتَهَى , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير سُورَة النَّجْم مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيث فِي أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ "" رَآهُ "" أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيل لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح , وَمَضَى بَسْط الْقَوْل فِي ذَلِكَ هُنَاكَ , وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْو ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : فَاتَّفَقَتْ رِوَايَات هَؤُلَاءِ عَلَى ذَلِكَ , وَيُعَكِّر عَلَيْهِ قَوْله بَعْد ذَلِكَ "" فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى "" ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْحَسَن أَنَّ الضَّمِير فِي عَبْده لِجِبْرِيل , وَالتَّقْدِير : فَأَوْحَى اللَّه إِلَى جِبْرِيل , وَعَنْ الْفَرَّاء التَّقْدِير : فَأَوْحَى جِبْرِيل إِلَى عَبْد اللَّه مُحَمَّد مَا أَوْحَى , وَقَدْ أَزَالَ الْعُلَمَاء إِشْكَاله فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء : إِضَافَة الدُّنُوّ وَالْقُرْب إِلَى اللَّه تَعَالَى أَوْ مِنْ اللَّه لَيْسَ دُنُوّ مَكَان وَلَا قُرْب زَمَان وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبَانَة لِعَظِيمِ مَنْزِلَته وَشَرِيف رُتْبَته , وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَأْنِيس لِنَبِيِّهِ وَإِكْرَام لَهُ , وَيُتَأَوَّل فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي حَدِيث : يَنْزِل رَبُّنَا إِلَى السَّمَاء , وَكَذَا فِي حَدِيث : مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْت مِنْهُ ذِرَاعًا , وَقَالَ غَيْره : الدُّنُوّ مَجَاز عَنْ الْقُرْب الْمَعْنَوِيّ لِإِظْهَارِ عَظِيم مَنْزِلَته عِنْد رَبّه تَعَالَى , وَالتَّدَلِّي طَلَب زِيَادَة الْقُرْب , وَقَابَ قَوْسَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِبَارَة عَنْ لُطْف الْمَحَلّ وَإِيضَاح الْمَعْرِفَة وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّه إِجَابَة سُؤَاله وَرَفْع دَرَجَته , وَقَالَ عَبْد الْحَقّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ زَادَ فِيهِ - يَعْنِي شَرِيكًا - زِيَادَة مَجْهُولَة وَأَتَى فِيهِ بِأَلْفَاظِ غَيْر مَعْرُوفَة , وَقَدْ رَوَى الْإِسْرَاء جَمَاعَة مِنْ الْحُفَّاظ فَلَمْ يَأْتِ أَحَد مِنْهُمْ بِمَا أَتَى بِهِ شَرِيك , وَشَرِيك لَيْسَ بِالْحَافِظِ وَسَبَقَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم فِيمَا حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل بْن طَاهِر فِي جُزْء جَمَعَهُ سَمَّاهُ "" الِانْتِصَار لِأَيَامَى الْأَمْصَار "" فَنَقَلَ فِيهِ عَنْ الْحُمَيْدِيّ عَنْ اِبْن حَزْم قَالَ : لَمْ نَجِد لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئًا لَا يَحْتَمِل مَخْرَجًا إِلَّا حَدِيثَيْنِ ثُمَّ غَلَبَهُ فِي تَخْرِيجه الْوَهْم مَعَ إِتْقَانهمَا وَصِحَّة مَعْرِفَتهمَا فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث , وَقَالَ : فِيهِ أَلْفَاظ مُعْجَمَة وَالْآفَة مِنْ شَرِيك مِنْ ذَلِكَ قَوْله قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ فُرِضَ عَلَيْهِ الصَّلَاة قَالَ : وَهَذَا لَا خِلَاف بَيْن أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم إِنَّمَا كَانَ قَبْل الْهِجْرَة بِسَنَةٍ وَبَعْد أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِنَحْوِ اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة , ثُمَّ قَوْله "" إِنَّ الْجَبَّار دَنَا فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى "" وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا تَقُول : إِنَّ الَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى جِبْرِيل اِنْتَهَى , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ , وَقَالَ أَبُو الْفَضْل بْن طَاهِر : تَعْلِيل الْحَدِيث بِتَفَرُّدِ شَرِيك , وَدَعْوَى اِبْن حَزْم أَنَّ الْآفَة مِنْهُ شَيْء لَمْ يُسْبَق إِلَيْهِ فَإِنَّ شَرِيكًا قَبِلَهُ أَئِمَّة