المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (548)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (548)]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ تَابَعَهُ عَبْدَةُ
قَوْله : ( عَنْ هِشَامٍ ) هُوَ اِبْن عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ. قَوْله : ( لَا تَحَرَّوْا ) أَصْله لَا تَتَحَرَّوْا , فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ , وَالْمَعْنَى لَا تَقْصِدُوا. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمُرَاد بِذَلِكَ , فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ السَّابِق وَمُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ بِهِ فَقَالَ : لَا تُكْرَه الصَّلَاة بَعْدَ الصُّبْح وَلَا بَعْدَ الْعَصْر إِلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِصَلَاتِهِ طُلُوع الشَّمْس وَغُرُوبهَا , وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر وَقَوَّاهُ اِبْن الْمُنْذِر وَاحْتَجَّ لَهُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِم مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : وَهِمَ عُمَر , إِنَّمَا نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُتَحَرَّى طُلُوع الشَّمْس وَغُرُوبهَا. اِنْتَهَى. وَسَيَأْتِي مِنْ قَوْل اِبْن عُمَر أَيْضًا مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا بَعْدَ بَابَيْنِ , وَرُبَّمَا قَوَّى ذَلِكَ بَعْضهمْ بِحَدِيثِ "" مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنْ الصُّبْح قَبْل أَنْ تَطْلُع الشَّمْس فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا الْأُخْرَى "" فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَة مُخْتَصَّة بِمَنْ قَصَدَ الصَّلَاة فِي ذَلِكَ الْوَقْت لَا مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ اِتِّفَاقًا , وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي آخِرِ الْبَاب الَّذِي بَعْدَهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ نَهْيًا مُسْتَقِلًّا , وَكَرِهَ الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْأَوْقَات سَوَاء قَصَدَ لَهَا أَمْ لَمْ يَقْصِدْ , وَهُوَ قَوْل الْأَكْثَر. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لِأَنَّهَا رَأَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْر , فَحَمَلَتْ نَهْيَهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَا عَلَى الْإِطْلَاق , وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَلَّى حِينَئِذٍ قَضَاء كَمَا سَيَأْتِي , وَأَمَّا النَّهْي فَهُوَ ثَابِت مِنْ طَرِيق جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة غَيْر عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَلَا اِخْتِصَاص لَهُ بِالْوَهْمِ وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( وَقَالَ : حَدَّثَنِي اِبْن عُمَر ) هُوَ مَقُول عُرْوَة أَيْضًا , وَهُوَ حَدِيث آخَر , وَقَدْ أَفْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَذَكَرَ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ الْحَدِيثَانِ مَعًا مِنْ رِوَايَة عَلِيِّ بْن مُسْهِرٍ وَعِيسَى بْن يُونُسَ وَمُحَمَّد بْن بِشْرٍ وَوَكِيع وَمَالِكِ اِبْن سَعِيرٍ وَمُحَاضِر كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ , وَأَنَّهُ وَقَعَ لَهُ الْحَدِيث الثَّانِي فَقَطْ مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر عَنْ هِشَامٍ. قَوْله : ( حَتَّى تَرْتَفِع ) جَعَلَ اِرْتِفَاعهَا غَايَةَ النَّهْيِ , وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَة مَنْ رَوَى الْحَدِيث الْمَاضِي بِلَفْظِ "" حَتَّى تُشْرِقَ "" مِنْ الْإِشْرَاق وَهُوَ الِارْتِفَاع كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْله : ( تَابَعَهُ عَبْدَةُ ) يَعْنِي اِبْن سُلَيْمَانَ , وَالضَّمِير يَعُود عَلَى يَحْيَى بْن سَعِيد وَهُوَ الْقَطَّان , يَعْنِي تَابَعَ يَحْيَى الْقَطَّان عَلَى رِوَايَته لِهَذَا الْحَدِيث عَنْ هِشَامٍ , وَرِوَايَة عَبْدَةَ هَذِهِ مَوْصُولَة عِنْد الْمُصَنِّفِ فِي بَدْء الْخَلْق , وَفِيهِ الْحَدِيثَانِ مَعًا وَقَالَ فِيهِ "" حَتَّى تَبْرُزَ "" بَدَلَ تَرْتَفِع. وَقَالَ فِيهِ "" لَا تَحَيَّنُوا , بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّة وَالنُّون وَزَادَ فِيهِ "" فَإِنَّهَا تَطْلُع بَيْن قَرْنَيْ شَيْطَان "" وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى عِلَّة النَّهْي عَنْ الصَّلَاة فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ , وَزَادَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن عَبَسَةَ "" وَحِينَئِذٍ يَسْجُد لَهَا الْكُفَّار "" فَالنَّهْي حِينَئِذٍ لِتَرْكِ مُشَابَهَة الْكُفَّار , وَقَدْ اِعْتَبَرَ ذَلِكَ الشَّرْع فِي أَشْيَاء كَثِيرَة وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى أَبِي مُحَمَّد الْبَغَوِيِّ حَيْثُ قَالَ : إِنَّ النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ , وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ التَّعَبُّد الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَان بِهِ , وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى الْمُرَاد بِقَوْلِهِ "" بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَان "" فِي أَوَائِل بَدْء الْخَلْق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. قَوْله : ( حَاجِبُ الشَّمْس ) أَيْ طَرَفُ قُرْصهَا , قَالَ الْجَوْهَرِيّ : حَوَاجِب الشَّمْس نَوَاحِيهَا.



