المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6940)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6940)]
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا , قَوْله ( يَتَنَزَّل رَبُّنَا ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُثَنَّاةٍ وَتَشْدِيد , وَلِأَبِي ذَرّ عَنْ الْمُسْتَمْلِيّ وَالسَّرَخْسِيّ "" يَنْزِل "" بِحَذْفِ التَّاء وَالتَّخْفِيف , وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه فِي "" كِتَاب التَّهَجُّد "" فِي بَاب الدُّعَاء فِي الصَّلَاة فِي آخِر اللَّيْل , وَتَرْجَمَ لَهُ فِي الدَّعَوَات "" الدُّعَاء نِصْف اللَّيْل "" وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مُنَاسَبَة التَّرْجَمَة لِحَدِيثِ الْبَاب مَعَ أَنَّ لَفْظه "" حِين يَبْقَى ثُلُث اللَّيْل "" وَمَضَى بَيَان الِاخْتِلَاف فِيمَا يَتَعَلَّق بِأَحَادِيث الصِّفَات فِي أَوَائِل "" كِتَاب التَّوْحِيد "" فِي بَاب وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , وَالْغَرَض مِنْهُ هُنَا قَوْله "" فَيَقُول مَنْ يَدْعُونِي "" إِلَى آخِره وَهُوَ ظَاهِر فِي الْمُرَاد سَوَاء كَانَ الْمُنَادِي بِهِ مَلَكًا بِأَمْرِهِ أَوْ لَا ; لِأَنَّ الْمُرَاد إِثْبَات نِسْبَة الْقَوْل إِلَيْهِ وَهِيَ حَاصِلَة عَلَى كُلّ مِنْ الْحَالَتَيْنِ , وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الزِّيَادَة الْمُصَرِّحَة بِأَنَّ اللَّه يَأْمُر مَلَكًا فَيُنَادِي فِي "" كِتَاب التَّهَجُّد "" وَتَأْوِيل اِبْن حَزْم النُّزُول بِأَنَّهُ فِعْل يَفْعَلهُ اللَّه فِي سَمَاء الدُّنْيَا كَالْفَتْحِ لِقَبُولِ الدُّعَاء وَأَنَّ تِلْكَ السَّاعَة مِنْ مَظَانّ الْإِجَابَة وَهُوَ مَعْهُود فِي اللُّغَة , تَقُول : فُلَان نَزَلَ لِي عَنْ حَقّه بِمَعْنَى وَهَبَهُ , قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهَا صِفَة فِعْل تَعْلِيقه بِوَقْتٍ مَحْدُود وَمَنْ لَمْ يَزَلْ لَا يَتَعَلَّق بِالزَّمَانِ فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْل حَادِث , وَقَدْ عَقَدَ شَيْخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل الْهَرَوِيُّ وَهُوَ مِنْ الْمُبَالِغِينَ فِي الْإِثْبَات حَتَّى طَعَنَ فِيهِ بَعْضهمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي كِتَابه الْفَارُوق بَابًا لِهَذَا الْحَدِيث , وَأَوْرَدَهُ مِنْ طُرُق كَثِيرَة ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ طُرُق زَعَمَ أَنَّهَا لَا تَقْبَل التَّأْوِيل مِثْل حَدِيث عَطَاء مَوْلَى أُمّ صَبِيَّة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ "" إِذَا ذَهَبَ ثُلُث اللَّيْل "" وَذَكَرَ الْحَدِيث وَزَادَ "" فَلَا يَزَال بِهَا حَتَّى يَطْلُع الْفَجْر فَيَقُول هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَاب لَهُ "" أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَفِيهِ اِخْتِلَاف , وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود وَفِيهِ "" فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْر صَعِدَ إِلَى الْعَرْش "" أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَة إِبْرَاهِيم الْهِجْرِيّ وَفِيهِ مَقَال , وَأَخْرَجَهُ أَبُو إِسْمَاعِيل مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ "" جَاءَ رَجُل مِنْ بَنِي سُلَيْم إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلِّمْنِي "" فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ "" فَإِذَا اِنْفَجَرَ الْفَجْر صَعِدَ "" وَهُوَ مِنْ رِوَايَة عَوْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ بْن مَسْعُود عَنْ عَمّ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَع مِنْهُ , وَمِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت وَفِي آخِره "" ثُمَّ يَعْلُو رَبّنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ "" وَهُوَ مِنْ رِوَايَة إِسْحَاق بْن يَحْيَى عَنْ عُبَادَةَ وَلَمْ يَسْمَع مِنْهُ , وَمِنْ حَدِيث جَابِر وَفِيهِ "" ثُمَّ يَعْلُو رَبّنَا إِلَى السَّمَاء الْعُلْيَا إِلَى كُرْسِيّه "" وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْجَعْفَرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة بْن أَسْلَمَ وَفِيهِمَا مَقَال , وَمِنْ حَدِيث أَبِي الْخَطَّاب "" أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِتْر "" فَذَكَرَ الْوِتْر وَفِي آخِره "" حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْر اِرْتَفَعَ "" وَهُوَ مِنْ رِوَايَة ثُوَيْر بْن أَبِي فَاخِتَة وَهُوَ ضَعِيف , فَهَذِهِ الطُّرُق كُلّهَا ضَعِيفَة وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوتهَا لَا يُقْبَل قَوْله أَنَّهَا لَا تَقْبَل التَّأْوِيل فَإِنَّ مُحَصَّلهَا ذِكْر الصُّعُود بَعْد النُّزُول فَكَمَا قَبِلَ النُّزُول التَّأْوِيل لَا يَمْنَع قَبُول الصُّعُود التَّأْوِيل , وَالتَّسْلِيم أَسْلَمُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم. وَقَدْ أَجَادَ هُوَ فِي قَوْله فِي آخِر كِتَابه فَأَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ مِنْ الصِّفَات وَكُلّهَا مِنْ التَّقْرِيب لَا مِنْ التَّمْثِيل , وَفِي مَذَاهِب الْعَرَب سَعَة , يَقُولُونَ أَمْر بَيِّنٌ كَالشَّمْسِ وَجَوَاد كَالرِّيحِ وَحَقّ كَالنَّهَارِ , وَلَا تُرِيد تَحْقِيق الِاشْتِبَاه وَإِنَّمَا تُرِيد تَحْقِيق الْإِثْبَات وَالتَّقْرِيب عَلَى الْأَفْهَام , فَقَدْ عَلِمَ مَنْ عَقَلَ أَنَّ الْمَاء أَبْعَد الْأَشْيَاء شَبَهًا بِالصَّخْرِ , وَاَللَّه يَقُول ( فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ) فَأَرَادَ الْعِظَم وَالْعُلُوّ لَا الشَّبَه فِي الْحَقِيقَة , وَالْعَرَب تُشَبِّهُ الصُّورَة بِالشَّمْسِ وَالْقَمَر , وَاللَّفْظ بِالسِّحْرِ , وَالْمَوَاعِيد الْكَاذِبَة بِالرِّيَاحِ , وَلَا تَعُدّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَذِبًا وَلَا تُوجِب حَقِيقَة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.