الْجَرْح وَالتَّعْدِيل وَوَثَّقُوهُ وَرَوَوْا عَنْهُ وَأَدْخَلُوا حَدِيثه فِي تَصَانِيفهمْ وَاحْتَجُّوا بِهِ , وَرَوَى عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الدَّوْرَقِيّ وَعُثْمَان الدَّارِمِيُّ وَعَبَّاس الدَّوْرِيّ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين لَا بَأْس بِهِ , وَقَالَ اِبْن عَدِيٍّ مَشْهُور مِنْ أَهْل الْمَدِينَة حَدَّثَ عَنْهُ مَالِك وَغَيْره مِنْ الثِّقَات , وَحَدِيثه إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَة لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَنْ يَرْوِي عَنْهُ ضَعِيف , قَالَ اِبْن طَاهِر : وَحَدِيثه هَذَا رَوَاهُ عَنْهُ ثِقَة وَهُوَ سُلَيْمَان بْن بِلَال , قَالَ وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيم تَفَرُّده قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ لَا يَقْتَضِي طَرْح حَدِيثه فَوَهْم الثِّقَة فِي مَوْضِع مِنْ الْحَدِيث لَا يُسْقِط جَمِيع الْحَدِيث وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْوَهْم لَا يَسْتَلْزِم اِرْتِكَاب مَحْذُور وَلَوْ تُرِكَ حَدِيث مَنْ وَهَمَ فِي تَارِيخ لَتُرِكَ حَدِيث جَمَاعَة مِنْ أَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ , وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُول بَعْد أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَالَ قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ اِنْتَهَى , وَقَدْ سَبَقَ إِلَى التَّنْبِيه عَلَى مَا فِي رِوَايَة شَرِيك مِنْ الْمُخَالَفَة مُسْلِم فِي صَحِيحه فَإِنَّهُ قَالَ بَعْد أَنْ سَاقَ سَنَده وَبَعْض الْمَتْن , ثُمَّ قَالَ : فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ وَسَبَقَ اِبْن حَزْم أَيْضًا إِلَى الْكَلَام فِي شَرِيك أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ كَمَا قَدَّمْته , وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو مُحَمَّد بْن الْجَارُود : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَكَانَ يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان لَا يُحَدِّث عَنْهُ , نَعَمْ قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد وَأَبُو دَاوُدَ : ثِقَة فَهُوَ مُخْتَلَف فِيهِ فَإِذَا تَفَرَّدَ عُدَّ مَا يَنْفَرِد بِهِ شَاذًّا وَكَذَا مُنْكَرًا عَلَى رَأْي مَنْ يَقُول : الْمُنْكَر وَالشَّاذّ شَيْء وَاحِد , وَالْأَوْلَى اِلْتِزَام وُرُود الْمَوَاضِع الَّتِي خَالَفَ فِيهَا غَيْره , وَالْجَوَاب عَنْهَا إِمَّا بِدَفْعِ تَفَرُّده وَإِمَّا بِتَأْوِيلِهِ عَلَى وِفَاق الْجَمَاعَة , وَمَجْمُوع مَا خَالَفَتْ فِيهِ رِوَايَة شَرِيك غَيْره مِنْ الْمَشْهُورِينَ عَشَرَة أَشْيَاء بَلْ تَزِيد عَلَى ذَلِكَ , ‏ ‏الْأَوَّل : أَمْكِنَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي السَّمَاوَات وَقَدْ أَفْصَحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِط مَنَازِلهمْ وَقَدْ وَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِي بَعْض مَا ذَكَرَ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّل "" كِتَاب الصَّلَاة "". ‏ ‏وَالثَّانِي : كَوْن الْمِعْرَاج قَبْل الْبَعْثَة وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ , وَأَجَابَ بَعْضهمْ عَنْ قَوْله "" قَبْل أَنْ يُوحَى "" بِأَنَّ الْقَبْلِيَّة هُنَا فِي أَمْر مَخْصُوص وَلَيْسَتْ مُطْلَقَة وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُون الْمَعْنَى قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْن الْإِسْرَاء وَالْمِعْرَاج مَثَلًا أَيْ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَغْتَة قَبْل أَنْ يُنْذَر بِهِ , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ : فُرِجَ سَقْف بَيْتِي , ‏ ‏الثَّالِث : كَوْنه مَنَامًا وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْهُ أَيْضًا بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ. ‏ ‏الرَّابِع : مُخَالَفَته فِي مَحَلّ سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَأَنَّهَا فَوْق السَّمَاء