المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (547)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (547)]
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا
قَوْله : ( هِشَامٌ ) هُوَ اِبْن أَبِي عَبْد اللَّه الدَّسّْتُوَائِيُّ. قَوْله : ( عَنْ أَبِي الْعَالِيَة ) هُوَ الرِّيَاحِيُّ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّة وَاسْمُهُ رُفَيْعٌ بِالتَّصْغِيرِ , وَوَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَة غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ , وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّف طَرِيق يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْت أَبَا الْعَالِيَة. وَالسِّرّ فِيهَا التَّصْرِيح بِسَمَاعِ قَتَادَةَ لَهُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَة وَإِنْ كَانَتْ طَرِيق هِشَامٍ أَعْلَى مِنْهَا. قَوْله : ( شَهِدَ عِنْدِي ) أَيْ أَعْلَمَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي , وَلَمْ يُرِدْ شَهَادَةَ الْحُكْمِ. قَوْله : ( مَرْضِيُّونَ ) أَيْ لَا شَكَّ فِي صِدْقِهِمْ وَدِينِهِمْ , وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق يَزِيدَ بْن زُرَيْعٍ عَنْ هَمَّامٍ "" شَهِدَ عِنْدِي رِجَال مَرْضِيُّونَ فِيهِمْ عُمَر "" وَلَهُ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة "" حَدَّثَنِي رِجَال أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ عُمَرُ. قَوْله : ( نَاس بِهَذَا ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيث بِمَعْنَاهُ , فَإِنَّ مُسَدَّدًا رَوَاهُ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظه "" حَدَّثَنِي نَاس أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ عُمَر "" وَقَالَ فِيهِ "" حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس "" وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيّ عَنْهُ "" سَمِعْت غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَر , وَكَانَ مِنْ أَحَبِّهِمْ إِلَيَّ "". قَوْله : ( بَعْدَ الصُّبْح ) أَيْ بَعْدَ صَلَاة الصُّبْح لِأَنَّهُ لَا جَائِز أَنْ يَكُون الْحُكْم فِيهِ مُعَلَّقًا بِالْوَقْتِ , إِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَدَاء الصُّبْح , فَتَعَيَّنَ التَّقْدِير الْمَذْكُور. قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : هَذَا الْحَدِيث مَعْمُول بِهِ عِنْد فُقَهَاء الْأَمْصَار , وَخَالَفَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ وَبَعْض الظَّاهِرِيَّة مِنْ بَعْض الْوُجُوه. قَوْله : ( حَتَّى تُشْرِقَ ) بِضَمِّ أَوَّله مِنْ أَشْرَقَ , يُقَال أَشْرَقَتْ الشَّمْس اِرْتَفَعَتْ وَأَضَاءَتْ , وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْآتِي فِي الْبَاب بَعْدَهُ بِلَفْظِ "" حَتَّى تَرْتَفِع الشَّمْس "" وَيُرْوَى بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمِّ ثَالِثه بِوَزْنِ تَغْرُبُ يُقَال شَرَقَتْ الشَّمْس أَيْ طَلَعَتْ , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ اِبْن عُمَر شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِلَفْظِ "" حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْس أَوْ تَطْلُع "" عَلَى الشَّكِّ , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي رِوَايَة مُسَدَّدٍ "" حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس "" بِغَيْرِ شَكٍّ , وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْآتِي آخِرَ الْبَاب بِلَفْظِ "" حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس "" بِالْجَزْمِ , وَيُجْمَعُ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَاد بِالطُّلُوعِ طُلُوع مَخْصُوص , أَيْ حَتَّى تَطْلُع مُرْتَفِعَة. قَالَ النَّوَوِيّ : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى كَرَاهَة صَلَاة لَا سَبَب لَهَا فِي الْأَوْقَات الْمَنْهِيِّ عَنْهَا , وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز الْفَرَائِض الْمُؤَدَّاة فِيهَا , وَاخْتَلَفُوا فِي النَّوَافِل الَّتِي لَهَا سَبَب كَصَلَاةِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسُجُود التِّلَاوَة وَالشُّكْر وَصَلَاة الْعِيد وَالْكُسُوف وَصَلَاة الْجِنَازَة وَقَضَاء الْفَائِتَة , فَذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة إِلَى جَوَاز ذَلِكَ كُلّه بِلَا كَرَاهَة , وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ دَاخِل فِي عُمُوم النَّهْيِ , وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى سُنَّةَ الظُّهْر بَعْدَ الْعَصْر , وَهُوَ صَرِيح فِي قَضَاء السُّنَّةِ الْفَائِتَة فَالْحَاضِرَة أَوْلَى وَالْفَرِيضَة الْمَقْضِيَّة أَوْلَى , وَيَلْتَحِق مَا لَهُ سَبَب. قُلْت : وَمَا نَقَلَهُ مِنْ الْإِجْمَاع وَالِاتِّفَاق مُتَعَقَّبٌ , فَقَدْ حَكَى غَيْره عَنْ طَائِفَة مِنْ السَّلَف الْإِبَاحَة مُطْلَقًا وَأَنَّ أَحَادِيث النَّهْيِ مَنْسُوخَة , وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَغَيْره مِنْ أَهْل الظَّاهِر , وَبِذَلِكَ جَزَمَ اِبْن حَزْمٍ , وَعَنْ طَائِفَة أُخْرَى الْمَنْع مُطْلَقًا فِي جَمِيع الصَّلَوَات , وَصَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَكَعْب بْن عُجْرَةَ الْمَنْع مِنْ صَلَاة الْفَرْض فِي هَذِهِ الْأَوْقَات , وَحَكَى آخَرُونَ الْإِجْمَاع عَلَى جَوَاز صَلَاة الْجِنَازَة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة , وَهُوَ مُتَعَقَّب بِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ , وَمَا اِدَّعَاهُ اِبْن حَزْمٍ وَغَيْره مِنْ النَّسْخ مُسْتَنِدًا إِلَى حَدِيث "" مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْح رَكْعَة قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْس فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى "" فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَة الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَنْهِيَّةِ. اِنْتَهَى. وَقَالَ غَيْرهمْ : اِدِّعَاء التَّخْصِيص أَوْلَى مِنْ اِدِّعَاء النَّسْخ فَيُحْمَلُ النَّهْي عَلَى مَا لَا سَبَب لَهُ , وَيَخُصّ مِنْهُ مَا لَهُ سَبَب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعًا بَيْن الْأَدِلَّة , وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الصُّبْح وَالْعَصْر وَعِنْدَ الطُّلُوع وَالْغُرُوب وَعِنْدَ الِاسْتِوَاء , فَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى الْجَوَاز مُطْلَقًا وَكَأَنَّهُ حَمَلَ النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه. قُلْت : بَلْ الْمَحْكِيّ عَنْهُ أَنَّهُ اِدَّعَى النَّسْخ كَمَا تَقَدَّمَ , قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيّ تَجُوز الْفَرَائِض وَمَا لَهُ سَبَب مِنْ النَّوَافِل , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَحْرُمُ الْجَمِيع سِوَى عَصْر يَوْمه , وَتَحْرُمُ الْمَنْذُورَة أَيْضًا. وَقَالَ مَالِك : تَحْرُمُ النَّوَافِل دُونَ الْفَرَائِض , وَوَافَقَهُ أَحْمَد , لَكِنَّهُ اِسْتَثْنَى رَكْعَتَيْ الطَّوَاف. ( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَقَع لَنَا تَسْمِيَة الرِّجَال الْمَرْضِيِّينَ الَّذِينَ حَدَّثُوا اِبْن عَبَّاس بِهَذَا الْحَدِيث , وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْض مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْعُمْدَة تَجَاسَرَ وَزَعَمَ أَنَّهُمْ الْمَذْكُورُونَ فِيهَا عِنْد قَوْل مُصَنِّفِهَا : وَفِي الْبَاب عَنْ فُلَان وَفُلَان. وَلَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْمُتَجَاسِرُ خَطَأً بَيِّنًا فَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ.



