موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (56)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (56)]

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو النُّعْمَانِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو عَوَانَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏يَوْمَ مَاتَ ‏ ‏الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ‏ ‏قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ‏ ‏وَالْوَقَارِ ‏ ‏وَالسَّكِينَةِ ‏ ‏حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ فَإِنَّمَا ‏ ‏يَأْتِيكُمْ الْآنَ ثُمَّ قَالَ ‏ ‏اسْتَعْفُوا ‏ ‏لِأَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَشَرَطَ عَلَيَّ ‏ ‏وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ ‏


‏ ‏قَوْله : ( سَمِعْت جَرِير بْن عَبْد اللَّه ) ‏ ‏الْمَسْمُوع مِنْ جَرِير حَمْد اللَّه وَالثَّنَاء عَلَيْهِ , فَالتَّقْدِير : سَمِعْت جَرِيرًا حَمِدَ اللَّه , وَالْبَاقِي شَرْح لِلْكَيْفِيَّةِ. ‏ ‏قَوْله : ( يَوْم مَاتَ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة ) ‏ ‏كَانَ الْمُغِيرَة وَالِيًا عَلَى الْكُوفَة فِي خِلَافَة مُعَاوِيَة , وَكَانَتْ وَفَاته سَنَة خَمْسِينَ مِنْ الْهِجْرَة , وَاسْتَنَابَ عِنْد مَوْته اِبْنه عُرْوَة , وَقِيلَ اِسْتَنَابَ جَرِيرًا الْمَذْكُور , وَلِهَذَا خَطَبَ الْخُطْبَة الْمَذْكُورَة , حَكَى ذَلِكَ الْعَلَائِيّ فِي أَخْبَار زِيَاد. وَالْوَقَار : بِالْفَتْحِ الرَّزَانَة , وَالسَّكِينَة : السُّكُون. وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مُقَدِّمًا لِتَقْوَى اللَّه ; لِأَنَّ الْغَالِب أَنَّ وَفَاة الْأُمَرَاء تُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَاب وَالْفِتْنَة , وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْل الْكُوفَة إِذْ ذَاكَ مِنْ مُخَالَفَة وُلَاة الْأُمُور. ‏ ‏قَوْله : ( حَتَّى يَأْتِيكُمْ أَمِير ) ‏ ‏أَيْ بَدَل الْأَمِير الَّذِي مَاتَ. وَمَفْهُوم الْغَايَة هُنَا , وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُور بِهِ يَنْتَهِي بِمَجِيءِ الْأَمِير لَيْسَ مُرَادًا , بَلْ يَلْزَم ذَلِكَ بَعْد مَجِيء الْأَمِير بِطَرِيقِ الْأَوْلَى , وَشَرْط اِعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالَفَة أَنْ لَا يُعَارِضهُ مَفْهُوم الْمُوَافَقَة. ‏ ‏قَوْله : ( الْآن ) ‏ ‏أَرَادَ بِهِ تَقْرِيب الْمُدَّة تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ , وَكَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مُعَاوِيَة لَمَّا بَلَغَهُ مَوْت الْمُغِيرَة كَتَبَ إِلَى نَائِبه عَلَى الْبَصْرَة وَهُوَ زِيَاد أَنْ يَسِير إِلَى الْكُوفَة أَمِيرًا عَلَيْهَا. ‏ ‏قَوْله : ( اِسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ ) ‏ ‏أَيْ اُطْلُبُوا لَهُ الْعَفْو مِنْ اللَّه , كَذَا فِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة , وَفِي رِوَايَة اِبْن عَسَاكِر "" اِسْتَغْفِرُوا "" بِغَيْنٍ مُعْجَمَة وَزِيَادَة رَاءٍ وَهِيَ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الْمُسْتَخْرَج. ‏ ‏قَوْله : ( فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبّ الْعَفْو ) ‏ ‏فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْجَزَاء يَقَع مِنْ جِنْس الْعَمَل. ‏ ‏قَوْله : ( قُلْت أُبَايِعك ) ‏ ‏تَرَكَ أَدَاة الْعَطْف إِمَّا لِأَنَّهُ بَدَل مِنْ أَتَيْت أَوْ اِسْتِئْنَاف. ‏ ‏قَوْله : ( وَالنُّصْحِ ) ‏ ‏بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْإِسْلَام , وَيَجُوز نَصْبه عَطْفًا عَلَى مُقَدَّر , أَيْ : شَرَطَ عَلَى الْإِسْلَام وَالنَّصِيحَة , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى كَمَالِ شَفَقَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ‏ ‏قَوْله : ( عَلَى هَذَا ) ‏ ‏أَيْ : عَلَى مَا ذُكِرَ. ‏ ‏قَوْله : ( وَرَبّ هَذَا الْمَسْجِد ) ‏ ‏مُشْعِر بِأَنَّ خُطْبَته كَانَتْ فِي الْمَسْجِد , وَيَجُوز أَنْ يَكُون أَشَارَ إِلَى جِهَة الْمَسْجِد الْحَرَام , وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ "" وَرَبّ الْكَعْبَة "" وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَرَف الْمُقْسَم بِهِ لِيَكُونَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ. ‏ ‏قَوْله : ( لَنَاصِح ) ‏ ‏إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُول , وَأَنَّ كَلَامه خَالِص عَنْ الْغَرَض. ‏ ‏قَوْله : ( وَنَزَلَ ) ‏ ‏مُشْعِر بِأَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَر , أَوْ الْمُرَاد قَعَدَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَة قَوْله : قَامَ فَحَمِدَ اللَّه تَعَالَى. ‏ ‏( فَائِدَة ) : ‏ ‏التَّقْيِيد بِالْمُسْلِمِ لِلْأَغْلَبِ , وَإِلَّا فَالنُّصْح لِلْكَافِرِ مُعْتَبَر بِأَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَام وَيُشَار عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ إِذَا اِسْتَشَارَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْبَيْع وَنَحْو ذَلِكَ فَجَزَمَ أَحْمَد أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيث. ‏ ‏( فَائِدَة أُخْرَى ) : ‏ ‏خَتَمَ الْبُخَارِيّ كِتَاب الْإِيمَان بِبَابِ النَّصِيحَة مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ فِي الْإِرْشَاد إِلَى الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح دُون السَّقِيم , ثُمَّ خَتَمَهُ بِخُطْبَةِ جَرِير الْمُتَضَمِّنَة لِشَرْحِ حَاله فِي تَصْنِيفه فَأَوْمَأَ بِقَوْلِهِ "" فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمْ الْآن "" إِلَى وُجُوب التَّمَسُّك بِالشَّرَائِعِ حَتَّى يَأْتِي مَنْ يُقِيمهَا , إِذْ لَا تَزَال طَائِفَة مَنْصُورَة , وَهُمْ فُقَهَاء أَصْحَاب الْحَدِيث. وَبِقَوْلِهِ "" اِسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ "" إِلَى طَلَب الدُّعَاء لَهُ لِعَمَلِهِ الْفَاضِل. ثُمَّ خَتَمَ بِقَوْلِ "" اِسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ "" فَأَشْعَرَ بِخَتْمِ الْبَاب. ثُمَّ عَقَّبَهُ بِكِتَابِ الْعِلْم لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث النَّصِيحَة أَنَّ مُعْظَمهَا يَقَع بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيم. ‏ ‏( خَاتِمَة ) : ‏ ‏اِشْتَمَلَ كِتَاب الْإِيمَان وَمُقَدِّمَته مِنْ بَدْء الْوَحْي مِنْ الْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة عَلَى أَحَد وَثَمَانِينَ حَدِيثًا بِالْمُكَرَّرِ مِنْهَا فِي بَدْء الْوَحْي خَمْسَة عَشَر , وَفِي الْإِيمَان سِتَّة وَسِتُّونَ , الْمُكَرَّر مِنْهَا ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ , مِنْهَا فِي الْمُتَابَعَات بِصِيغَةِ الْمُتَابَعَة أَوْ التَّعْلِيق اِثْنَانِ وَعِشْرُونَ , فِي بَدْء الْوَحْي ثَمَانِيَة , وَفِي الْإِيمَان أَرْبَعَة عَشَر , وَمِنْ الْمَوْصُول الْمُكَرَّر ثَمَانِيَة , وَمِنْ التَّعْلِيق الَّذِي لَمْ يُوصَل فِي مَكَان آخَر ثَلَاثَة , وَبَقِيَّة ذَلِكَ وَهِيَ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا مَوْصُولَة بِغَيْرِ تَكْرِير. وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِم عَلَى تَخْرِيجهَا إِلَّا سَبْعَة وَهِيَ : الشَّعْبِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فِي : الْمُسْلِم وَالْمُهَاجِر , وَالْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي : حُبّ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَابْن أَبِي صَعْصَعَة عَنْ أَبِي سَعِيد فِي : الْفِرَار مِنْ الْفِتَن , وَأَنَس عَنْ عُبَادَةَ فِي لَيْلَة الْقَدْر , وَسَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي : الدِّين يُسْر , وَالْأَحْنَف عَنْ أَبِي بَكْرَة فِي الْقَاتِل وَالْمَقْتُول , وَهِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة فِي : أَنَا أَعْلَمكُمْ بِاَللَّهِ. وَجَمِيع مَا فِيهِ مِنْ الْمَوْقُوفَات عَلَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ثَلَاثَة عَشَر أَثَرًا مُعَلَّقَة , غَيْر أَثَر اِبْن النَّاطُور فَهُوَ مَوْصُول. وَكَذَا خُطْبَة جَرِير الَّتِي خَتَمَ بِهَا كِتَاب الْإِيمَان. وَاَللَّه أَعْلَم. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!