المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6449)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (6449)]
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ
حَدِيث اِبْن عُمَر "" إِذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَة "" بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام ثُمَّ مُوَحَّدَة , تَقَدَّمَ شَرْحه مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الْبُيُوع. قَالَ الْمُلَهَّب : مَعْنَى قَوْله لَا خِلَابَة لَا تَخْلِبُونِي أَيْ لَا تَخْدَعُونِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلّ. قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ وَارِد مَوْرِد الشَّرْط أَيْ إِنْ ظَهَرَ فِي الْعَقْد خِدَاع فَهُوَ غَيْر صَحِيح , كَأَنَّهُ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُون فِيهِ خَدِيعَة أَوْ قَالَ لَا تَلْزَمنِي خَدِيعَتك : قَالَ الْمُلَهَّب : وَلَا يَدْخُل فِي الْخِدَاع الْمُحَرَّمِ الثَّنَاء عَلَى السِّلْعَة وَالْإِطْنَاب فِي مَدْحهَا فَإِنَّهُ مُتَجَاوَز عَنْهُ وَلَا يَنْتَقِض بِهِ الْبَيْع. وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم فِي الْإِعْلَام : أَحْدَثَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ حِيَلًا لَمْ يَصِحّ الْقَوْل بِهَا عَنْ أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة , وَمَنْ عَرَفَ سِيرَة الشَّافِعِيّ وَفَضْله عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْمُر بِفِعْلِ الْحِيَل الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا لِخِدَاعٍ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي الْعُقُود عَلَى ظَاهِرهَا , وَلَا يَنْظُر إِلَى قَصْد الْعَاقِد إِذَا خَالَفَ لَفْظه , فَحَاشَاهُ أَنْ يُبِيح لِلنَّاسِ الْمَكْر وَالْخَدِيعَة , فَإِنَّ الْفَرْق بَيْن إِجْرَاء الْعَقْد عَلَى ظَاهِره فَلَا يُعْتَبَر الْقَصْد فِي الْعَقْد وَبَيْن تَجْوِيز عَقْد قَدْ عُلِمَ بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَكْر مَعَ الْعِلْم بِأَنَّ بَاطِنه بِخِلَافِ ظَاهِره , وَمَنْ نَسَبَ حِلَّ الثَّانِي إِلَى الشَّافِعِيّ فَهُوَ خَصْمه عِنْد اللَّه فَإِنَّ الَّذِي جَوَّزَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِم يُجْرِي الْحُكْم عَلَى ظَاهِره فِي عَدَالَة الشُّهُود فَيَحْكُم بِظَاهِرِ عَدَالَتهمْ وَإِنْ كَانُوا فِي الْبَاطِن شُهُود زُور , وَكَذَا فِي مَسْأَلَة الْعِينَة إِنَّمَا جَوَّزَ أَنْ يَبِيع السِّلْعَة مِمَّنْ يَشْتَرِيهَا جَرْيًا مِنْهُ عَلَى أَنَّ ظَاهِر عُقُود الْمُسْلِمِينَ سَلَامَتهَا مِنْ الْمَكْر وَالْخَدِيعَة , وَلَمْ يُجَوِّز قَطُّ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَتَوَاطَآنِ عَلَى أَلْف بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ يُحْضِرَانِ سِلْعَة تُحَلِّل الرِّبَا وَلَا سِيَّمَا إِنْ لَمْ يَقْصِد الْبَائِع بَيْعهَا وَلَا الْمُشْتَرِي شِرَاءَهَا , وَيَتَأَكَّد ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ كَأَنْ يَكُون عِنْده سِلْعَة لِغَيْرِهِ فَيُوقِع الْعَقْد وَيَدَّعِي أَنَّهَا مِلْكه وَيُصَدِّقهُ الْمُشْتَرِي فَيُوقِعَانِ الْعَقْد عَلَى الْأَكْثَر ثُمَّ يَسْتَعِيدهَا الْبَائِع بِالْأَقَلِّ وَيَتَرَتَّب الْأَكْثَر فِي ذِمَّة الْمُشْتَرِي فِي الظَّاهِر , وَلَوْ عَلِمَ الَّذِي جَوَّزَ ذَلِكَ بِذَلِكَ لَبَادَرَ إِلَى إِنْكَاره لِأَنَّ لَازِم الْمَذْهَب لَيْسَ بِمَذْهَبٍ , فَقَدْ يَذْكُر الْعَالِم الشَّيْء وَلَا يَسْتَحْضِر لَازِمَهُ حَتَّى إِذَا عَرَفَهُ أَنْكَرَهُ , وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا وَهَذَا مُلَخَّصه وَالتَّحْقِيق أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الْإِثْم فِي الْعَقْد بُطْلَانه فِي ظَاهِر الْحُكْم , فَالشَّافِعِيَّة يُجَوِّزُونَ الْعُقُود عَلَى ظَاهِرهَا يَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ إِنَّ مَنْ عَمِلَ الْحِيَل بِالْمَكْرِ وَالْخَدِيعَة يَأْثَم فِي الْبَاطِن , وَبِهَذَا يَحْصُل الِانْفِصَال عَنْ إِشْكَاله وَاَللَّه أَعْلَمُ.