السَّابِعَة بِمَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , وَالْمَشْهُور أَنَّهَا فِي السَّابِعَة أَوْ السَّادِسَة كَمَا تَقَدَّمَ. ‏ ‏الْخَامِس : مُخَالَفَته فِي النَّهَرَيْنِ وَهُمَا النِّيل وَالْفُرَات وَأَنَّ عُنْصُرهمَا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَالْمَشْهُور فِي غَيْر رِوَايَته أَنَّهُمَا فِي السَّمَاء السَّابِعَة وَأَنَّهُمَا مِنْ تَحْت سِدْرَة الْمُنْتَهَى , ‏ ‏السَّادِس : شَقّ الصَّدْر عِنْد الْإِسْرَاء وَقَدْ وَافَقَتْهُ رِوَايَة غَيْره كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْح رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ أَنَس عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , وَقَدْ أَشَرْت إِلَيْهِ أَيْضًا هُنَا. ‏ ‏السَّابِع : ذَكَرَ نَهَر الْكَوْثَر فِي السَّمَاء الدُّنْيَا , وَالْمَشْهُور فِي الْحَدِيث أَنَّهُ فِي الْجَنَّة كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ , ‏ ‏الثَّامِن : نِسْبَة الدُّنُوّ وَالتَّدَلِّي إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَشْهُور فِي الْحَدِيث أَنَّهُ جِبْرِيل كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ , ‏ ‏التَّاسِع : تَصْرِيحه بِأَنَّ اِمْتِنَاعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرُّجُوع إِلَى سُؤَال رَبّه التَّخْفِيف كَانَ عِنْد الْخَامِسَة , وَمُقْتَضَى رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ بَعْد التَّاسِعَةِ , ‏ ‏الْعَاشِر : قَوْله "" فَعَلَا بِهِ الْجَبَّار فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ "" وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ , ‏ ‏الْحَادِي عَشَر : رُجُوعه بَعْد الْخَمْس , وَالْمَشْهُور فِي الْأَحَادِيث أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ بَعْد أَنْ اِنْتَهَى التَّخْفِيف إِلَى الْخَمْس فَامْتَنَعَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ. ‏ ‏الثَّانِي عَشَر : زِيَادَة ذِكْر التَّوْر فِي الطَّسْت , وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فَهَذِهِ أَكْثَر مِنْ عَشَرَة مَوَاضِع فِي هَذَا الْحَدِيث لَمْ أَرَهَا مَجْمُوعَة فِي كَلَام أَحَد مِمَّنْ تَقَدَّمَ , وَقَدْ بَيَّنْت فِي كُلّ وَاحِد إِشْكَال مَنْ اِسْتَشْكَلَهُ وَالْجَوَاب عَنْهُ إِنْ أَمْكَنَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق , وَقَدْ جَزَمَ اِبْن الْقَيِّم فِي الْهَدْي بِأَنَّ فِي رِوَايَة شَرِيك عَشَرَة أَوْهَام لَكِنْ عَدَّ مُخَالَفَته لِمَحَالّ الْأَنْبِيَاء أَرْبَعَة مِنْهَا وَأَنَا جَعَلْتهَا وَاحِدَة فَعَلَى طَرِيقَته تَزِيد الْعِدَّة ثَلَاثَة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق. ‏ ‏قَوْله ( مَاذَا عَهِدَ إِلَيْك رَبّك ) ‏ ‏أَيْ أَمَرَك أَوْ أَوْصَاك ‏ ‏( قَالَ عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة ) ‏ ‏فِيهِ حَذْف تَقْدِيره عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ أُصَلِّي وَآمُر أُمَّتِي أَنْ يُصَلُّوا خَمْسِينَ صَلَاة , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان اِخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي هَذَا الْمَوْضِع فِي أَوَّل "" كِتَاب الصَّلَاة "". ‏ ‏قَوْله ( فَالْتَفَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيل كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرهُ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيل أَيْ نَعَمْ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة "" أَنْ نَعَمْ "" وَأَنْ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيف مُفَسِّرَة فَهِيَ فِي الْمَعْنَى هُنَا مِثْل أَيْ وَهِيَ بِالتَّخْفِيفِ. ‏ ‏قَوْله ( إِنْ شِئْت ) ‏ ‏يُقَوِّي مَا ذَكَرْته فِي "" كِتَاب الصَّلَاة "" أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ أَنَّ الْأَمْر بِالْخَمْسِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيل الْحَتْم. ‏ ‏قَوْله ( فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّار ) ‏ ‏تَقَدَّمَ مَا فِيهِ عِنْد