المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6936)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6936)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } قَالَ أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ فَسَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } { لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ } حَتَّى يَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ { وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا } أَسْمِعْهُمْ وَلَا تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ
حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ( وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ) أُنْزِلَتْ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ بِمَكَّة الْحَدِيث , وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه فِي آخِر تَفْسِير سُورَة سُبْحَان , وَالْمُرَاد مِنْهُ هُنَا قَوْله "" أُنْزِلَتْ "" وَالْآيَات الْمُصَرِّحَة بِلَفْظِ الْإِنْزَال وَالتَّنْزِيل فِي الْقُرْآن كَثِيرَة , قَالَ الرَّاغِب : الْفَرْق بَيْن الْإِنْزَال وَالتَّنْزِيل فِي وَصْف الْقُرْآن وَالْمَلَائِكَة أَنَّ التَّنْزِيل يَخْتَصّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُشِير إِلَى إِنْزَاله مُتَفَرِّقًا وَمَرَّة بَعْد أُخْرَى , وَالْإِنْزَال أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر ) قَالَ الرَّاغِب : عَبَّرَ بِالْإِنْزَالِ دُون التَّنْزِيل ; لِأَنَّ الْقُرْآن نَزَلَ دَفْعَة وَاحِدَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ثُمَّ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( حم وَالْكِتَاب الْمُبِين إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة ) وَمِنْ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاس عَلَى مُكْثٍ , وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ) وَيُؤَيِّد التَّفْصِيل قَوْله تَعَالَى ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل ) فَإِنَّ الْمُرَاد بِالْكِتَابِ الْأَوَّل الْقُرْآن وَبِالثَّانِي مَا عَدَاهُ , وَالْقُرْآن نَزَلَ نُجُومًا إِلَى الْأَرْض بِحَسَب الْوَقَائِع بِخِلَافِ غَيْره مِنْ الْكُتُب , وَيَرِد عَلَى التَّفْصِيل الْمَذْكُور قَوْله تَعَالَى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ نُزِّلَ مَوْضِع أَنْزَلَ , قَالَ : وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيل لَكَانَ مُتَدَافِعًا لِقَوْلِهِ "" جُمْلَة وَاحِدَة "" , وَهَذَا بَنَاهُ هَذَا الْقَائِل عَلَى أَنَّ نُزِّلَ بِالتَّشْدِيدِ يَقْتَضِي التَّفْرِيق فَاحْتَاجَ إِلَى اِدِّعَاء مَا ذَكَرَ , وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ غَيْره : إِنَّ الضَّعِيف لَا يَسْتَلْزِم حَقِيقَة التَّكْثِير بَلْ يَرِد لِلتَّعْظِيمِ , وَهُوَ فِي حُكْم التَّكْثِير مَعْنًى فَبِهَذَا يُدْفَع الْإِشْكَال.