شَرْح قَوْله فَتَدَلَّى , وَقَوْله "" فَقَالَ وَهُوَ مَكَانه "" تَقَدَّمَ أَيْضًا بَحْث الْخَطَّابِيّ فِيهِ وَجَوَابه. ‏ ‏قَوْله ( وَاَللَّه لَقَدْ رَاوَدْت بَنِي إِسْرَائِيل قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذِهِ ) ‏ ‏أَيْ الْخَمْس , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" مِنْ هَذَا "" أَيْ الْقَدْر ( فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ ) أَمَّا قَوْله "" رَاوَدْت "" فَهُوَ مِنْ الرَّوْد مِنْ رَادَ يَرُود إِذَا طَلَبَ الْمَرْعَى وَهُوَ الرَّائِد , ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِيمَا يُرِيد الرِّجَال مِنْ النِّسَاء , وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلّ مَطْلُوب وَأَمَّا قَوْله "" أَدْنَى "" فَالْمُرَاد بِهِ أَقَلّ , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس فِي تَفْسِير اِبْن مَرْدَوَيْهِ تَعْيِين ذَلِكَ وَلَفْظه : فَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل صَلَاتَانِ فَمَا قَامُوا بِهِمَا. ‏ ‏قَوْله ( فَأُمَّتُك ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" وَأُمَّتك "" , ‏ ‏( أَضْعَف أَجْسَادًا ) ‏ ‏أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل. ‏ ‏قَوْله ( أَضْعَف أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا ) ‏ ‏الْأَجْسَام وَالْأَجْسَاد سَوَاء , وَالْجِسْم وَالْجَسَد جَمِيع الشَّخْص وَالْأَجْسَام أَعَمّ مِنْ الْأَبْدَان ; لِأَنَّ الْبَدَن مِنْ الْجَسَد مَا سِوَى الرَّأْس وَالْأَطْرَاف , وَقِيلَ الْبَدَن أَعَالِي الْجَسَد دُون أَسَافِله. ‏ ‏قَوْله ( كُلّ ذَلِكَ يَلْتَفِت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيل ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "" يَتَلَفَّت "" بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاة وَتَشْدِيد الْفَاء. ‏ ‏قَوْله ( فَرَفَعَهُ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ "" يَرْفَعهُ "" وَالْأَوَّل أَوْلَى. ‏ ‏قَوْله ( عِنْد الْخَامِسَة ) ‏ ‏هَذَا التَّنْصِيص عَلَى الْخَامِسَة عَلَى أَنَّهَا الْأَخِيرَة يُخَالِف رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ كُلّ مَرَّة خَمْسًا وَأَنَّ الْمُرَاجَعَة كَانَتْ تِسْع مَرَّات , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ وَرُجُوع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد تَقْرِير الْخَمْس لِطَلَبِ التَّخْفِيف مِمَّا وَقَعَ مِنْ تَفَرُّدَاتِ شَرِيك فِي هَذِهِ الْقِصَّة , وَالْمَحْفُوظ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُوسَى فِي الْأَخِيرَة اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي , وَهَذَا أَصَرْحُ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ فِي الْأَخِيرَة "" وَأَنَّ الْجَبَّار سُبْحَانه وَتَعَالَى قَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد , قَالَ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك , قَالَ : إِنَّهُ لَا يُبَدَّل الْقَوْلُ لَدَيَّ "" وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ الدَّاوُدِيّ فِيمَا نَقَلَهُ اِبْن التِّين فَقَالَ : الرُّجُوع الْأَخِير لَيْسَ بِثَابِتٍ وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَات أَنَّهُ قَالَ "" اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي فَنُودِيَ أَمْضَيْت فَرِيضَتِي وَخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي "" وَقَوْله هُنَا "" فَقَالَ مُوسَى اِرْجِعْ إِلَى رَبّك "" قَالَ الدَّاوُدِيّ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ مُوسَى قَالَ لَهُ : اِرْجِعْ إِلَى رَبّك بَعْد أَنْ قَالَ : لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ. وَلَا يَثْبُت لِتَوَاطُئِ الرِّوَايَات عَلَى خِلَافه , وَمَا كَانَ مُوسَى لِيَأْمُرهُ بِالرُّجُوعِ بَعْد أَنْ يَقُول اللَّه تَعَالَى لَهُ ذَلِكَ اِنْتَهَى , وَأَغْفَلَ الْكَرْمَانِيُّ رِوَايَة ثَابِت فَقَالَ إِذَا خُفِّفَتْ فِي كُلّ مَرَّة عَشَرَة كَانَتْ الْأَخِيرَة سَادِسَة فَيُمْكِن أَنْ يُقَال لَيْسَ فِيهِ حَصْر لِجَوَازِ أَنْ يُخَفِّف بِمَرَّةٍ وَاحِدَة خَمْس عَشْرَة أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر. ‏ ‏قَوْله ( لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ ) ‏ ‏تَمَسَّكَ مَنْ أَنْكَرَ النَّسْخ وَرُدَّ بِأَنَّ النَّسْخ بَيَان اِنْتِهَاء الْحُكْم فَلَا يَلْزَم مِنْهُ تَبْدِيل الْقَوْل. ‏ ‏قَوْله فِي الْأَخِيرَة ( قَدْ وَاَللَّه رَاوَدْت إِلَخْ ) ‏ ‏رَاوَدْت يَتَعَلَّق بِقَدْ وَالْقَسَم مُقْحَم بَيْنهمَا لِإِرَادَةِ التَّأْكِيد فَقَدْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ "" وَاَللَّه لَقَدْ رَاوَدْت بَنِي إِسْرَائِيل "". ‏ ‏قَوْله ( قَالَ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّه ) ‏ ‏ظَاهِر السِّيَاق أَنَّ مُوسَى هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَاَللَّه اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي مِمَّا اِخْتَلَفْت إِلَيْهِ , قَالَ : فَاهْبِطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ الَّذِي قَالَ لَهُ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّه هُوَ جِبْرِيل , وَبِذَلِكَ جَزَمَ الدَّاوُدِيّ. ‏ ‏قَوْله ( فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ) ‏ ‏قَالَ الْقُرْطُبِيّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِسْتِيقَاظًا مِنْ نَوْمَة نَامَهَا بَعْد الْإِسْرَاء ; لِأَنَّ إِسْرَاءَهُ لَمْ يَكُنْ طُول لَيْلَته وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَعْضهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى أَفَقْت مِمَّا كُنْت فِيهِ مِمَّا خَامَرَ بَاطِنه مِنْ مُشَاهَدَة الْمَلَأ الْأَعْلَى ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى ) فَلَمْ يَرْجِع إِلَى حَال بَشَرِيَّته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام , وَأَمَّا قَوْله فِي أَوَّله "" بَيْنَا أَنَا نَائِم "" فَمُرَاده فِي أَوَّل الْقِصَّة وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ اِبْتَدَأَ نَوْمه فَأَتَاهُ الْمَلَك فَأَيْقَظَهُ , وَفِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى "" بَيْنَا أَنَا بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان أَتَانِي الْمَلَك "" إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اِسْتَحْكَمَ فِي نَوْمه اِنْتَهَى. وَهَذَا كُلّه يَنْبَنِي عَلَى تَوَحُّد الْقِصَّة , وَإِلَّا فَمَتَى حُمِلَتْ عَلَى التَّعَدُّد بِأَنْ كَانَ الْمِعْرَاج مَرَّة فِي الْمَنَام وَأُخْرَى فِي الْيَقَظَة فَلَا يَحْتَاج لِذَلِكَ. ‏ ‏( تَنْبِيهٌ ) : ‏ ‏قِيلَ اِخْتَصَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذَا دُون غَيْره مِمَّنْ لَقِيَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء مِنْ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام ; لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ تَلَقَّاهُ عِنْد الْهُبُوط ; وَلِأَنَّ أُمَّته أَكْثَر مِنْ أُمَّة غَيْره ; وَلِأَنَّ كِتَابه أَكْبَر الْكُتُب الْمُنَزَّلَة قَبْل الْقُرْآن تَشْرِيعًا وَأَحْكَامًا , أَوْ ; لِأَنَّ أُمَّة مُوسَى كَانُوا كُلِّفُوا مِنْ الصَّلَاة مَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ فَخَافَ مُوسَى عَلَى أُمَّة مُحَمَّد مِثْل ذَلِكَ , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ "" فَإِنِّي بَلَوْت بَنِي إِسْرَائِيل "" قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُ أَوَّل مَنْ لَاقَاهُ بَعْد الْهُبُوط فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ حَدِيث مَالِك بْن صَعْصَعَة أَقْوَى مِنْ هَذَا , وَفِيهِ أَنَّهُ لَقِيَهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة اِنْتَهَى , وَإِذَا جَمَعْنَا بَيْنهمَا بِأَنَّهُ لَقِيَهُ فِي الصُّعُود فِي السَّادِسَة وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى السَّابِعَة فَلَقِيَهُ فِيهَا بَعْد الْهُبُوط اِرْتَفَعَ الْإِشْكَال وَبَطَلَ الرَّدّ الْمَذْكُور وَاللَّهُ أَعْلَم. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!